الهرولة الروسية للمستنقع السوري

الهرولة الروسية للمستنقع السوري
الرابط المختصر

هل هي مواجهة مع الغرب أم حرب على داعش والإرهاب؟ هذا ما يدور في ذهنك لأول برهة حين تشاهد التطور في الموقف الروسي تجاه الأزمة السورية، عليك حينها أن تدرك العقلية الروسية وشكوكها حول سيطرة الإسلام "السني" في المنطقة، والذي يمثل جل مخاوفها في نظر البعض، وهو ما يخالف الواقع.

 

اختيار مطار اللاذقية لتواجد 250 جنديا روسيا، يعتبر استعدادا لمرحلة ما بعد بشار أو المعارضة، وإذا ما تمعنت جيدا في التصريحات الروسية الأخيرة، والانتقال من دعمها للنظام هناك بالعتاد والسلاح إلى مرحلة التواجد على الأرض، فستدرك تماما الهدف مما قاله وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف حول ربط الصراع في أوركرانيا بالأزمة السورية، كورقة ضغط على الغرب.

 

إن القيادة الروسية كانت صريحة جدا، حيث أعربت عن عدم تخليها عن  التدخل في الشأن السوري، إلا في حال تنازل الغرب عن العقوبات المفروضة عليها، وفكرت في هذا الحل الناجع برأيها بعد عام ونصف من "الفُرجة" على نزيف الدم السوري دون أن تحرك ساكنا، وهو ما يجعل الشكوك تدور حول طيب النوايا، وأن الأمر سيصب في مصلحة السورييين وهو ما لن يحصل مطلقا برأيي.

 

لا يمكن إغفال وجهة النظر الروسية التي ترى أن التحالف الدولي ضد "داعش" هش، و لا يقوم على أسس صحيحة، وإصرارها على استنكار استبعاد النظام السوري لجيشه من المعادلة ضمن هذا التحالف لتبرر بذلك انكفاءها على نفسها طيلة تلك المدة قبل أن تفكر في إنزال قواتها على الأرض السورية.

 

وهنا أرى أن دعم موسكو لنظام الأسد ضد "داعش"، ما هو إلا ذريعة لإيجاد موضع قدم يتم من خلاله التفاوض على بقاء بشار، وهذا ما يمكن إثباته بمجرد التدقيق في تصريحات القيادة الروسية من الرئيس إلى نائبه ووزير خارجيته، حيث تجد أن فحوى خطابهم مع الغرب يقرأ على أن سوريا جزء لا يتجزأ من التفاوض.

 

ويبقى الخلاف الأبرز دوليا، حول إيجاد نظام دولي جديد، وترقب البعض لعوائد حرب موسكو "بالوكالة"، ضد معارضي الأسد، ومدى المصلحة الغربية من كل ذلك، ليبقى التساؤل الأبرز يتمحور حول مصير الرئيس السوري، في حال نجح الغرب أو روسيا  ضد "داعش"، فالغرب وروسيا يتفقون على تقاسم المنطقة، دون إلقاء أي أهمية لبشار، ولك أن تفهم آنذاك سبب إنزال 250 جنديا فقط في مسقط رأسه.

 

ربما تظهر لمن يستحضر موقف باراك أوباما من الخطاب التصعيدي الروسي، واعتباره عاملا يؤخر عملية الانتقال إلى حل سياسي في للأزمة السورية، عملية الترسيخ لفكرة كون الغرب خطرا أكبر من "داعش"، إلا أن هنالك معطيات حقيقية، لا بد من مناقشتها تكمن في عدم وجود بديل جاهز للأسد، إضافة إلى عدم وجود انتصار حقيقي ميداني على الأرض لأي طرف من أطراف النزاع، وهو ما يقودني إلى الفكرة الأكثر واقعية بالنسبة لي والمتمثلة بغرق روسيا المكلل بعدم النجاح في الحرب السورية، وهو ما يعود إلى نوايا موسكو الحقيقة التي ذكرتها آنفا.

 

المطلوب من روسيا منذ بداية الصراع هو المساعدة بالانتقال السلمي للسلطة وليس بتلك الطريقة التي جرّت نفسها إليها، وعلينا أن ندرك مخاوفها التي دفعت بها إلى التمسك ببشار لتحقيق انتصار على الغرب على حساب الدم السوري، وما زالت تمارس ذلك حتى على مرأى الجميع دون أن يفهم الكثيرون بأن هدفها الأول هو التنازل الغربي عن المصالح الاسترتيجية في أوكرانيا.

 

"مستنقع يخسر فيه الجميع"، أبسط تعبير يمكن أن توصف به سوريا حاليا، ولتوقيع أي اتفاق على الوضع القائم، فأنت تحتاج ليد بشار لفعل ذلك وهو ما تؤمن به جميع القيادات وما تستفز به روسيا كافة الأطراف بقولها إنه يمثل الشرعية، بما يؤكد عدم اهتمام موسكو بإصلاح تلك البلاد على الإطلاق.

 

التهديد الحقيقي هو للدول الإقليمة، وللمهاجرين المتدفقين إلى أوروبا والغرب، ولوكلاء المعركة على الأرض السورية "واشنطن بدعمها للمعارضة، وموسكو بدعمها للنظام"، حيث تستمر المعاناة وتعلن عن صراع طويل معقد مركب، فلا رابح بين الأطراف التي زجت بنفسها في الأزمة السورية، من بينها روسيا التي باتت في مرمى الرصاص، فيما يبقى الخاسر الأكبر هو الشعب السوري.

 

يمكن الآن ملاحظة الأزمة التي ستحل مستقبلا من هذا التدخل الذي لن يوصل إلى أي حل حقيقي، والذي  يقع ضمن حرب عالمية في الشرق الأوسط تتم بالقطعة، ولن تنطلي على المتابع للشأن الدولي خطب الإعلام الروسي، التي تبرر لواشنطن تواجدها قائلة على لسان وزير خارجيتها: " نحن لا نريد سوء فهم بالنسبة لما يحدث في سوريا"، أو " لن نسمح بتكرار ما حدث في العراق".

أضف تعليقك