بيغاسوس ” يكشف هشاشة الحريات في الاردن

فور انتشار التقرير الدولي الجديد الذي أعدته المنظمة الدولية لحماية المدافعين عن حقوق الانسان ” Front Line Defenders” ، بالتعاون مع مُختبر “سيتيزن لاب” (Citizen Lab) الكندي المختص بمراقبة أمن الإنترنت، الذي كشف عن اختراق برنامج “بيغاسوس ” التجسّسي التابع لمجموعة (إن إس أو NSO Group) الإسرائيلية إجهزة هواتف نشطاء ضد الفساد ،ومدافعين عن حقوق الإنسان، وصحفيين أردنيين (أنا واحدة منهم ) ، والذي أشار ( صراحة ) الى ان هناك (جهتين حكوميتين ) هما المسؤولتان عن هذا التجسّس، اصدرت الحكومة الأردنية ممثلة بالمركز الوطني الأردني للأمن السيبراني بيانا (قطعيا) ينفي تعاون الأردن مع أي وكلاء لاختراق هواتف المواطنين ومكالماتهم الخاصة باستخدام برنامج التجسّس “بيغاسوس” ، مؤكدة عدم قدرة أي دولة في العالم على وقف الاختراقات السيبرانية بشكل كامل!!..

مع هذا ( النفي السيبراني ) تكون الحكومة الأردنية تنصلت من مسؤوليتها بالتحقيق في ادعاءات “فرونت لاين

ديفندرز ” ، ومعرفة الجهة المسؤولة عن التجسّس ، وتخلت عن دورها في حماية المواطن ، وألغت بذلك حق (حملة الأرقام الوطنية ) بالحرية الشخصية المصونة بالدستور الأردني ، حيث نصت المادة السابعة على أن الاعتداء على الحقوق والحريات العامة و حرمة الحياة الخاصة للأردنيين جريمة يعاقب عليها القانون!!..

ويستمر مسلسل خيبات الأمل ، وهنا اتحدث عن نفسي كوني إحدى ( ضحايا الاختراق ) الذي استهدف من يدافعون عن حقوق الانسان، وكوني كاتبة مقالات مستقلة ، ومُدربة إعلامية ومتخصصة في إعداد التحقيقات الصحافية ، وعضوا سابقا في مجلس نقابة الصحافيين الأردنيين، وفي اللجنة التنفيذية للاتحاد الدولي للصحافيين في بروكسل، وحاصلة على (جائزة الحسين للإبداع الصحفي) مرتين: الاولى عن بشاعة الإرهاب ، والآخرى عن مقال صحفي وجهت فيه رسالة لملك البلاد عن ( فساد بطانته).

وكان التقرير قد كشف عن تعرض هاتفي للاختراق (7مرات ) على مدار عام 2021 ، عبر الرسائل النصية (sms) التي تحتوي على روابط تتصل بخوادم برنامج بيغاسوس، الى جانب اختراقات باستخدام ثغرات غير معروفة (Zero-click)، ومن تطبيق “واتساب” انتحل شخصية مستخدم على تطبيق “تويتر” معروف بمناهضته للحكومة في الأردن.

وانقضى اليوم الأول لنشر التقرير دون أن أتلقى اي اتصال من أي جهة ( أردنية ) امنية أو رسمية حكومية، تطلب التدقيق فيما تعرضُت له، ولا حتى من (مظلة ) الصحافيين الأردنيين ( النقابة ) او ” حماية الصحفيين” ، ولا حتى اتصال من زملاء المهنة العاملين في الوسائل الإعلامية الأردنية المحلية للمتابعة حول موضوع ( الاختراق ) ، كان هناك صمت إعلامي إزاء التقرير، سوى: (عربي 21 ،عمان نت ، وميدل إيست أي ، جو24 وسواليف ) الذين نشروا التقرير، فيما نشرت وسائل الاعلام نفي الامن السيبراني دون نشر التقرير!! اما الوسيلة الإعلامية الورقية ( اليومية) الوحيدة التي ( خالفت ) التوجهات فكانت صحيفة ( جوردان نيوز)، التي تصدر باللغة الإنجليزية ، لجمهور محلي محدود ، ولكن اهميتها تكمن في ان البعثات الدبلوماسية تقرأها ، وبذلك نعكس صورة للخارج بأننا (بلد ديمقراطي )!!..

وقضيت سحابة اليوم وانا اتلقى عبر بريدي الالكتروني وبرنامج الاتصال الأكثر أمانا ( signal ) مكالمات هاتفية ( للمساندة )، وعرض الحماية في حال تعرضي لإي انتهاك أو إساءه من وطني ومؤسساته !!..

