بالأرقام...استمرار التعذيب يقوض فرص تحسين رفاهية المواطنين 

الرابط المختصر

لماذا ينبغي السعي الرسمي لإنهاء ممارسات التعذيب وسوء المعاملة؟

تنبيهات حقوقية بكلف استمرار جريمة التعذيب ووجوب وقفها 

بالأرقام...استمرار التعذيب يقوض فرص تحسين رفاهية المواطنين 

تحكي شكاوى وإدعاءات التعذيب وسوء المعاملة الموثقة لدى العديد من الجهات الحقوقية، حالة رفض رسمي وتكييف قانوني، يأبى الاعتراف بوقوع التعذيب، على نحو يطيل من استمرار جريمة التعذيب، دون مواجهة بالوقف أو تعويض الضحايا وإنصافهم ومنع إفلات مرتكبيها من العقاب.  

ويتراوح حال تلك الشكاوى بين الإحالة لمحكمة الشرطة وطول أمد القضية، إلى توصيف مزاعم التعذيب بأنها مخالفة للأوامر والتعليمات فقط، تستبدل فيها عقوبة الحبس بالغرامة المالية، فضلا عن قرارات لمدعي عام الشرطة يمنع فيها محاكمة المشتكى عليهم في القضية.

ورغم صدور حكم اكتسب الدرجة القطعية في قضية "عمر النصر"، الذي قضى تحت التعذيب لدى إدارة البحث الجنائي أيلول 2015، وتمت مصادقته من  قبل محكمة التمييز آب العام 2020، إلا أنه لم يتم تنفيذ العقوبة بحق إثنين من أصل ثلاثة متهمين في القضية، قضي بوضعهم بالأشغال المؤقتة لمدة سبع سنوات محسوبة لهم مدة التوقيف، عملا بأحكام المادة 330/1 من قانون العقوبات ودلالة المادة 76 من القانون ذاته.

يذهب مستشار حقوق الإنسان رياض الصبح للقول: " إنه لم تصدر قرارات إدانة بالتعذيب، ربما صدرت بمسوغات أخرى غير التعذيب؛ باعتبار  أن فكرة التعذيب تحمل نوعا من التخوف إزاء وسم الأجهزة الامنية بأنها تمارس التعذيب، متسائلا إذا كان التبرير دوما بأن حالات التعذيب هي مجرد حالات فردية، لماذا لا تقر الجهات الأمنية بممارسة التعذيب،  وتصدر قرارات قضائية تدين بالتعذيب، ولا تتهم المسؤولن بتوجيه أوامر لممارسة التعذيب".

يستدرك صبح، ويقول: "إن محكمة الشرطة هي الجهة التي تنظر في ملاحقة المتهمين، لكنها لا تتوافر لديها الموضوعية والحياد الكافي".

رئيس مركز الجسر العربي لحقوق الإنسان أمجد شموط يعتبر أن جريمة التعذيب لا تعكس نهجا رسميا بل هي تصرفات فردية لا تصدر عن مسوؤلي مؤسسات انفاذ القانون، لكنها تسيء لسمعة الدولة والمؤسسات التي يفترض أن تراعي احترام القانون وآدمية الانسان.

  • خطر استمرار التعذيب والمطالبات الحقوقية

يكشف التقرير السنوي السابع عشر للمركز الوطني لحقوق الإنسان عن تلقيه 37 شكوى خلال العام 2020 تتضمن الإدعاء بالتعرض للتعذيب وسوء المعاملة على أيدي موظفي إنفاذ القانون والإدارات الأمنية المختلفة. 

يؤكد شموط  أن على أرض الواقع كثير من الممارسات تنتهك الحق في الحياة وتعتدي على السلامة البدنية للأفراد في اثناء فترات التوقيف الاداري أو الاعتقال أو الحبس، أو خلال الاعتقال التحفظي اثناء فترة التحقيقات الأولية.

يذكر تقرير مؤشر التعذيب في الأردن لعام 2020- 2021، الصادر عن مركز عدالة لدراسات حقوق الإنسان، عددا من الإشكاليات التي وصفها بأنها " عوامـل الخطـر" إزاء اسـتمرار ممارسـة التعذيـب فـي الأردن، من بينها تعريـف التعذيـب في قانون العقوبات المادة 208، كونه لا يتماشى مع مع التعريف الوارد في اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، والتي صادق عليها الاردن في حزيران العام 2006، ونشرت في الجريدة الرسمية.

