بالتجربة يبدأ الإدمان
لم يكن يعلم ماذا يفعل؟ "جربها لن تخسر شيئا، هي بالمجان"، قالوا له! ولكن ماذا عن الإدمان؟
معتز، 24 عاما، لم يعرف يوما ماذا يعني الإدمان، ولم تسعفه حينها سنوات عمره القليلة من السقوط ضحية، أمام إدمان لا يفرق بين كبير أو صغير.
الكبتاغون، الحشيش، والكحوليات، كانت من نصيب معتز بعمر الـ14 عاما، مع عدد من أصحابه، ليصبحوا فيما بعد أسرى مواد لا تؤمنها لهم سوى السرقة وكل ما هو مستطاع.
"تعاطيت حبوب وحشيش وكحول" يقول معتز الذي أصر عدد من الشباب يكبروه بسنوات على إعطائه الحبوب، "كانوا يعطوني الحبة وراء أخرى وأنا لا أعرف ماذا تعني".
آفة العصر أو أكثر، أوقعت تامر في دائرة إدمان على مادة الهيروين، فهي لم تتركه طوال عشرين عاماً.
تامر 40 عاما، لا يتذكر في إدمانه سوى اللحظات الأولى، "صديق أو كنت أعتقد أنه صديق عرض علي ان أشاركه استنشاق تلك المادة في الطابق العلوي لمحل أبي، جربت، وقلت في نفسي أنها تجربة أولى ولن أكررها، ولكنها كانت البداية".
تلك التجربة، سبقها شرب الكحول، "والكحول في البداية لم تشكل إدمانا لي، ثم حبوب الكبت وهي التي تجعلني متيقظا، كانت باعتقادي أنها حاجة ملحة لأنها تدفعني للسهر لأجل الدراسة لكني لم أتوقع انها ستلازمني طوال عشرين عاما".
من الجرعة الأولى، يبدأ الإنسان طريق الإدمان، وما أن ينتهي منها حتى يصبح مدمنا أسيرا للمخدرات؛ لتجعله صريع الحاجة، لا يقوى على النطق، منتظرا جرعة أولى وثانية وثالثة كي تجعله طبيعي.
"الإدمان مرض مزمن متعدد الانتكاسات، يعتاد الجسم على نوع معين من المخدرات، وتحكمه إرادة قهرية شديدة"، وفق الدكتور جمال العناني، رئيس المركز الوطني لتأهيل المدمنين.
الأعراض الانسحابية، هي ما يعانيه تامر الذي أدمن الهيروين، "عانيت من أنفلونزا حادة وقلة نوم وقلة شهية" يتحدث عن أعراض تزيد من حجم إقلاعه "سأحاول أن أقلع عنها وأتمنى ان لا أضعف".
وضع تامر المادي جيد جدا وكان باستطاعته ان يؤمن المال للحصول على الهيروين، أما معتز فكان يختلس من صندوق بقالة والده لأجل دفع ثمن المخدرات.
تقسم المواد المخدرة إلى قسمين: قانونية وغير قانونية، القانونية هي المواد الخاضعة لرقابة الأجهزة المعنية بالدولة المتوفرة في الصيدليات والمستشفيات وعيادات الأطباء وغير قانونية وتتمثل بالمساحيق الممنوعة والحشيش.
المخدرات سريعة الانتشار ومتوفرة بطريقة جنونية على ما يصفه معتز "التجار لديهم مواد ويريدون بيعها بأي طريقة كانت، تاجر مخدرات قام ببيعي الهيروين وأنا لم أتجاوز الأربعة عشر عاما".
وأمام الحبوب القانونية والتي تأتي على شكل حبوب مهدئة، يعتبر العميد طايل المجالي، مدير مكافحة المخدرات في الأمن العام، أن نقابتي الصيادلة والأطباء مسؤولتان أمام أعضائها من الصيادلة والأطباء كي يتعاملوا مع الناس بحكمة، "هناك أطباء تمادوا وأودعوا للقضاء".
يعتبر أن أكثر فئة عمرية تم ضبطها طوال عقد من الزمن هي المتراوحة ما بين 25-35 عاما. فيما يؤكد الدكتور العناني عن فئات عمرية متراوحة ما بين 18 – 45 سنة يستقبلها المركز.
بذلك، يكثف البرنامج الوطني المقام من قبل الأمن العام على تجيش عدد من الشباب أطلق عليهم "أعوان رجال مكافحة المخدرات" و تم تأهيل 600 شاب على أن يقوم كل واحد منهم بتأهيل 10 شباب لأجل مكافحة المخدرات بشكل موسع.
تأسس البرنامج الوطني لمكافحة المخدرات عام 1973 "هي على شكل حملات توعوية تستهدف الشباب في المدارس والجامعات والمعاهد وأماكن تواجدهم"، ويبدي مدير الدائرة العميد طايل المجالي التفاؤل من ما يتحقق على أرض الواقع.
ويقول إنه "تم تأهيل كافة المشرفين في وزارة التربية لكي يحاضروا بكفاءة عالية كما تم تزويدهم بمنهاج خاصة مستغلين الإذاعة المدرسية وقد قدمنا كلمات نموذجية للطلبة".
في إطار ذلك، تم تعديل منهاج العلوم العسكرية المقرر في الجامعات الأردنية، عبر دروس خاصة عن المخدرات، ويقول طايل المجالي إن هناك خطة مع المجلس الأعلى للشباب لأجل وضع خطط تستهدف توعية الشباب بهذه الآفة ووزارة الأوقاف ومؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الكبيرة التي فيها عاملين كثيرين.