وبدأت أفقد الشعور بالأمان ، بعد أن تأكدت أننا نعيش في أكذوبة كبيرة اسمها ( الامن والأمان ) ، وما نعيشه ليس أكثر من ( آمان واهم )، لذا (بادرت ) الاتصال مع ( نقابة الصحافيين الأردنيين ) ، إلا أنني قوبلت بعدم الإجابة على مكالماتي والاكتفاء بارسال رسائل تطمينية حول تبني القضية في جلسة المجلس سعيا لاتخاذ قرار بإصدار بيان يخرج من النقابة ، لتأتي الانسحابات ( كما كشف لي بعضهم )بعد الرضوخ لـ(ضغوطات) أمنية بعدم التطرق للموضوع كونه مسالة خطيرة وحساسة ( تستهدف الأردن )، فيما أوضح بعضهم تخوفهم من ان يفهم البيان بانه تبني لرأي ما تطلق على نفسها (المعارضة الخارجية ) لطرحهم للتقرير ببثهم المباشر!!.. ليختزل بيان النقابة بــ(مطالبة) ثلاثة أعضاء من اصل 11 عضوا ، واكتشفت في الوقت ذاته ان لجنة الحريات في النقابة ( بعد تواصلي معها ) (لا تملك قرار ) إصدار بيان يوضح موقفها من انتهاك الحريات !!..

وبعد تواصلي مع الاتحاد الدولي للصحفيين (IFJ) ومقره بروكسل ، كوني كنت عضو احتياط في اللجنة التنفيذية للاعوام 2010-2013 ، ورغم صعوبة إصدار بيان لا يستند الى بيان نقابة الصحفيين ، إلا انه صدر بيان يدين بشدة محاولة للتنصت على المكالمات (لنشري عدة تقارير نقدية للحكومة الأردنية ) عن الشأن السياسي الداخلي ، وطالب أمين عام الاتحاد الحكومة الأردنية بإجراء تحقيق كامل في هذه القضية، ووضع إجراءات صارمة تحظر مراقبة الصحفيين وتعترف بحرمة وخصوصية اتصالاتهم .

واتفق بيان مركز حماية وحرية الصحفيين الاستنكاري الذي صدر ( بعد تواصلي معهم ) مع مطالبات بعض أعضاء نقابة الصحفيين بمطالبة الحكومة بفتح تحقيق موسع يكشف مدى صحة ما ورد في التقرير الدولي الذي وجه اتهامات مباشرة للسلطات الحكومية بإختراق هواتف صحافيين، مطالبين “الجمعية الأردنية للمصدر المفتوح”، التي أجرت عملية استعادة بيانات “Back Up” ، ان تُفصح عن الأدلة الفنية على وقوع الاخِتراق عبر برامج تجسّس ، التي تنتهك الخصوصية، وحرية التعبير، وتُخالف الدستور، والمعاهدات والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها الأردن.

الأمر لم يتوقف عند هذا الامر ، بل وصل الى محاولة (شراء الذمم ) من خلال احتكاري مقابل بضع مئات من الدنانير ، مقابل التوقف عن نشر مقالاتي في الصحف العالمية الخارجية ، والكتابة لوسائل إعلامية محلية ضمن ثوابت وضوابط لا تتماشى مع مهنيتي وسقف حريتي الذي لا يقدر بثمن !!..

اليوم اتعرض لعروض من منظمات دولية ( لتفويضها ) لارسال رسائل إلى الحكومة، أو لمنظمات حكومية دولية ( هيئات الامم المتحدة)، شركات خاصة، شركات عسكرية أو أمنية..إضافة الى تقديم تقارير لمجلس حقوق الانسان ، وتفويض من ينوب عني في حال موتي أو تعرضي للاختفاء القسري.

شكرا لمن اخترق ( خصوصيتى ) ، والشكر موصول للذي تستر وسكت على من (تجسّس ) على مراسلاتي ومكالماتي من خلال عدم كشفه ومتابعته للجهات (المخترِقة ) ، التي كانت تهدف الى معرفة مصادري لتصدم بأن مصادري ( 6.6 مليون ) أردني !!..

من المتعارف عليه أن ( الاخِتراق ) يكون للخائن ومن يفشي أسرار الدولة ، ومن ينهب الأموال ومقدرات الوطن ، ومن تجاوزوا الخطوط الحمراء وخرقوا كل السقوف ( إلا أنه يتم تكريمهم وقبول توبتهم والصفح عنهم ) .. لا أن يكون الوطني ضحية الاختراق والتجسّس صاحب التاريخ العائلي الوطني المشرف ..

للأسف أننا وصلنا إلى مرحلة أن المنظمات الدولية والإنسانية هي التي تقدم لنا الحماية، وتدافع عن حقوقنا الانسانية وحماية حقوقنا في حرية الرأي والتعبير فيما مؤسساتنا الوطنية مكبلة ومقيدة لا تقوى على فعل أي شيء.

أضف تعليقك