تصاعد الأحداث غزة واستمرار العدوان الصهيوني ومجازره، يؤثر بشكل ملحوظ على الشباب الأردني وأعاد الحديث عن الهوية الوطنية الأردنية إلى الواجهة في الأوساط السياسية والثقافية والاجتماعية.
تطرقت العديد من الشخصيات الأردنية إلى هذا الموضوع، أبرزها مؤسسة العرش. ففي خطاب الملك عبد الله الثاني بمناسبة اليوبيل الفضي، أكد على أهمية الهوية الوطنية قائلاً: "فكانت هويتنا الوطنية الأردنية وستبقى مصدر ثبات وقوة تجمعنا في مواجهة الأخطار، وبها حمينا مسيرة الدولة والمجتمع، وخلف الراية توحدنا في وجه الخوارج وأصحاب الفتن، وتجاوزنا فوضى الإقليم فكانت حماية الأردن من نيرانها أولويتنا".
كما تناول ولي العهد الأمير الحسين هذا الموضوع في مقابلة له مع قناة العربية، حيث أشار إلى أن "الهويات الفرعية شيء طبيعي ونراه في كل بلد وفي كل مجتمع، لكن المظلة الأساسية هي الهوية الأردنية." يعكس هذا الاهتمام الرسمي المتزايد تأكيداً على أهمية الحفاظ على الهوية الوطنية كوحدة جامعة وقوة دافعة لمواجهة التحديات الإقليمية والمحلية.
الدستور الأردني نصّ في المادة الأولى منه : "المملكة الأردنية الهاشمية دولة عربية مستقلة ذات سيادة، ملكها لا يتجزأ ولا يُنزل عن شيء منه، والشعب الأردني جزء من الأمة العربية ونظام الحكم فيها نيابي ملكي وراثي ". كما نصّت المادة الثانية من الدستور أن "الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية." وتعزز هذه النصوص الدستورية معالم الهوية الوطنية الأردنية، وتؤكد المبادئ الأساسية التي تجمع الشعب الأردني تحت مظلة واحدة وهي ثوابت الهوية الأردنية التي تشمل العروبة، المشروع النهضوي، الدين، التاريخ، والموروث الثقافي .
فيما يرى الكاتب والمحلل السياسي بسام بدارين أن التأكيد في خطابات مؤسسة العرش مؤخرا، على أهمية الحصانة الدستورية والقانونية للهوية الوطنية الأردنية، وفي خطاب اليوبيل كانت العبارات الملكية واضحة في حسم هذا الأمر، وداعية إلى تجاهل الجدل حوله، لأن الواقع الموضوعي يثبت أن بعض الأصوات التي تسعى للظهور وتحقيق مكاسب شخصية تهاجم المقاومة وتشيطنها وتحرفها، مما ساهم في إحياء نقاش الهويات الفرعية في الأردن. ويقول بدارين " أن هناك أصواتًا تسعى لمصالحها الشخصية من خلال مهاجمة المقاومة، مما أدى إلى إعادة فتح نقاش الهويات الفرعية في الأردن، وهذه الأصوات تساهم بشكل كبير في تشتيت الانتباه عن القضايا الأساسية وتعمل لصالح أجندات مريضة ومحتلة وفي المقابل، تجاوزت الحالة الشعبية الأردنية هذه الأمور وركزت على القضايا الوطنية الأهم" .
مشيرا إلى أن " التوقيت الذي اختارته هذه الأصوات لفتح نقاش الهويات الفرعية يخدم مصالح إسرائيل، ويعكس أجندات معادية للمصلحة الوطنية للأردنيين، بمختلف انتماءاتهم حيث أدركوا أهمية الوحدة الوطنية في مواجهة التحديات المشتركة، مما يجعل هذا الجدل أقل أهمية في السياق الحالي".
