بين زمن الزعتر ورم: الجاز موسيقى فولكلورية أردنية؟

الرابط المختصر

صدور الألبوم الأول للفرقة الموسيقية الأردنية "زمن الزعتر" الذي يحمل عنوان "زي كل الناس" أخيرا يضيف جديدا فوريا للموسيقى الأردنية التي ما تزال تبحث عن ذاتها: إنها الفرقة المحلية الثانية التي تشتغل على الموسيقى، بدون كلام، بعد فرقة "رم" التي يقودها الموسيقي طارق الناصر.وهذه الإضافة التي تضمن من دون شك سمعة حسنة للفرقة الوليدة، تتقاطع في شكل أو آخر مع تجربة طارق الناصر تحديدا (حتى بعيدا من فرقة رم)، لأنها تجربة موسيقية تريد أن تكون موسيقى نابعة من "المكان" الأردني.

وعلى ما في هذا الالتصاق الموسيقي بالمكان اقترابا من أجواء الأغنية الشعبية، فإن النمطين الموسيقيين اللذين تمشي عليهما فرقتي "زمن الزعتر" و"رم" بعيد من الأغنية الشعبية الفولكلورية، لا بل إنه ينحاز أكثر إلى موسيقى أكثر حداثة وحرصا على الابتعاد من التقليد، مثل موسيقى الجاز.



لكن إن كانت موسيقى الجاز مثالا للانعتاق والتحرر، فكيف لها أن ترتبط بمكان - وطن يرمز إلى الاستقرار والأمان أكثر؟ وكيف للموسيقى، إن لم تكن شعبية، أن تعبر عن المكان فيما هي أمر آخر تماما، صوت في الفضاء، غير ملموس، ولا مستقر له؟



من هنا يبدو صعبا فهم لماذا تحمل مقطوعات موسيقية متحررة تماما من تراثها الموسيقي الشرقي الصرف (إن كان موجودا، لتفرّد الأغنية) أسماء مناطق أردنية؟ ولماذا هي تصر على حمل ما ليس لها طاقة به. فالموسيقى لا تستطيع حمل رسالة مباشرة، كما تحملها الكلمة في الأغنية، لأنها عنصر محايد يكتفي بالتحرك في إطار المشاعر دون أن يحددها في الغالب.



قد يكون في هذا امتداد للفرق الغنائية الشعبية؟ إنها تتخذ دوما أسماء المدن الأردنية (وفرقة رم اتخذت اسمها تيمنا بواد قريب من مدينة البتراء الأثرية)، لكنها تغني الغناء الشعبي فقط. فيما الحال مع الفرقتين الموسيقيتين، زمن الزعتر ورم، تريدان ربط الموسيقى، وهي الحديثة والمتحررة من عباءة الماضي والتراث، بالمكان الذي ينشئ التراث ويتبناه.



لكن لا شك أن في الموسيقى التي تحملها الفرقتان تميزا يبعدهما عن سطحية الغناء الشعبي الذي تتبناه الفرق الشعبية. فالاحتكام إلى المكان الأردني يأتي بعيداً من ذلك الغزل المكرر بالوطن، وقريبا من التواطؤ مع ذكرى المكان الذي لا شك يكسب الموسيقى التي تحتفي به بعضا من الرفعة التي لا علاقة لها بالإطار الفني.



قد يكون انحياز الموسيقى المتجددة التي تقدمها الفرقتان نحو المكان الأردني نزوعا لفكرة تأسيس موسيقى أردنية. لكنها فكرة تصطدم بواقع أن موسيقى الجاز لا يمكنها التعبير عن المكان الأردني كما تعبر عنها "رقصات السامر" الشعبية أو الأغنيات البدوية أو الريفية الفولكلورية.



من هنا نجد أن الموسيقى التي قدمها طارق الناصر عبر أعمال تلفزيونية سورية (مثل نهاية رجل شجاع ويوميات مدير عام وسواهما) حققت شهرة واسعة، حتى خارج الأردن، وهي القريبة أصلا من جوه الموسيقي العام الذي تعتمده فرقة رم التي يقودها الآن.



لا بد أن "خلطة الشباب" التي تقود الفرقتين قادرتان على ملئ الفراغ الذي تبحث عنه الموسيقى الأردنية. لكن النزوع المستمر نحو التمسك بالمكان يبدو نقطة تعيد الأذهان إلى الوراء، نحو الأغنية الشعبية: هل يمكن لموسيقى الجاز أن تصير فولكلورا أردنيا؟


أضف تعليقك