تسوّل بالاكراه..أطفال المهنة الممنوعة

 تنتظر سوسن "اسم مستعار"(16 عاما) بين لحظة وأخرى صرخات طفليها التوأم معلنة قدومهما للحياة ليشاركاها رحلة التسول والتنقل من شارع لآخر ومن إشارة ضوئية لأخرى.

سوسن ابنة بيئتها الغجرية  أو من يطلق عليهم "النّور" التي يمتهن بعض أفرادها التسول ويعتبرونه مصدر دخل لهم، فالغالبية العظمى منهم بحسب مدير مديرية مكافحة التسول بوزارة التنمية الاجتماعية ماهر كلوب يؤكد ان غالبية هذه الفئة أميون لا يقرأون ولا يكتبون ولا يتقنون أي حرفة باستثناء بعض المهن البسيطة التي لا توفر لهم دخلاً مادياً يوازي ما يحصلون عليه من  التسول.

تقول سوسن:" أوفر دخلاً جيداً لعائلتي من التسول، وزوجي وأبي لا يجدان مشكلة في تسولي فهي مهنتي حتى قبل أن أتزوج".وتؤكد بأنها ستعود لعملها بعد وضعها لجنينيها اللذين سيشاركاها العمل عند عودتها للشارع على الرغم من تسجيل أكثر من قضية تسول بحقها ودخولها لمركز تأهيل ورعاية المتسولات/ الظليل أكثر من مرة فهي أمية ولا تتقن مهنة أخرى.

مديرة مركز تأهيل ورعاية المتسولات/ الظليل نادية النمر تؤكد أن تكرار جريمة التسول للأحداث يرتبط بعوامل اجتماعية واقتصادية وقانونية ولا يمكن بأي حال من الأحوال تحميل المسؤولية فيها للحدث "الطفل" منفرداً. 

وأن "التشريعات الموجودة حالياً غير رادعة وتضع الطفل في مواجهة مع القانون دون إيجاد سُبل لمحاسبة مستغلية الذين يبادرون لإعادة تكفيلة وإخراجه من دور الرعاية في غضون أسبوع "لإعادته للشارع .

موضحتاً أن العوامل الاجتماعية المحيطة بالفرد وتقبل محيطة لفكرة التسول كمهنة مشروعة في نظرهم، إضافة للدخل المادي الجيد تسهم في ازدياد أعداد ممتهني التسول على الرغم من تكرار تسجيل قضايا بحقهم وأيداعهم لدور الرعاية وهو ما يؤثر سلباً في نجاح برامج إعادة التأهيل التي تقدم لنزيلات المركز.

تسول وتحرش

الطفلة اسمهان "اسم مستعار"  16 عاماً تحدثت عن تحرش شبان بها خلال عملها في التسول مظهرتاً تقبلاً ضمنياً وتفهماً لما جرى واعتباره شيئاً اعتيادياً كجزء من الحياة اليومية للشبان والفتيات، وعند سؤالها من الميسرة المجتمعية /مركز تمكين خولة عبدالله حول تفاصيل ما جرى معها وطلب أحد الشباب منها مرافقته قالت:" يعني الشب لما ينادي ع البنت شو بيكون بده منها، غير اشي مش كويس". مؤكدتاً في ذات الوقت عدم قبولها الذهاب معه أو السماح له بالاقتراب منها وهي تنظر لرفيقاتها في التسول بنظرات متوجسة.

ما جرى مع أسمهان بحسب عبدالله حادث اعتيادي يتكرر مع الكثير من الفتيات المتسولات وربما  أن حالتها تشابهت مع حالات أخرى تطورت لحدوث اعتداءات متعددة بعضها جنسي وبعضها الآخر جسدي ولفظي حيث تتعرض هؤلاء الفتيات لألفاظ نابية من قبل بعض الشبان إضافة لملاحقتهم لهن ومحاولة الاستيلاء على الأموال التي بحوزتهن خلال وجودهن في الشارع مما يتسبب في تعريض سلامتهن للخطر.

تسول بالإكراه

رغم ذلك تؤكد الميسرة الاجتماعية خولة عبدالله وجود حالات ربما تكون ضحية للظروف الأسرية والإجتماعية المحيطة بها والتي تجبرها قصراً على التسول كما هو حال سناء "اسم مستعار" 14 عاماً والتي تتسول بناءَ على رغبة والدها، الذي يقول لها "اذا ما شحدتِ اخوانك بيموتوا من الجوع"، بينما هو لا يعمل، ولا يجد عمل بحسب ادعاءاتها فتضطر للنزول للشارع بدلاً من متابعة تعليمها.

