تصريح العمل الحر.. مصريون يسلكون طريقًا من مسربٍ واحد

الرابط المختصر

"عنده دوالي برجليه وعنده عملية ومش قادر يروح ع المستشفى"، بهذه الكلمات تلّخص المصريّة أم سمير (37 عامًا) معاناة زوجها وعدم قدرته على التنقّل نتيجة التعميم عليه لانتهاء تصريح عمله الحرّ وعدم تجديده.

يعمل أبو سمير (40 عامًا) في طلاء المنازل منذ سفره من مصر إلى الأردن عام 2007 وتوقيعه عقد عملٍ مع إحدى الشركات قبل توجهه للعمل لصالحه واستصدار تصريح عملٍ حرّ عام 2008 وإحضار عائلته إلى الأردن.

التزم أبو سمير بتسديد رسوم التصاريح إلى أن تدهور عمله إثر جائحة كورونا وتراكمت عليه قرابة 3250 دينارًا وقُبض عليه من قِبل الجهات الأمنيّة خلال توجهه إلى العمل باعتباره عاملًا مخالفًا، وهو ما دفع زوجته للتوجه إلى مختلف الجهات وطرق أبواب الجيران أملًا في الحصول على مساعدةٍ منهم، وتمكّنّ مجموعةٍ من المصريين المقيمين في الأردن من جمع المبلغ كاملًا وتسديده عنه؛ لتقضي العائلة بعدها الوقت في سداد هذه الديون مما ساهم بتخلّفه عن الدفع مرةً أُخرى.

تقّص الزوجة محاولاتها المتكررة البحث عن عملٍ لدعم زوجها، غير أنَّ كل جهودها باءت بالفشل، إضافةً إلى عدم قدرتها على السفر وزيارة والدها المريض في مصر؛ لأن السلطات ستسألها عن تصريح زوجها وهي المشكلة ذاتها التي يُعانيها أبناؤهم. 

ودأب أبو سمير على المحاولة في تغيير نوع التصريح الحاصل عليه للحصول على عملٍ آخر يوفر له دخلًا جيّدًا، إلا أنَّ تعليمات وزارة العمل التي تمنع الانتقال من فئةٍ تصريحيًّةٍ إلى أُخرى، حالت دون ذَلك وهو ما دعاه للعمل بشكلٍ مخالف.

 

ليس الوحيد

أبو سمير ليس العامل المصريّ الوحيد الذي يعاني؛ إذ أن هناك أكثر من 18 ألف تصريح عملٍ حر ساري المفعول لمصريين في الأردن؛ بحسب الجاليّة المصريّة، يعاني أبناؤها من مشاكل تتعلّق بعدم حصولهم على يوميّاتهم أو عدم قدرتهم على ترك العمل الحرّ والعمل بشكلٍ ثابت وتراكمٍ للديون وتهديدٍ بتسفيرهم من البلاد، وبالتالي تفكيك العديد من الأُسر بين الأردن ومصر. 

ولا تختلف حالة خالد – اسمٌ مستعار- عن حالة أبي سمير؛ إذ يعمل في (التبليط) ويتقاضى أجر 30 دينارًا، وتم التعميم عليه عام 2021 بسبب تراكم غرامات تصاريح عمل 4000 دينار عليه وعدم قدرته على توفير هذا المبلغ، مما جعله لا يغادر المنزل إلا نادرًا، ومحاولة ابنته وزوجته إيجاد عملٍ لهما في الأردن بعد تعطّل عمل معيلهما.

ويتحدث العامل عن عجزه توفير النقود لبناته للحصول على حافلةٍ تقلهنَّ من المنزل إلى مدرستهنَ البعيدة مسافة ساعة، في حين طرد المدير ابنه من المدرسة طالبًا منه جلب النقود من أجل ضمان استمراريّة ارتياده لها، يقول عن ذلك "المدير طارده بدو 80 دينار".

