بين مكاسب النفط وضغوط المناخ العالمي

الرابط المختصر

تلعب منظمة أوبك وتحالف “أوبك بلس” دوراً محورياً في التأثير على المناخ من خلال سياسات إنتاج النفط والغاز، إذ يشكل إنتاج الوقود الأحفوري من هذه الدول نسبة من الانبعاثات الكربونية العالمية. وبينما تواصل الدول المصدرة للنفط تحقيق أرباح ضخمة من هذا القطاع، تواجه ضغوطاً متزايدة دولياً لتبني سياسات مناخية تهدف إلى الحد من انبعاثات الكربون. يأتي ذلك في ظل تزايد الجهود العالمية للتحول نحو طاقة نظيفة، مما يضع أوبك أمام تحديات موازنة مصالحها الاقتصادية مع الالتزامات البيئية.

 

في ظل التحديات البيئية المتزايدة، تواجه الدول النفطية معضلة كبيرة بين استخدام النفط كمصدر رئيسي للعائدات الاقتصادية وبين الالتزامات المناخية الدولية. فعلى الرغم من الدعوات العالمية للحد من انبعاثات الكربون، تستمر هذه الدول في تعزيز قطاع النفط والغاز لتلبية احتياجات التنمية. 

يواصل العراق أحد دول اعضاء تحالف اوبك  تعزيز التزامه باتفاق باريس للمناخ، حيث أصبح جزءًا من هذا الاتفاق بموجب قانون وطني تم التصديق عليه من قبل البرلمان العراقي في عام 2020 (قانون 31). بعد هذا التصديق، شرعت وزارة البيئة بالتعاون مع الوزارات المعنية في إعداد وثيقة المساهمات الوطنية (NDC)، التي تمثل خارطة الطريق لتحقيق الالتزامات المناخية للعراق.

توجهات عراقية في مواجهة التغير المناخي

يؤكد مدير إدارة التغير المناخي في وزارة البيئة العراقية ، يوسف الحديثي، أن العراق يعمل حاليًا على تعزيز التنسيق بين مختلف الوزارات، بما في ذلك الطاقة والصناعة والمالية والتخطيط. ويشير إلى أن التركيز المتزايد يتمحور حول دمج المفاهيم الاقتصادية ضمن استراتيجيات مواجهة التغير المناخي. 

وزارة النفط العراقية أطلقت خطة بان تكون انبعاثات الغاز المصاحب  هو صفر انبعاثات في العام 2028. يعكس هذا التزام العراق بمواجهة التغيرات المناخية، مع توفير تأثيرات إيجابية محتملة على الاقتصاد الوطني، حيث يُتوقع أن يوفر ذلك مليارات الدولارات ويعزز الاعتماد على الغاز المحلي في توليد الطاقة.

وفي سياق التعاون الدولي، يسعى الحديثي إلى تطوير مواقف تفاوضية موحدة خلال مؤتمرات الأطراف، بالتعاون مع وزارة الخارجية ووزارة النفط. فيقول : نحن لدينا مسؤوليات ومسؤولين على تنفيذها والتزامات لكن في نفس الوقت الدول الصناعية لديها  التزامات أكبر وبدت تتنصل وتتهرب من تنفيذ هذه الالتزامات لذلك نحن اليوم مركزين على كيفية إعداد شراكات إقليمية ودولية مع الدول النفطية والدول المنتجة للنفط والغاز لبناء مواقف تفاوضية موحدة خلال مؤتمرات الأطراف المناخية . 

الدول النامية وتأثيرات تقليل إنتاج النفط

أن الدول النامية، بما في ذلك العراق، تواجه تحديات كبيرة نتيجة الاعتماد على النفط والغاز، خاصةً مع التغيرات في استهلاك الطاقة العالمية. لذا، يركز العراق على أهمية الانتقال العادل والآمن في قضايا المناخ، مع ضرورة توفير الحماية الاجتماعية للدول المتأثرة.

ويؤكد خبير النفط العراقي الدكتور كوفند شيرواني  أن تقليل إنتاج النفط سيكون له تأثيرات كبيرة على اقتصادات الدول المنتجة للنفط، خاصة الخليجية منها، مثل العراق والكويت. على سبيل المثال، سيكلف انخفاض دولار واحد فقط في أسعار النفط الخزينة العراقية أكثر من مليار دولار سنويًا. لذا، يتعين على هذه الدول التكيف مع الالتزامات الدولية من خلال تقنيات صناعية أقل انبعاثاً للغازات الضارة.