"وفي ضوء التحديات الراهنة، أصبحت مسألة الهوية الوطنية الأردنية أقل أهمية مما كنا نعتقد اليوم، فالوطن البديل والوطن الأصيل يواجهان خطرًا حقيقيًا، لم يعد الأمر يتعلق بمحاربة فلسطين كأردني، بل بالحفاظ على الأردن وبات اليمين الإسرائيلي يشكل خطرًا على الأردن، سواء على مستوى القيادة أو الشعب وهذا الخطر يهدد الوطن الأصيل والوطن البديل على حد سواء، والشعبين الأردني والفلسطيني يتشاركان نفس القارب في مواجهة هذا التهديد ومن المهم أن نلاحظ أن إثارة نقاش الهوية الوطنية له أهداف خفية، بعض القوى ترى أن معركة غزة قد تؤثر على الدور المستقبلي للأردن في الضفة الغربية، وهذا يثير توترها. في الوقت نفسه، هناك تدخل من أجهزة استخبارات عربية وفلسطينية، بالإضافة إلى النشاط الإلكتروني الذي يسهم في تعقيد الأمور".
يشكّل الشباب الأردني النسبة الأكبر من القوى البشرية في العمل والإنتاج ومستقبل الدولة، حيث بلغت نسبة الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و64 سنة حوالي 62% من مجموع السكان.بحسب دائرة الإحصاءات العامة، فيما تواجه هذه الفئة تحديا اقتصاديا، من فقر وبطالة وهجرة بما ينعكس على هويتهم الوطنية، بحسب المختصين.
وبهذا الصدد يعلق رئيس قسم الاقتصاد في الجامعة الأردنية الدكتور رعد التل " تُعد البطالة من أبرز التحديات الاقتصادية التي تواجه الشباب في الأردن، مع تزايد أعداد الخريجين وعدم توفر فرص عمل كافية، يشعر الكثير من الشباب بالإحباط وفقدان الأمل في تحقيق طموحاتهم داخل البلاد. هذا الشعور يدفع الكثيرين للبحث عن فرص خارج الوطن، مما يقلل من التزامهم بالمساهمة في تطوير المجتمع المحلي، إلى جانب ذلك، قد تؤدي بطالة الشباب إلى زيادة النشاطات غير القانونية أو الهجرة غير الشرعية، والهجرة، سواء كانت داخلية إلى المدن الكبيرة أو خارجية بحثًا عن فرص أفضل، لها تأثير كبير على الهوية الوطنية، وعند هجرة الشباب بحثًا عن فرص اقتصادية أفضل، يتعرضون لثقافات وتجارب جديدة قد تؤدي إلى تباين في القيم والمعتقدات، هذا التباين يمكن أن يُضعف الروابط بالوطن الأم، بالإضافة إلى ذلك، تشعر العائلات والمجتمعات المحلية بفقدان أفرادها، مما يزيد من الشعور بالعزلة ويؤثر على النسيج الاجتماعي، وبالتالي فإن الأوضاع الاقتصادية الصعبة تدفع الشباب للتركيز على تحقيق الاستقرار المادي والشخصي، مما قد يقلل من اهتمامهم بالقضايا الوطنية والاجتماعية، إذا لم يجد الشباب الدعم الكافي من الدولة والمجتمع، فإن ذلك يعزز من الشعور بالتهميش والاغتراب، مما يؤثر على مدى تمسكهم بهويتهم الوطنية " .
يرى مقرر لجنة التمكين الشبابي في اللجنة الملكية لتحديث المنظمة السياسية سلطان الخلايلة أن الهوية الوطنية الأردنية لدى الشباب الأردني تتّسم بعدة سمات أهمها الاعتزاز بالتراث والتاريخ والانتماء والولاء للقيادة الهاشمية، وسمة الانفتاح على العالم و التأكيد على الوحدة الوطنية في ظل التحديات المحلية والعربية، ويُظهر الشباب الأردني رغبة قوية في الحفاظ على الوحدة الوطنية والتكاتف لمواجهة التحديات المشتركة.
وهذا ما ذهب إليه الباحث في معهد السياسة والمجتمع ومدير البرامج بالمعهد المهندس حسين الصرايرة بقوله "أن الهوية الوطنية لدى الشباب الأردني يجب ألا تقرأ بمعزل عن سياقها التاريخي والجغرافي فالشباب الذي نشأ مع نشأة الدولة الأردنية نشأ من منطلق أنها دولة عروبية قومية تضم أحرار العرب فالبتالي كانت هويته تتحدث عن بعد قومي، وبالنظر للهوية الوطنية الأردنية بسياقها الجغرافي فقد فكان لوحدة الضفتين والقضية الفلسطينية أثر كبير على تشكيل الهوية الوطنية حيث اعتبر الشباب الأردني أنفسهم أنهم يتعرضون للاحتلال من قبل العصابات الصهيوينة وانهم مشاريع شهداء للدفاع عنها فكانت الهوية تتتمحور حول تحرير الأرض كاملة شرقي وغربي النهر" .
