الوطن البديل..الصحافة المحلية تخوض تمريناً بلغة جديدة

الوطن البديل..الصحافة المحلية تخوض تمريناً بلغة جديدة
الرابط المختصر

مع أن فكرة الوطن البديل ليست جديدة على الصحافة المحلية، بل هي تعتبر من الأفكار الدارجة فيها، إلا أنها أخذت منحى جديداً في الأيام الأخيرة. فالفكرة ظلت تطرح في سياق النقاش الداخلي بين فريقين أحدهما يثق بمعاهدة السلام والآخر لا يثق بها، ومع أن الفريقين كانا يعلنان رفضهما لها إلا أن الأول كان يرى أنها مجرد تخوف وادعاء أو "فزاعة" يستخدمها الفريق الثاني الذي يرى فيها مخططاً وفكرة اسرائيلية جدية.


ولغاية الأسبوع الماضي لم تكن اسرائيل طرفاً مباشراً في النقاش ولم تكن الآراء توجه لها، غير أن طرح المسألة في الكنيست أحدث تغيراً في لغة النقاش المحلية كما عكستها الصحافة.
علينا أولاً أن نلاحظ أن فكرة "الوطن البديل" لم تطرح حرفيا في الكنيست، فمشروع القانون المقترح يتحدث عن "دولتين لشعبين" على ضفتي النهر، واحدة اسرائيلية غرب النهر والأخرى فلسطينية شرق النهر، ولكن تسمية "دولتين لشعبين" هذه ليست صالحة للادانة في الصحافة المحلية، على الأقل لأن هذه الصحافة لم تتوقف عن الترحيب والمناداة بها مع اختلاف المحتوى طبعاً، فالمقصود بدوليتن لشعبين عند الأردنيين والفلسطينيين والعرب عموماً هو قيام دولتين كلتاهما غرب النهر واحدة اسرائيلية والثانية فلسطينية، مع بقاء الدولة الثالثة الاردنية شرق النهر.
 
لهذا سارعت الصحافة المحلية الى التعاطي مع محتوى الاقتراح الاسرائيلي، أي مع فكرة "الوطن البديل"، وهي فكرة مدانة أصلاً وليس مطلوبا سوى تغيير في اتجاه الكلام.
 
الجديد في اللغة الصحفية المحلية هو أنه للمرة الأولى منذ توقيع اتفاقية وادي عربة يجد الاعلام نفسه أمام خلاف أردني اسرائيلي مباشر، أي ليس من خلال قضايا الصراع الأخرى التي استدعت في بعض الأحيان خلافات اردنية إسرائيلية، ولكنها لم تكن بالصورة المباشرة المتوفر هذه المرة.
 
لهذا لم يمر الأمر بسهولة في الصحافة، فمنذ اتفاقية وادي عربة غابت الى درجة كبيرة اللغة التي تحمل مضامين صراع أردني اسرائيلي. ولعل الأمر كان سهلاً الى حد ملحوظ بالنسبة لصحيفة مثل "العرب اليوم" التي ظلت على الدوام تستخدم مصطلح العدو بلا تحفظات سواء في موادها الاخبارية أو في مقالات كتابها، كما أن عنواناً مثل المطالبة بالغاء معاهدة وادي عربة سبق وأن ظهر على صفحتها الأولى في أكثر من مناسبة، ولهذا احتل الموضوع أعلى صفحتها الأولى أكثر من مرة خلال الأيام الماضية. وكتب رئيس التحرير معتبراً أن قيام الحكومة باستدعاء السفير الاسرائيلي لا يعد احتجاجا كافياً وطالب مدير التحرير بخطوات نيابية أردنية مقابلة.
 
صحيفة "الغد" غطت الموضوع صحفيا في مواد بارزة وخاصة النشاطات الشعبية، ولكن الجديد في هذه الصحيفة أنها مررت على سبيل المثال مصطلح "العدو الاسرائيلي" في مقالة لسميح المعايطة، كما كتب محمد ابو رمان عنواناً لافتاً جاء فيه "على خط النار مع اسرائيل"، ويعرف الصحفيون أن "الغد" كانت تتحفظ في مجال المصطلحات.
 
لكن ما يلفت الانتباه هو تردد صحيفة مثل "السبيل" التي كانت على الدوام متهمة من قبل خصومها بالمبالغة في طرح عناوين المعاداة لاسرائيل. لكن لوحظ أنها في اليوم الأول لإثارة القضية اكتفت بعنوان صغير يحمل تصريحاً للناطق الرسمي يقول فيه ان "الاردن بانتظار توضيح اسرائيلي حول مناقشة الكنيست لمشروع الدولتين"، وفي اليوم التالي ابرزت خبراً لوكالة أنباء "قدس برس" وضعته في صفحتها الأولى ولم يجر تحريره جيدا حيث جاء فيه أن وزير خارجية الأردن أعرب عن "احتجاج بلاده"، وهذه صيغة لا تستخدمها الصحافة المحلية حتى مع الخبر المنقول من وكالات الأنباء غير الأردنية. ولكن الى جانب هذه التغطية غير المعتادة من "السبيل" فقد ظهرت فيها بعض المقالات بلغة قوية معتادة مثل مقالة رئيس مجلس إدارة الصحيفة جميل ابو بكر وسكرتير التحرير عبدالله المجالي.
 
لكن التمرين على اللغة الجديدة كان أصعب قليلاً في صحيفي "الرأي والدستور"، فهنا جرت محاولة لملاحقة ومراعاة الموقف الرسمي، وإن كان يسجل ابراز بعض ردود الأفعال الشعبية. ومن اللافت "الدستور" مثلاً عندما علقت في افتتاحيتها بعنوان "الرد الشافي على الادعاءات الصهيونية" قالت في مطلع الرد أن الموضوع لا يستحق الرد! وهي نفس العبارة التي استخدمها الناطق الرسمي في أول تعليق له قبل أن تتخذ الحكومة اجراء استدعاء السفير.
 
أخيراً.. لقد كان تمريناً سريعاً وقد يكون مؤقتاً خاضته الصحافة من خلال سطور قد لا تكون كثيرة غير أنها مكتظة بـ"ما بين السطور" وبما غاب عن تلك السطور.