فيما تعبّر زوجته نجاح –اسمُ مستعار- عن عدم قدرتها على التنقّل بين مصر والأردن نتيجة التعميم على زوجها، وتروي ما حدث معها في إحدى المرات حين انتظرت خالد لساعاتٍ أمام باب المنزل لاعتقادها أن الشرطة ألقت القبض عليه ولن يتمكن من العودة، موضحةً "كنت أنتظره  في الشارع بسبب التوتر والقلق، (جاني السكر من كثر التفكير).

 

تصريح العمل الحرّ والانتهاكات

وتلخص مديرة قسم الإعلام في جمعية تمكين للمساعدة القانونيّة وحقوق الإنسان شيرين مازن التحديات التي يواجهها العمال المصريون الحاصلون على تصريح عملٍ حرّ؛ بالتكلفة المرتفعة لإصدار التصريح مع عدم توفر فرص العمل بشكل مستمر؛ فالعديد من العمال قد لا يجدون عمل لأكثر من أسبوع، إلى جانب عدم حصولهم على الأجر المتفق عليه، أو التأخر  في تسلم الأجور  لفترات تتجاوز الـ3 أشهر.

 وتضيف أيضًا سهولة خداعهم والاحتيال  من ناحية الأجور بسبب عدم وجود عقود في العمل وكل الاتفاقات تكون شفهيًا ما يزيد صعوبة توفير قيمة رسوم إصدار تصريح عمل حر، ووجود إلتزامات أخرى على العمال منها أجور السكن والكهرباء والمياه إلى جانب تكاليف المعيشة من طعام وشراب، ومصروفات عائلاتهم في مصر وهي تكاليف شهرية يتحملها العمال.

وتتابع مازن الحديث عن إلزام العمال بالاشتراك في المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي ودفع كامل الاشتراكات لمدة عام كامل مقدمًا عند استصدار التصريح ما يحمل العمال تكاليف مالية أخرى غالبًا لا يستطيع دفعها، وما يدفعه لعدم تجديد التصريح الحر حال إنتهاءه ما يُراكم عليه غرامات عدم تجديد التصريح،  فيما ألزم الضمان الاجتماعيّ العمال غير الأردنيين الراغبين في الحصول على تصريح عمل حر التقدم بطلب الشمول بمظلة الضمان الاجتماعي، حيث يُلزم العامل بالشمول بتأمين إصابات العمل والتعطل والأمومة والوفاة والعجز الطبيعي.

وتلفت إلى أن هذه التحديات المُشتركة تدفع بالكثير من العمال المصريين إلى العمل بشكلٍ مخالف نتيجة عدم قدرتهم المالية على تجديد تصريح العمل الحر، ما يجعلهم يتوجهون لسوق العمل بشكل غير نظامي، ويرتب عليهم غرامة تأخير تجديد التصريح  بملغ 200 دينارًا أردنيًا.

من جانبها تؤكد المحامية العماليّة إيناس زايد تمكّن العمال –سابقًا- من تغيير نوع أو فئة تصريح العمل دون الاضطرار للسفر إلى مصر وتغييره، غير أنَّ هذا لم يعد متاحًا الآن؛ إذ تتغيّر التعليمات من وقتٍ لآخر، موضحةً "لا يمكن لوزارة العمل إعطاء تصريح عملٍ حرّ لأعداد كبيرة حتى وإن احتاجوا لذلك".

وتضيف بأن غالبيّة عمال المياومة غير منتسبين للضمان الاجتماعي، ولا يخدمهم قانون العمل بشكلٍ دائم؛ لأنهم أشخاصٌ يمكن الاستغناء عنهم في أي وقت طالما لا يعتمدون على الأجرة اليوميّة.

ولا يمكن للعامل التوجه لوزارة العمل في كل مرة من أجل تقديم الشكاوى؛ لعدم وجود آليةٍ لتحصيل حقوق عمّال المياومة، إضافةً إلى صعوبة توجههم للمحكمة؛ نظرًا لطول أمد المحاكمة حتى وإن كان المبلغ بسيطًا؛ بحسب المحاميّة التي نوهّت إلى أنَّ عدم وجود كفيلٍ لعمّال المياومة يصعّب من تحصيل حقوقهم. 