وفق نص المادة الأولى من الاتفاقية الأممية فإن التعذيب ينصرف لأي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد، جسديا كان أم عقليا، يلحق عمدا بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص، أو من شخص ثالث، على معلومات أو على اعتراف، أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه، هو أو شخص ثالث أو تخويفه أو إرغامه هو أو أي شخص ثالث - أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأي سبب من الأسباب يقوم على التمييز أيا كان نوعه، أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص آخر يتصرف بصفته الرسمية، ولا يتضمن ذلك الألم أو العذاب الناشئ فقط عن عقوبات قانونية أو الملازم لهذه العقوبات أو الذي يكون نتيجة عرضية لها.

فيما تكتفي المادة (208) من قانون العقوبات الأردني بتجريم التعذيب بنصها: "كل من سام شخصا أي نوع من أنواع التعذيب التي لا يجيزها القانون بقصد الحصول على إقرار بجريمة أو على معلومات بشأنها عوقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات، وأنه إذا أفضى التعذيب إلى مرض وجرح بليغ كانت العقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة، ولا يجوز للمحكمة وقف تنفيذ العقوبة المحكوم بها في هذه الجرائم الواردة في هذه المادة كما لا يجوز لها الأخذ بالأسباب المخففة".

  لجنة مناهضة التعذيب الأممية في تعليقها على نص المادة الرابعة عشر من اتفاقية مناهضة التعذيب الأممية، دعت الدول الأطراف في الاتفاقية لاتخاذ تدابير لمكافحة الإفلات من العقاب لضمان عدم تكرار التعذيب وسوء المعاملة، من بين تلك التدابير إصدار تعليمات فعالة وواضحة إلى الموظفين الحكوميين بشأن أحكام الاتفاقية، لا سيما بشأن الحظر المطلق للتعذيب.

وخلال السنوات الماضية لم تتوقف مطالبات المجتمع المدني الحقوقي عن دعوة الجهات الرسمية في البلاد لإجراء تعديلات وتطورات على الحق في السلامة الجسدية، سواء ما تعلق منها في مجال التدابير التنفيذية أوالتدابير التشريعية، بيد أن المطالبات الحقوقية الأخيرة تجاوزت الدعوات السابقة، إلى المطالبة الجادة  بالإنهاء الفوري لحـالات التعذيـب كونها تشـكل انتهـاكا وخرقـا لحقـوق الإنسـان، فضلا عن الكلف المالية المترتبة جراء تلك  الانتهاكات. 

وتكشف دراسة الكلفة المالية والإقتصادية لانتهاكات حقوق الإنسان في الأردن التعذيب، والتوقيف الإداري نموذجا للأعوام ( 2010- 2020)، عن أن زيـادة حـالات التعذيب يتسبب بزيـادة كلـف الإنفـاق وتكبد خزينة الدولة كلفا مالية مرهقة؛ فحالة تعذيب واحدة، تقدر كلفتهـا المالية علـى وزارة الصحـة  بنحو  343 دينـارا أردنيـا شـهريا . 

الدراسة التي أصدرها حديثا مركز عدالة لدراسات حقوق الإنسان، شددت على أن العلاقة مـا بيـن إنفـاق وزارة الصحـة فـي الموازنة الأردنية والتعذيـب فـي مراكـز الإصلاح والتأهيـل ومراكـز التوقيـف والاحتجـاز علاقة موجبـة؛ إذ إن زيـادة عـدد حـالات التعذيـب سـيؤدي إلـى زيـادة كلـف الإنفـاق فـي وزارة الصحـة.

 ويوضح رئيس المركز عاصم ربابعة، بأن الكلـف الاقتصاديـة الناجـمة عـن انتهـاكات حقـوق الإنسـان تبرز مـن خـلال مـا تتكبـده الموازنـات مـن آثـار مباشـرة، وغيـر مباشـرة.

ويضيف: جرائـم التعذيـب وسـوء المعاملـة لهـا تأثيـرات وانعكاسـات مختلفـة علـى النواحـي الاقتصاديـة والاجتماعيـة، خاصـة أن تلـك الجرائـم تعامـل وكأنهـا مخالفـات سـلوكية، وليسـت جرائـم تسـتحق العقوبـة، والتعويـض مـن جهـات الاختصـاص.