وترى عبدالله أن التعامل مع القاصرات "الأحداث" عند إجراء الدراسة الاجتماعية والضبط المرافق لعملية إلقاء القبض عليهن لا يعدوا كونه تعبئة للأوراق فلا تتم متابعة صحة المعلومات الواردة فية أو متابعتها للتعرف لحقيقة الظروف والضغوط التي يتعرضن لها وهل عملهن بالتسول أصبح مهنة أم أنه ناتج عن تردي الأوضاع المعيشية وحاجة الأسر لدخل أساسي أو ثانوي مساند للإستمرار في توفير حياة جيدة لأفرادها مما يبقي الباب موارباً أمامهن للعودة للشارع في ظل عدم توفير منظومة حماية اجتماعية تعنى بالفئات المهمشة والأكثر فقراً.

الناطق باسم مؤسسة إنقاذ الطفل الأردن صفاء الجيوسي أكدت أن هؤلاء الأطفال ليسوا الضحية الوحيدة للعنف، إذ أنه يقوض الأساس الذي يقوم عليه التقدم الاجتماعي، ويؤثر على مجتمعات بأكملها، ولذلك يجب التعامل مع هذا الملف بشمولية وتكامل.

وأن حماية الأطفال هي واحدة من أساسيات حقوق الإنسان، لما للعنف من آثار نفسية طويلة الأمد في حياة الأطفال، وعواقب وخيمة على نمائهم وتقدمهم. وأن نحو 152 مليون طفل منخرطون في عمالة الأطفال على مستوى العالم - ما يقرب من 1 من كل 10 أطفال في جميع أنحاء العالم. النصف (73 مليون) يقومون بأعمال خطرة من ضمنها التسول، وهو ما ينذر بوجود إشكاليات طويلة المدى .

التسخير للتسول

مدير مديرية مكافحة التسول في وزارة التنمية ماهر كلوب يؤكد أن التعامل مع المتسولين على اختلاف فئاتهم يتم ضمن حدود القانون والتعليمات المعمول بها وأن مهمة الوزارة تنحصر في ضبطهم وتحويلهم للقضاء الذي يتولى بدوره الفصل في قضاياهم وتحويل الأحداث منهم لدور الرعاية أو تكفيلهم.

وليس من صلاحيات الوزارة متابعة أي قضية أو التعقيب عليها بعد توديعها للقضاء، وأن المشكلة الرئيسة في ملف تكرار الأحداث للتسول في نصوص القانون وآليات إنفاذه التي تحتاج لتعديلات تتوائم والحالات الجرمية المضبوطة.

ودعا لتعديل التشريعات وتغليظ العقوبات، خاصة المتعلقة بالأشخاص المتهمين ب “التسخير للتسول”، حيث يستغلون أبناءهم وبناتهم ومجموعات من الأطفال والسيدات للعمل بمجال التسول في الأماكن العامة مع تقديم الحماية لهم وتنظيم توزيعهم وجمعهم واعتبارهم شركاء في الجرم ومحاسبتهم، مع التأكيد على أهمية إيجاد أدوات للقضاء لوقف حالات التكرار خصوصاً في قضايا الأحداث.

ويرجح مختصون تراجع أرقام التسول بعد الموافقة على تعديل قانون منع الاتجار بالبشر رقم 9 لسنة 2009، والذي انتقل للمرحلة الدستورية الثَّانية برفعه لمجلس الأمة، باعتبار التَّسول في الأردن جريمة اتجار بالبشر، والتي لا تقل عقوبتها الجديدة عن سبع سنوات في الأشغال المؤقتة، وغرامة تصل الى 20 ألف دينار.

 

 

تشير مسودة مشروع القانون المعدل لقانون الاتجار بالبشر لسنة 2019، إلى تعديل الفقرة "ب" من المادة 3 من القانون الأصلي ليصبح نصها على النحو التالي: "تعني كلمة الاستغلال، استغلال الأشخاص في العمل بالسُّخرة أو قسرًا أو الاسترقاق، أو الاستعباد، أو نزع الأعضاء أو في الدَّعارة أو في التَّسول، أو أيِّ شكل من أشكال الاستغلال الجنسي".