الحديث عن الهوية الوطنية لدى الشباب الأردني في مختلف الأوساط السياسية والاجتماعية يرافقه نقاش ممتد منذ نشأة الدولة الأردنية، عن فرز هويات فرعية ملازمة للهوية الأردنية منذ نشأتها، تحديدا الهوية الفلسطينية في المجتمع الأردني، وتحدث به ولي العهد خلال مقابلته الأخيرة مع قناة العربية بقوله : "أن الهويات الفرعية شيء طبيعي ونراه في كل بلد وفي كل مجتمع، لكن المظلة الأساسية هي الهوية الأردنية، فليس عيبا أو حراما أن تفتخر بأصلك، شركسيا أو بدويا أو شاميا أو أردنيا من أصل فلسطيني، المهم أن تكون أردنيا وتحب البلد" .
ويعقّب الخلايلة :"أن الهوية الوطنية الأردنية تتماشى بشكل كبير مع الانتماء القومي العربي والقضية الفلسطينية حيث يظهر الشباب الأردني التزامًا قويًا تجاه القضايا العربية المشتركة، وخاصة القضية الفلسطينية ويتمثل ذلك هذا في التضامن العربي حيث أن الشباب الأردني يظهر دعمًا وتضامنًا مع القضايا العربية من خلال المشاركات في الفعاليات والتظاهرات والتفاعل مع القضية الفلسطينية"، وهنا يؤكد الباحث الصرايرة "أن الشباب الأردني لا يرى نفسه نقيضا للهوية الوطنية الفلسطينية بالتالي حين ننظر إلى أن الأردني هو اردني والفلسطيني هو فلسطيني وصحيح أن هناك نسبة نحو 35% من سكان الاردن هم من اللاجئين الفلسطينين بغض النظر يحملون أرقاما وطنية أو لا هؤلاء من حقهم الاحتفاظ بهويتهم الوطنية السياسية الفلسطينية، متسائلاً لكن إلى متى ستبقى هذه الهوية طاغية على الهوية الضامة الكبيرة الموجودة وهي مظلة الأردن؟.
مضيفا أننا نحن بحاجة لتعزيز الهوية الوطنية لدى الشباب وهذا يبدأ من الأسرة، علينا أن يكون لدينا مصفوفة استراتيجية تتعامل مع الاسرة الاردنية كيف تزرع القيم ، فالبرامج والخطط تبدأ من الأسرة ثم المدرسة ولدينا أزمة كبيرة في قطاع التعليم الذي غيّب هذه المهمة حيث لدينا مخرجات تعليم ضعيفة أدت إلى ضعف الهوية وهناك دور مهم وكبير على الإعلام بضرورة تسليط الضوء على مكامن القوة وليس نقاط الضعف".
في حين فقد كانت إحدى توصيات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، لجنة تمكين الشباب بإضافة مساقات ترسّخ الهوية الوطنية الأردنية والتاريخ الأردني في المناهج الدراسية، اضافة إلى أكثر من 30 توصية يصبّ غالبها في تعزيز الهوية الوطنية لدى الشباب الأردني .
ويتفق الخلايلة مع هذا الطرح بقوله "أن هناك حاجة ملحة لخطط وبرامج لتعزيز الهوية الوطنية لدى الشباب تقع على مسؤولية الحكومة من خلال وضع سياسات وتشريعات تدعم الشباب وتعزز الهوية الوطنية، والمؤسسات التعليمية عن طريق تطوير المناهج الدراسية والأنشطة الطلابية، ووسائل الإعلام من خلال إنتاج محتوى يدعم الهوية الوطنية والمجتمع المدني عبر تنظيم حملات ومبادرات توعوية ومجتمعية" .