بعمر النكبة أو أكبر!

بعمر النكبة أو أكبر!
الرابط المختصر

عمري من عمر النكبة 59 عاما! وان لم أكن كذلك.. فهي تعيش في داخلي منذ 28 عاما منذ أن أطلقت أول صرخة في احد مخيمات اللاجئين

في شمال الأردن معلنا وصول لاجئ جديد لهذا المخيم التعيس لأكون كما غيري من اللاجئين العلامة البارزة في قضية شعب هجره من أرضه بين ليلة وضحاها.

اخترت نفسي كنموذج للاجئ لم ير من بلده سوى خارطة معلقه على حائط الغرفة المكونة من الصفيح المتآكل،وعلى الرغم من أنها حياه بائسة إلا أنها كان فيها لحظات جميلة، ربما هذا ما يطلقون عليه: "عشق المعاناة" ..نعم عشقت تلك الأيام عندما تتسرب قطرات المطر إلى ثقوب منزلي ومدرستي، وعشقت اللحظة التي كنت أرى فيها "طوابير النساء" يقفن بالساعات في انتظار مساعدات وكالة الغوث ويتربص بهن البائع أبو عماد لشراء هذه المساعدات بأبخس الأسعار.

الحال اليوم ليس بأفضل.. فبعد 59 عاما من التهجير مازال جارنا العجوز أبو طلال يجلس على عتبة بيته التي تشققت ولم تعد قادرة على حمله هو وحفيده محمد الذي أتخم بالروايات البطولية عن أجداده في الحرب العربية الإسرائيلية.
 
والسؤال المحير الذي يدور في رأس أبو طلال منذ 59 عاما " كيف استطاعت مجموعة صغيره من العصابات اليهودية هزيمة الجيوش العربية الجرارة"!! و كيف فقد بيارت البرتقال التي كان يملكها في قريته طوباس؟؟ أسئلة لم تجد طريقها الى حل حتى الآن.
 
 
وتعود النكبة اليوم بطبعتها التاسعة والخمسين بمجموعة من البيانات والمهرجانات والكلمات التي ما تلبث ان تختفي مع صباح اليوم السادس عشر من ايار ويبقى سكان المخيمات في الأردن يعيشون في ظل سوء الأوضاع الاقتصادية وتدني خدمات البنية التحتية المقدمة, حيث تتسم المخيمات العشرة في الأردن بضيق الشوارع والممرات والأزقة وانخفاض نسبة المعبد منها وانتشار الحفر والقنوات التي تتجمع فيها المياه العادمة وكثرة الشقوق والبالوعات المكشوفة التي تشكل مصدرا دائما للتلوث وتجمعا للفئران والجرذان والضفادع وغير ذلك من قوارض وحشرات مؤذية.


 
كما خلفت النكبة جيل من الشباب في المخيمات معظمه عاطل عن العمل فالبطالة هم مشترك بين أبناء المخيمات الا ان بعضهم قرر التحدي؛ فعلى بسطة ماهر للخضار في مخيم تتحطم الظروف المادية الصعبة، ماهر يتحدى النكبة بأسلوبه الخاص، لم يسمح لأحد أن يغتال حلمه في التعليم، فمن خلال المردود المادي القليل الذي تنتجه البسطة الموجودة على مدخل المخيم يغطي ماهر تكاليف دراسة المحاسبة في الجامعة الأردنية مفتخرا بذلك، فهو على الدوام يعًرف بنفسه " ماهر صاحب البسطة" ويرى فيها " مصنعا للرجال" .
 
 
 
 
ولكل شخص طريقته في التعبير عن نكبته ففي مخيم البقعة تحولت الجدران المتآكلة في الأزقة والشوارع الضيقة، إلى لوحات تملأها عبارات "فلسطين عربية"، "عائدون"، علها تعكس بعضاً من حنين أبناء المخيم وتعلقهم في فلسطين المحتلة حسب أبناء المخيم، يقول أبو محمد " هذه العبارات تعكس الكبت الداخلي لأبناء المخيم من حب وشوق لفلسطين، إذا لا يستطيعون التعبير دائما فيقومون بكتابة هذه العبارات التي تعبر عن تعلقهم بوطنهم، فلا ينسى أبناء المخيم ان لهم ارض في فلسطين، فأمل العودة لا يزال قائما في نفوس الصغار والكبار على حد سواء"
 
ولا يقتصر الأمر على عبارات الجدران، فالمحلات التجارية أيضا اتخذت من أسماء المدن الفلسطينية والعبارات الوطنية عناوينا لها، كمحل القدس للنجارة، وفلسطين للاتصالات الخلوية والعودة للأدوات المنزلية، والشهيد ، والعائدون للحج والعمرة. ويقول أبو محمد صاحب بقالة بيسان " لقد أطلقت هذا الاسم على بقالتي نسبة إلى بيسان مدينتي الأصلية ، وهذا الأمر ينطبق على معظم محلات المخيم التي تسمي محلاتها بناءا على مدنهم الأصلية في فلسطين كـغزة ويافا وغيرها من المدن، وهذه التسميات تأتي من باب الحب لهذه المدن المحتلة".
 


 
في مخيم الوحدات يمكنك ان تعتبر  الحاجة ام رزق أرشيفا شفويا للنكبة فلم تمحو وفاة زوجها منذ سنة البسمة عن شفاها، فعلى الرغم من ذلك هي دائمة النظر إلى صورته المعلقة التي يقف فيها شامخا وهي بقربه...صورة ألتقطها أحد الصحفيين في زيارة له إلى المخيم.
 
أم رزق التسعينية تنفض عن ذاكرتها غبار الزمن وتسترجع ما يمكن استرجاعه من أرشيف يتسع لملاين الذكريات. تقول "لا احمل معي من فلسطين سوى هذه الطنجرة المعدنية التي عندما أراها أتذكر فلسطين، ففي هذه الطنجرة أرى أشجار البرتقال كما أشاهد فيها بيتي في كفر عانة، هذه الطنجرة من ريحة البلاد أحضرتها مع مسبحة قديمة مزينة بالنقود الفلسطينية القديمة التعريفة والمليم حيث كنا نشتري بالتعريفة بيضة و وقية سمسم ".
 
 
 حلم العودة ما زال يدغدغ مشاعر العديد من اللاجئين الفلسطينيين على الرغم من إحباط   الحاج سلطان ابن الثمانين عاما الذي اخذ يضرب أمل العودة مثلا للأمور المستعصية التي لا تحل على الرغم من أن جدار منزله في مخيم الشهيد عزمي المفتي يحمل عبارة كتب عليها "عائدون نموت وتحيا فلسطين" عبارة كتبها احد الشبان دون علم الحاج سلطان الذي يستفيق في الصباح ويلعن كاتبها ألف مره.    
 

أضف تعليقك