تورد الدراسة، أن قيمـة الإنفـاق الرأسـمالي فـي موازنـة إدارة مراكـز الإصلاح والتأهيـل للعـام 2021 بلغت مـا يقـارب 2 مليـون دينـارا أردنيـا بحسـب بيانـات دائـرة الموازنـة العامـة المنشـورة، أي ما يقـارب 3 بالمائة مـن مقـدار الإنفـاق الرأسـمالي فـي موازنـة مديريـة الأمـن العـام لذلـك العـام، وتشير الدراسة إلى أن مبلغ 2 مليون دينارا يعتبر أعلـى مـن كل المبالـغ المخصصـة لإنشـاء مراكـز صحيـة فـي المحافظـات المختلفـة للعـام 2021.

ويلفت ربابعة إلى أن التحليلات الرقمية الواردة في الدراسة هدفها تجاوز مجرد التوعية بالمعايير الدولية لاتفاقيات حقوق الإنسان، بل توعية صانع القرار بأن استمرار تلك الانتهاكات يحمل خزينة الدولة  ودافعي الضرائب كلفا مالية بالإمكان توفيرها طالما طبقت تلك المعايير.

تضمنت الدراسة الإشارة إلى أن مقـدار الإنفـاق الرأسـمالي لمراكـز الإصلاح والتأهيـل كنسـبة مـن موازنـة مديريـة الأمـن العـام يعـادل بمتوسـطه حوالـي 30 بالمائة مـن نسـبة الإنفـاق الرأسـمالي كنسـبة مـن موازنـة وزارة الصحـة، ومـا يعـادل حوالـي 33 بالمائة كنسـبة مـن نسـبة الإنفـاق الرأسـمالي كنسـبة مـن موازنـة وزارة التربيـة والتعليـم.

ويشير ربابعة إلى أن تلك النسب ليست منخفضة، بل تعتبر نسبا عالية مـن الإنفـاق باتجـاه تأهيـل مراكـز الإصلاح والتأهيـل مقابـل الفـرص الضائعـة باتجـاه تحسـين رفاهيـة المواطنيـن.

 ويعتبر صبح أن نهج مناهضة التعذيب يجب أن يكون شاملا سواء ما تعلق بالتشريعات أو الممارسات أو السياسات، لافتا إلى أن الوصول لإنهاء ممارسة التعذيب يحتاج لضمانات قانونية وتطبيقات بصدور قرارت القضاء المدني المستقل بالنظر بجريمة التعذيب.

 ويعبر شموط عن قلق إزاء التجاوزات التي تحدث في بعض الإدارات  الأمنية، والاعترافات التي تنزع تحت سوء المعاملة والضرب والمعاملة اللاخلاقية بالقوة.

ويستدرك، أن مناهضة التعذيب وإنهاءه يحتاج لحوكمة الاجراءات والعمليات التي تمارسها السلطات القائمة على إنفاذ القانون في اطار الحياد والاستقلالية والقضاء المستقل لمحاكمة مرتكبي جرائم التعذيب.

ويلفت إلى الحاجة لإرادة سياسية جادة لمعالجة تلك الاختلالات والتشوهات التي تسيء للانسان وسمعة الدولة، إلى جانب مراجعة وتعديل القوانين لتحقيق العدالة، والمواءمة بين احترام الحقوق الفردية والحقوق الجماعية واحترام النظام العام بعيدا عن المساس أو انتهاك حقوق الأفراد.

 



 

  • الرصد الحقوقي ( إنفوغراف) رسم بياني أعمدة 

يورد تقرير مؤشر التعذيب في الأردن خلال العامين 2020-2021 بأن  مركز عدالة لحقوق الإنسان رصد تسع حالات تعذيـب، منهـا أربع وفيـات، خلال العامين.

ويورد التقرير الأخير للمركز الوطني لحقوق الإنسان تلقيه ما مجموعة  974 شكوى متعلقة بحالات التعذيب بحق المحتجزين خلال الفترة من عام 2007 وحتى العام 2020؛ إذ بلغت نحو 45 شكوى خلال العام 2007، و 41 شكوى للعام 2008، و 51 شكوى للعام 2009، و85 شكوى خلال العام 2010، و73 شكوى خلال العام 2011، و72 شكوى للعام 2012، و77 شكوى عام 2013، وخلال العام 2014 تلقى المركز 87 شكوى، و92 شكوى للعام 2015، و63 شكوى العام 2016، وفي العام 2017 تلقى 85 شكوى، مقابل 68 شكوى للعام 2018، و98 شكوى خلال العام  2019، وخلال العام 2020 تلقى 37 شكوى.

 

هذا التقرير أنجز بدعم من مركز حماية وحرية الصحفيين.

 

أضف تعليقك