ويشير الخبير أن الدول المنتجة للنفط تواجه ضغوطًا دولية كبيرة للحد من الانبعاثات، خاصة من القطاعات الصناعية والنفطية ، وان العديد من الدول المنتجة للنفط بدأت بتخصيص جزء من عائداتها النفطية لمشاريع الطاقة النظيفة. حيث نشهد مشروعات ضخمة للطاقة المتجددة في السعودية والإمارات، مما يقلل الاعتماد على الوقود الأحفوري الذي تسبب في انبعاثات ضارة بالبيئة.

ويوضح أنه من المهم ان لا نلقي اللوم  على أعضاء أوبك وتحالف أوبك بلس لانهم ينتجون فقط حوالي 40% من الطلب العالمي على النفط، مما يعني أن العبء الأكبر في خفض الانبعاثات يقع على عاتق الدول المنتجة خارج هذه التحالفات.

قال الأمين العام لمنظمة أوبك هيثم الغيص في قمة المناخ في باكو " إن النفط الخام والغاز الطبيعي هبة من الله وإن محادثات الاحتباس الحراري العالمي يجب أن تركز على خفض الانبعاثات وليس اختيار مصادر الطاقة" .

جاءت هذه التعليقات في الوقت الذي اجتمعت فيه حكومات العالم التي تسعى إلى الحد من الأضرار الناجمة عن ظاهرة الاحتباس الحراري في دولة أذربيجان الواقعة على بحر قزوين للتوصل إلى اتفاق مالي شامل يهدف إلى مساعدة البلدان على خفض الانبعاثات والتكيف مع تغير المناخ.

يستعرض الخبير النفطي كوفيد شيرواني توجهين رئيسيين لاستثمارات الدول النفطية الأول هو استثمار الثروة النفطية للدول غير المقيدة بحدود إنتاجية، مثل بعض الدول خارج تحالف أوبك بلس. والثاني هو تطوير الصناعة وتقنيات حجز الكربون، حيث تركز الدول الملتزمة باتفاقيات أوبك بلس على تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.

بين مطرقة الوقود الأحفوري وسندان التزامات المناخ 

 "استضاف مؤتمر الاطراف المناخي كوب 29 العديد من المشاركين الذين تتعارض أجنداتهم بشكل خطير مع العدالة المناخية. وحضر المؤتمر الآلاف من جماعات الضغط المعنية بالوقود الأحفوري، إلى جانب رؤساء شركات النفط العملاقة مثل شل (Shell) وبي بي (BP). استخدم هؤلاء المشاركون مؤتمر الأطراف السابق  كوب ٢٨ الذي انعقد في دبي أواخر ٢٠٢٣ لتعزيز مصالحهم الخاصة، ومعارضة الجهود الأساسية للتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، والضغط من أجل حلول "زائفة" مثل تعويض انبعاث الكربون. هذا ما قالته  منظمة العفو الدولية التى  دعت الى انتهاج سياسة متينة تتعلق بتضارب المصالح لمنع جماعات الضغط العاملة في مجال الوقود الأحفوري من تقويض أهداف معاهدات المناخ العالمية. 

الزيادة[1] [2]  في أعداد جماعات الضغط المرتبطة بصناعة الوقود الأحفوري يعكس نفوذ اللوبيات النفطية التي تسعى لإبطاء عملية الانتقال للطاقة النظيفة من خلال التأثير على صنع السياسات المناخية وتقديم حلول مثيرة للجدل مثل احتجاز الكربون تحت الأرض بدلا من الحد من الإنتاج ، حذرت منظمات دولية مثل منظمة العفو الدولية من أن هذا التواجد يؤثر سلبا على مصداقية المؤتمر ويزيد من تحديات  العدالة المناخية

أشار تقرير صادر عن منظمة الشفافية الدولية وجمعية بيانات مكافحة الفساد الى كيفية عمل النظام الأذربيجاني الربيعي وشركات النفط والغاز وجماعات الضغط جنبًا إلى جنب في الفترة التي سبقت مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين لممارسة نفوذ الشركات بشكل غير لائق . ويزعم التقرير أيضًا أن هناك احتمالًا كبيرًا أن تستغل حكومة أذربيجان الربيعي القمة كغطاء دبلوماسي لتعزيز مصالحها في مجال النفط والغاز وتأمين صفقات الوقود الأحفوري الجديدة .