 

من وجهة نظر أخرى

فيما يقول صاحب العمل منير خالد والذي طلب عدم الكشف عن اسمه حمايةً له، بأنّه يقوم بتوظيف عمالٍ مصريين مخالفين؛ لصعوبة تغيير تصريح عملهم الحرّ وحاجته للعديد من العمّال في المصانع، مضيفًا "لو إجاني عامل بتصريح عمل حر منتهي وبدو شغل بَشَغلُه".

ويلفت إلى وجود تفاوتٍ بين تعليمات وزارة العمل وما يتم تطبيقه على العمال في أرض الواقع، مشيرًا إلى تهرّب السفارة المصريّة من مساعدة العمَّال وتصويرها واقعهم بالـ"ورديّ" جدًا. 

فيما يتطرق خالد للحديث عن وجود مئات البنود من التعليمات التي يتوقعون من العامل معرفتها وحفظها وهو ما لا يحدث؛ مما يدفع العمَّال لجهل القانون والإجراءات وبالتالي حقوقهم وعدم معرفتهم بها قبل مجيئهم إلى الأردن، مشددًا "هناك ظلم على العامل وصاحب العمل".

 ويؤكد الناطق باسم وزارة العمل محمد الزيود عدم إجبار العمال على امتلاك تصريح عملٍ حُرّ، فهناك 3 خياراتٍ أمامهم للحصول على التصريح، قائلًا إن "من يملكون تصريح العمل حرّ قادرون على التنقل بين مختلف مناطق المملكة دون أية قيود أو محددات وهو ما يرفع من رسوم هذا النوع من التصاريح".

ويشير إلى عدم تمييز قانون العمل بين العامل الأردنيّ وغيره. فيما يصل سعر تصريح العمل الحرّإلى 1200 دينار مع اشتراكات الضمان ويترتب عليه غرامة في حال تخلّف العامل عن دفع المبلغ لأكثر من 3 أشهر.

أمّا الناطق باسم المؤسسة العامة للضمان الاجتماعيّ أنس القضاة فيقول إنَّ أسعار اشتراكات تصريح العمل تختلف وفقًا لشريحة المرتب الشهريّ، مستدركًا أنَّ عمال المياومة قادرون على إيجاد دخلٍ مضاعف مما يجعل المبلغ المطلوب لا يعتبر كبيرًا بالنسبة لدخل العمّال.

 

بالأرقام

وتبلغ قيمة استصدار التصريح الحر 1400دينارًا أردنيًا في القطاع الزراعي و1900 دينارًا أردنيًا في قطاعي الانشاءات والتحميل والتنزيل، وهو ما يعتبر مرتفعًا إذا ما قورن برسوم إصدار تصريح العمل العادي، لتقرر وزارة العمل في العام 2022 توحيد رسوم تصاريح العمل الحر لتصبح بما فيها المبالغ الإضافية ليصبح 850 دينارًا أردنيًا لكل عامل من عمال المياومة للتصريح الحر في القطاع الزراعي أو الإنشاءات أو التحميل والتنزيل؛ بحسب تمكين.

ويشرح رئيس اتحاد العمال المصريين فرع الأردن، عادل جابر أن غالبية العمالة المصرية فى الأردن هى عمالة مهنية، تعمل بنظام اليومية، وغالبًا ما ترتكز عمالتهم فى المجال الخدماتى والإنشاءات والتعمير، وبعضهم أصحاب أعمال، ويتواجدون فى أماكن عملهم من الورش المهنية أو (الدواوير).

ويبلغ عدد العمال المصريين الحاصلين على تصريح عمل ساري المفعول في الأردن 124 ألف عامل؛ بحسب وزارة العمل الأردنيّة.