بمناسبة جرائم النخب: ماذا عن مستقبل الأجيال؟

الرابط المختصر

نحتاج إلى النظر بجدية على الجرائم التي تقع حولنا وأن نطيل التفكير في المشهد المقبل إذا كان امتدادا للمشهد الحالي، وأجد أن مشهد التعليم في بلادنا هو المدخل الرئيسي للتحليل والتفكير، والنظر في واقع التعليم وسياساته يؤدي إلى نتيجة واضحة وخطيرة، وهي أن التعليم بقدر ما ساهم في الإصلاح والتنمية فإنه ساهم في صناعة النخب العربية وتصميمها بوعي مسبق، وأن هذه النخب، بخاصة في السنوات الأخيرة، ليست مفتوحة للتنافس لكل فئات المجتمع وطبقاته. لكنها تتجه إلى الإغلاق ومنع أبناء الطبقات الفقيرة والمتوسطة من "التسلل" إليها، ولتجنب الحظر والظلم الذي كان يمارس بحق عدد كبير من الأساتذة والمهنيين والمؤهلين تأهيلا عاليا ولكنهم مرفوضون نخبويا، يجري اليوم إقامة وتصميم مدارس وجامعات يتعذر على أبناء الطبقات الوسطى ومعظم إن لم يكن جميع الفئات المهنية المتقدمة من المشاركة فيها.

هل يشكل التعليم آلية للتغيير الاجتماعي، أم أنه آلية للضبط الاجتماعي والسياسي؟ ماذا تشكل جموع الخريجين العرب من الجامعات في عمليات التوظيف والمشاركة، وكيف يجري الاختيار للمواقع القيادية والابتعاث والتأهيل المتقدم؟ هل تخضع لتنافس عادل؟ وهل يشكل التفوق التعليمي والمهني معيارا في التنافس؟

يبدو أن ثمة نتيجة كارثية مقررة سلفا، فلا معنى لأن تكون متفوقا ومجتهدا في التعليم، ولن يضيف ذلك شيئا إليك في الفرص المستقبلية وسيظل محكوما عليك بعدم المشاركة في قيادة المجتمع والتقدم المهني والتعليمي، ولا تحتاج إذا كنت تملك المال الوفير لمنافسة الآخرين لتحصل على فرص وموارد تمول بالضريبة والمال العام.

كيف يستطيع الموظف العام أو المهني من المؤهلين تأهيلا عاليا ومتقدما، وحصل بجده وفرص الترقي والمكافأة التي أتيحت له في الجامعات والمؤسسات على تعليم أبنائه ومنحهم الفرصة التي حصل هو عليها. نتحدث هنا عن مئات الآلاف من الذين أمضوا على الأقل عشرين سنة وأكثر بعد تخرجهم من الجامعات، وبذلوا الكثير في تعليم أنفسهم، أو قدمت لهم فرص التأهيل والابتعاث والتطور المهني، هل سيكون الجيل التالي من أبناء هؤلاء في حالة أحسن من آبائهم؟

ليست هذه المقالة دعوة إلى الاشتراكية ولا منع الخصخصة، ولكنها ببساطة محاولة للتفكير في حال البلاد والمجتمعات بعد سنوات عندما يكون الأذكياء والمتفوقون من المواطنين في مواقع مهمشة، لأنه لم يتح لهم التعليم والفرص الكافية، وعندما تكون قيادة المؤسسات العامة والخاصة والأعمال بيد آخرين لم يصلوا إلى مواقعهم بجدارة ومنافسة عادلة! بهذه السياسات لا نهدر المال العام فقط ولكننا نهدر الإنسان والمستقبل أيضا.