يقول بريس بوهامر : رئيس قسم المناخ والبيئة في منظمة الشفافية الدولية " كان العديد يأمل في موقع أكثر وعدًا (وأقل سلطوية) لأهم منتدى عالمي لصنع السياسات المناخية. ومع ذلك، تم إحباطهم . للسنة الثانية على التوالي، استضافت  مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ دولة تعتمد بشكل كبير على النفط والغاز ولها سجل مروع في حقوق الإنسان. لا يمكن تجاهل التناقض في استضافة أذربيجان لمؤتمر COP - وهي دولة تعتمد على النفط والغاز للحصول على ثلثي إيراداتها الحكومية - بالنسبة للمجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية. ولكن، بما أن الطوارئ المناخية باتت مسألة وجودية وعاجلة للغاية، فإنه لا يمكن لصانعي السياسات أن يتركوا عملية مؤتمر الأطراف عرضة للتأثير غير المبرر أو تقع تحت سيطرة قلة"

 

ماري كلير ستيفاني  الشريك المؤسس في  أكاديمية مفاوضي الشباب تقول : إن للدول المستضيفة لمؤتمرات المناخ دوراً في تحديد الأجندة ووضع الأولويات، إلا أن هذا الدور محدود بسبب اتخاذ القرارات الجماعية من جميع الأطراف. وأضافت أن الدول المنتجة للنفط تميل أحياناً لتقليل التركيز على التخفيف من آثار تغير المناخ، وذلك عبر التركيز على قضايا مثل الزراعة والطاقة بدلاً من خفض الانبعاثات. وأوضحت أن الأكاديمية تدرب الشباب من الدول الأكثر تأثراً بتغير المناخ على مواجهة التحديات والكشف عن التأثيرات السلبية للوقود الأحفوري. كما تدعم الأكاديمية التحول للطاقة المتجددة والزراعة المستدامة، وتعزز التعاون بين الدول لمواجهة تحديات الانبعاثات

وفيما يتعلق بموقف الدول المنتجة للنفط من مفاوضات المناخ، قالت ماري ستيفاني  إنه منذ مؤتمر الأطراف السادس والعشرين في المملكة المتحدة عام 2021 , بدأ يظهر خطاب عالمي حول خفض استخدام الوقود الأحفوري والتحول بعيدًا عنه، وهو ما تدعمه الأكاديمية. وأشارت إلى أن مؤتمر الأطراف السابع والعشرين المنعقد في مصر استضافته أيضًا دولة منتجة للنفط، مما يعكس الواقع المعقد ولكنه يبرز أيضًا الاتجاه العالمي نحو العدالة المناخية والحفاظ على درجة حرارة الأرض ما فوق معدل الحرارة ما قبل الثورة الصناعية.

وأكدت أن العالم تجاوز مرحلة الاعتماد على النفط وأنه ينبغي الابتعاد عنه لضمان بقاء البشرية وصحتها، مع دعم البلدان المتضررة أكثر من غيرها بسبب التغيرات المناخية. وأشارت إلى أهمية تواجد صناع القرار الشباب في مراكز القرار لضمان اتخاذ قرارات طموحة تحافظ على المستقبل الجماعي للبشرية، وذكرت أن الهدف يجب أن يكون وقف إنتاج الوقود الأحفوري واكتشاف بدائل جديدة للمحافظة على البيئة والموارد الطبيعية.

 

 لوبيات النفط تحت المجهر في COP 29

ترى منظمة غرينبيس الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أن لجماعات الضغط المرتبطة بصناعة الوقود الأحفوري تأثيراً كبيراً على مفاوضات المناخ، مما يشكل عقبة قد تؤدي إلى إبطاء التقدم نحو تقليل الانبعاثات الكربونية. وتشير بعض التقارير إلى أن  عددا مذهلًا من جماعات الضغط في مجال الوقود الأحفوري قد مُنحوا حق الوصول إلي مؤتمر الأطراف التاسع عشر ، مما أثار مخاوف حول توازن هذه المفاوضات ومدى تأثيرها الفعلي.