 

ونصت المادة التاسعة من مشروع القانون، على أنَّه يُعاقب بالأشغال المؤقتة مدة لا تقل عن 7 سنوات وغرامة لا تقل عن 5 آلاف دينار ولا تزيد عن 20 ألف دينار كلَّ من باع شخصًا لم يُكمل الـ 18من العمر أو عرضه للبيع أو اشتراه أو وعد بذلك، وارتكب إحدى جرائم الاتجار بالبشر والتي من بينها التَّسول.

صراع البقاء

مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية الخبير الاقتصادي  أحمد عوض أكد أن النتيجة الحتمية لزيادة معدلات البطالة والفقر والإقصاء والتهميش ستتحول بالضرورة لظواهر اجتماعية سلبية أبرزها التسول الذي ينقسم العاملون فية لفئتين إحداهما تمتهنة وهم "بعض النّور"  وآخرين اضطرهم صراع البقاء للتسول المبطن من خلال مسح زجاج السيارات والبيع العشوائي.

حيث أن تراجع الأجور والقدرات الشرائية للأفراد والأسر وعدم توفير مظلة حماية إجتماعية شمولية لمختلف شرائح المواطنين تضمن تلبية احتياجاتهم الأساسية بحسب عوض ستدفع بالمزيد منهم للبحث عن سبل أخرى لتوفير متطلبات حياتهم اليومية ومن هذه السُبل وربما أسهلها التسول.

ويرى عوض  بأن على الحكومة التخلي عن المنهجية المستخدمة حاليا في معالجة قضايا الفقر، التي تعتمد استهداف الفئات الفقيرة والمهمشة فقط من خلال تقديم مساعدات زهيدة لبعضها ضمن أسس غير واضحة وربما غير منطقية في بعض الحالات.

داعياً الحكومة للتعامل بشكل فوري وعاجل مع ملفات الفقر والبطالة وتوسيع مظلات الحماية الإجتماعية ضمن المعايير الدولية وتغيير آليات الحماية بحسب الشريحة الاجتماعية للحيلولة دون وقوع المزيد من الناس في دائرة الفقر، وتأخذ بعين الاعتبار توفير أجور عادلة كافية لحياة كريمة، وتقديم الرعاية الصحية الشاملة وتعليم عام بجودة عالية، والتركيز الحقيقي على تطبيق معايير العمل اللائق.

قراءة أولية للاقتصاد

أستاذ علم الاجتماع الدكتور حسين الخزاعي يرى أنّ زيادة نسب الفقر وارتفاع أعداد الداخلين لشريحة الفقراء  في الأردن بات حقيقة في ظل تزايد أعداد العاطلين عن العمل من جراء الجائحة، فقد زادت أعداد البطالة بصورة واضحة قدرت بـ23 % من بينها 39 % متعلمين و40 % شباب.

وأن  أكثر المجتمعات تضررا من الوباء وحظر التجول هم الأفراد الذين يعانون من ظروف عمل غير مستقرة، وغير قادرين على العمل ولا يحصلون على حماية اجتماعية من الدولة مما يعتبر مبرراً للبعض للتسول الذي يمكن اعتباره قراءة أولية للأوضاع الاقتصادية في البلاد ومدى تضرر الفئات الأكثر ضعفاً وتهميشاً من السياسات الحكومية.

حيث أن الأثر الأكبر للوباء وحظر التجول  ظهر في حجم قدرة المواطنين على توفير التغذية المناسبة ، والمساعدة الصحية والطبية ، بالتوازي مع تعطل تعليم الأطفال أيضًا بسبب عدم وجود بيئة تمكينية للتعلم وعدم كفاية الأدوات التعليمية عن بعد لدى الغالبية من المواطنين ما أسهم في ارتفاع معدلات التسرب من التعليم واللجوء للبحث عن عمل مساند للأسر، فضلا عن عدم وجود سيولة نقدية كافية لتغطية الاحتياجات الأساسية خلال فترة حظر التجول ما يعني أن الكثيرين منهم لم يتمكنوا من الوصول إلى الغذاء و / أو النقد وهو ما يفسر ازدياد أرقام حالات التسول.

وأكد الخزاعي ضرورة عمل خطط وبرامج لمواجهة الجوع المجتمعي الذي بدأ يظهر للعلن بالتوازي مع الجائحة،  كما لا بدّ من التوقف عن سياسة الحظر التي تلجأ لها الحكومة  والتي تؤثر على دخل نسبة كبيرة من هؤلاء الفقراء حيث إنّ ثلث دخلهم يتأثر بالحظر الذي أقرته الحكومة ويفاقم من نسب التسول، وان مواجهة الوضع الوبائي لا بدّ أن يكون على مستويين الصحي والاقتصادي والالتفات للآثار الاجتماعية المترتبة على ذلك كنشوء طبقات اجتماعية مسحوقة جديدة.