الحملة الوطنية لمكافحة المخدرات، "أوعى" ينفذها القطاع الخاص، وقد بدأت فعالياتها منتصف حزيران الماضي، وتتضمن فعاليات فنية ثقافية، وتأتي بالشراكة بين مؤسسة امتياز الأردن للإعلام وشركة أورانج وإدارة مكافحة المخدرات والمجلس الأعلى للشباب.
وتقول منسقة الحملة، الناشطة بسمة الحسن، إن هدف الحملة هو الوصول إلى الشباب في أماكن تواجدهم، "في المقاهي والمولات" ويعمل في الحملة ما يقارب 35 شاب وشابة وهم من أعوان مكافحة المخدرات.
وسيتم إقامة حفلات غنائية ومعرض كاريكاتوري منفذ من عشرين شاب سيقام في المركز الثقافي الملكي، ك1لك عرض مسرحية فنية توعوية وستنتقل بين الجامعات الأردنية ومراكز الإصلاح. في حين يكشف المجالي عن خطة يعملون عليها وتستهدف تجار المخدرات في مراكز الإصلاح "بغية إرشادهم والتأثير عليهم إيجابيا".
في العام 2008 ألقى جهاز الأمن العام على 600 متعاطي في الجامعات الأردنية، في المجموع العام وصل إلى 3000 متعاطي، وينوه المجالي أن قانون المخدرات والمؤثرات العقلية، لا يعاقب المدمن طالما انه بلغ عن نفسه وطلب العلاج لكنه إذا ما تم ضبطه فيعاقب بالحبس من سنة إلى سنتين.
ينص قانون الصحة العامة المؤقت رقم 54 لسنة 2002 في المادة رقم 16 على ما يلي: أ – يتم إدخال المصابين بالأمراض النفسية والإدمان على المخدرات والمؤثرات العقلية إلى المستشفيات، أو إلى الأقسام المخصصة، لذلك إما بصورة اختيارية أو إجبارية ويجوز الإدخال جبراً في الحالات التالية: 1- إذا كانت حالة المريض أو المدمن تستدعي طرقا علاجية لا تتم إلا في المستشفى أو الأقسام المخصصة لذلك. 2- إذا كان المريض أو المدمن يسبب أذى مادياً أو معنوياً لنفسه أو للآخرين. 3- إذا كان المريض أو المدمن يضر بالممتلكات. 4- إذا أصدرت المحكمة قراراً بذلك بناء على بينة طبية.
ويعاقب قانون المخدرات والمؤثرات العقلية تاجر المخدرات بـ15 عام من الحبس مهما كانت كمية المخدرات وإذا ما كررها مرة ثانية فقد تصل إلى حد الإعدام. ذلك وفق قانون المخدرات والمؤثرات العقلية لسنة 1988 الذي يفصل أنواع المخدرات وتأثيراتها على عقل الإنسان، كما يعاقب المتعاطي والمروج.
ويلفت المجالي إلى قبضهم على 350 شخص تاجر. في حين ألقي القبض على 72 أنثى مدمنة، 50% منهن من الجنسيات عربية، "بعضهن أدمن لتثبت لزوجها أنها أدمنت وتستطيع الإقلاع لتقنع زوجها لكنها تقع في فخ الإدمان".
ويتبع المركز الوطني لتأهيل المدمنين وزارة الصحة، تم تأسيسه عام 2001، بسعة ستين سريراً منها عشرة أسرة للمدمنات. ويخضع المدمن على مدى أربعة أسابيع للعلاج؛ منها أسبوعان لإزالة السمية والباقي لإعادة التأهيل.
هذا المشروع، كلف الوزارة 2 مليون دينار، وغرضه الأساسي علاج المريض من كافة المواد المؤثرة عقلياً بكافة أنواعها: المثبطة والمنشطة والمهلوسة.
ويعالج الأردنيون مجانا "بسرية تامة" كفلها قانون الصحة العامة، على ما يقوله الدكتور العناني، مستقبلا المركز منذ افتتاحه 2100 ويشرف طبيب اختصاصي في الأمراض الباطنية وباحث نفسي وآخر اجتماعي. فيما يخضع 202 مدمن في المركز العلاجي التابع لإدارة مكافحة المخدرات للعلاج .
"على المريض ان يتمتع بالإرادة الصلبة ليتمكن من العلاج"، يقول العناني "بغض النظر عن طبيعة تعاطيه للمخدرات سواء: الكحول، الفليومات، الأفيونات، المواد الطيارة المستنشقة.
تأثرت حياة تامر نفسيا واجتماعيا "أصبحت معزولا عن العالم لا أحد يطيق التحدث معي، بعد معرفته عن إدماني على المخدرات هم يخافون مني"، حاليا، تامر يعاني من ألم نفسي جراء وصمة العار تلازمه أينما ول وجهه "أتعالج وأخاف أن أنتكس من وراء الناس الذين لا يرحمونني أبدا". وأكثر ما يؤرق المركز الوطني هو "كثرت حالات الانتكاس بين الحالات التي تخضع للعلاج في المركز".
العناني، يكشف عن توجه يعكف عليه المركز مدعوما من قبل وزارة الصحة "بإعادة الدمج الوظيفي للمدمن المتعافي بعد تخرجه وهذا ما قد يساهم في الابتعاد عن الانتكاسة التي يكون أحد أسبابها المجتمع".
وفق العناني فإن الخطورة تكمن لدى التجار الذي يسعون للربح ويخلطون المخدرات بسم الفئران وعند زيادة المدمن للجرعة تؤدي إلى وفاته.
على من يرغب بالاستفسار يرجى الاتصال على المركز الوطني لتأهيل المدمنين على الأرقام التالية: أرضي: 5233047 أو الخلوي: (0795552414 ).