تعلق  حنان كسكاس مسؤولة الحملات السياسية في غرينبيس الشرق الاوسط وشمال افريقيا : “نحن نعمل بجد للحد من تأثير صناعة الوقود الأحفوري في مؤتمرات المناخ من خلال استراتيجيات فعالة تهدف إلى كشف الأثر البيئي السلبي لهذه الصناعة ودعوة الشركات لتحمل المسؤولية عن تبعات أفعالها. في مؤتمر COP 28، أطلقنا حملة ’الملوث يدفع‘، التي لا تزال مستمرة في COP 29، وتهدف إلى تحميل كبرى شركات النفط العالمية مسؤولية الأضرار البيئية من خلال فرض ضريبة على أرباحها، وتوجيه العائدات لدعم الدول النامية في التصدي لتغير المناخ.”

تلفت غرينبيس الانتباه إلى التحديات المناخية الحادة التي تواجهها منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث تؤدي التغيرات المناخية إلى التصحر، والجفاف، وتفاقم العواصف وارتفاع درجات الحرارة. ومع أن المنطقة من أكثر المناطق عرضة للتأثر، إلا أن التمويل المخصص لدعمها في مواجهة هذه التحديات يعد من الأقل على مستوى العالم.

 وتعتبر غرينبيس أن على الدول الغنية  تقديم دعم مالي يعادل تريليون دولار سنويًا للدول النامية، على أن يكون هذا التمويل على شكل منح غير مشروطة بدين إضافي ،حيث افضى مؤتمر الاطراف في باكو الي نتيجة اقل بكثير من هذا الرقم بحدود ٣٠٠ مليار فقط سنويا لعشر سنوات.

تؤكد كسكاس أن شركات الوقود الأحفوري تشكل عقبة كبيرة أمام تحقيق العدالة المناخية، حيث يؤدي نشاطها إلى تفاقم معاناة الفئات الأكثر فقراً والمناطق الضعيفة، في حين أن قلة من الأفراد يستفيدون من أرباح ضخمة على حساب موارد وأراضي هذه البلدان وحياة سكانها. بينما تتحمل المجتمعات الأقل مسؤولية في أزمة المناخ تبعات التغيرات المناخية وارتفاع تكاليف الطاقة، تحقق شركات النفط والغاز الكبرى أرباحاً غير مسبوقة، خاصة في ظل الأزمات الطاقية الأخيرة. كما أن نشطاء المناخ والمنظمات البيئية يواجهون تحديات متزايدة في اعتراضهم على مشروعات الوقود الأحفوري، مما يعرقل جهودهم ويحد من قدرتهم على العمل بحرية وفعالية لمكافحة هذه الصناعة.

وتؤكد غرينبيس على ضرورة وقف التوسع في إنتاج الوقود الأحفوري فورًا، مما يستلزم إيقاف جميع المشاريع الجديدة لاستخراج النفط والغاز والفحم. هذا هو السبيل الوحيد (وفقًا لتقارير الـ IPCC و IEA) للحفاظ على الهدف المناخي المتمثل في حد درجة الحرارة عند 1.5 درجة مئوية

في هذا السياق، تدعو غرينبيس الدول الغنية إلى التوقف عن استخدام الفحم في توليد الطاقة بحلول عام 2030، وعن الغاز بحلول عام 2035، بينما يتوقع أن تحقق الدول النامية الانتقال من الفحم والغاز بحلول عام 2040.

وفيما يتعلق بالإنتاج ذاته، توصي غرينبيس بأن تبدأ الدول المنتجة للوقود الأحفوري في تقليص إنتاجه بشكل كبير في العقد الثالث من القرن الحالي، مع التخلص التام منه بحلول عام 2050 على أقصى تقدير، خصوصًا في البلدان التي تعتمد اقتصاداتها بشكل رئيسي على الوقود الأحفوري وتواجه تحديات مالية

 

على الرغم من التوصيات والالتزامات الناتجة عن مؤتمرات المناخ السابقة، إلا أن تحقيق أهداف الحياد الكربوني بحلول عام 2050 لا يزال يمثل تحديًا كبيرًا. فالاستهلاك العالمي المرتفع للوقود الأحفوري يؤثر سلبًا على الجهود المبذولة للحد من الانبعاثات، مما يتطلب استراتيجيات متكاملة وفعالة لمواجهته.