 

وكانت دراسة نشرت في آب 2020 صادرة عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف”، في الاردن اكدت على أنّ معدل دخل بعض الأسر في الأردن انخفض، وتضاعف عدد العائلات التي يقل دخلها الشهري عن 100 دينار أردني (140 دولارا) منذ انتشار جائحة فيروس كورونا المستجد.

وأضافت الدراسة التي جاءت حول التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجه الأطفال والشباب الأكثر هشاشة وأولياء أمورهم في الأردن خلال جائحة كورونا، أن 28 % من العائلات لديها تمويل يكفي لأسبوعين فقط لإعالة أنفسهم، وأن 68 % من العائلات تعطلت أعمالهم بسبب الجائحة.

وأشارت الدراسة، التي شملت عائلات أردنية وسورية، إلى أن “28 % من الأطفال يذهبون إلى فراشهم جياعا أثناء حظر التجول، وانخفضت النسبة لتصل إلى 15 % بعد فك حظر التجول”.

إصلاح ثلاثي الأبعاد

المستشار القانوني لمنظمة "محامون بلا حدود" المحامي معاذ المومني أكد أن التسوّل جريمة يُعاقب عليها بمقتضى المادة 389 من قانون العقوبات الأردنيّ وتعديلاته رقم 16 لسنة 1960، وتقتصر العقوبة على الحبس لمدة لا تزيد على ثلاثة أشهر أو إحالة مرتكب الفعل بأمر قضائيّ إلى مؤسسة معنية بتقديم الرعاية لمدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على ثلاث سنوات.

 وقد تصل العقوبة في حدها الأقصى إلى الحبس لمدة من أربعة أشهر إلى سنة في حال تكرار الفعل لثلاث مرات فأكثر، ويعاقب من استغل الآخرين لارتكاب أفعال التّسول بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات.

ويرى المومني أن تكرار حالات التسول خصوصاً لفئة الأحداث تحتاج لإعادة النظر في التشريعات والسياسات والممارسات على حد سواء، بدءاً من مراجعة القوانين ذات العلاقة ومدى قدرتها على ضبط الحالات والتعامل مع الحدث باعتباره ضحية وتغليظ العقوبات على "الوصي الشرعي"المستغل للأطفال لغايات التسول وإعادة النظر بقانون الاتجار بالبشر.

وعلى صعيد السياسات فنحن بحاجة لخطة وطنية بمشاركة صندوق المعونة والوطنية وأصحاب العلاقة ومؤسسات المجتمع المدني وخبراء ومختصين وتحديد آليات التعامل مع هذه الفئة ضمن سقف زمني محدد والخروج بنتائج تنفيذية يمكن تطبيقها على أرض الواقع.

ويبدأ التطبيق الفعلي للممارسات بوقف وضع أو تعديل التشريعات دون وضع أسباب موجبة لذلك تراعي الجوانب الاجتماعية والاقتصادية للأفراد وتمثل احتياجاتهم الحقيقية لذلك وتعزيز قيم حقوق الطفل وتوفير أجهزة إنفاذ قانوني وتمكينها ذاتياً وقانونياً للتعامل مع هذه الحالات، وبناء قاعدة بيانات وطنية ووضع الموازنات اللازمة لإنفاذ هذه التدابير بالشكل الملائم.



 

ضبطت كوادر من وحدة مكافحة التسول في وزارة التنمية الاجتماعية، 1410 متسولين من البالغين والأحداث في المملكة، خلال شهر آيار 2021.

وبحسب التقرير الشهري الصادر عن وحدة مكافحة التسول في الوزارة، ان من بين المضبوطين البالغين 341 من الذكور، و351 من الإناث، ومن فئة الأحداث 431 ذكرا و287 أنثى.

وبلغ عدد المضبوطين من المتسولين من غير الأردنيين 265 متسولًا، منهم 135 من الأحداث.

وأشار التقرير الى ان عدد المتسولين المضبوطين في اقليم الشمال بلغ 787 متسولًا، بنسبة 56 بالمئة من عدد المضبوطين الكلي في المملكة، فيما تم ضبط 555 متسولًا في إقليم الوسط بنسبة 39 بالمئة، و68 متسولًا تم ضبطهم في اقليم الجنوب بنسبة 5 بالمئة.

* نفذ هذا التقرير بالتعاون مع شبكة أريج 

 

أضف تعليقك