النهوض بالتعليم العالي يبدأ من الكادر الأكاديمي
يبرز في الآونة الأخيرة تحرك متسارع لبحث أوضاع أساتذة الجامعات الحكومية، ومدى ملائمة مداخليهم لمناصبهم التعليمة
ورسالتهم الأكاديمية التي تساهم بشكل مباشرة بتخريج جيل جديد لرفد سوق العمل الأردني من كفاءات وخبرات علمية مطلوبة.
الحديث عام، والرغبة أكيدة، لكن التطبيق فيه حديث، فعلى مستوى التشريعات يرى الكثيرون أن أساتذة الجامعات لا خوف عليهم، ولكن بنظرة سريعة إلى يوم عمل عادي بالنسبة لهم، ومدى قيامهم بمهامهم المطلوبة بأدنى الحدود من أستاذ جامعي يدرس أجيال ويعد الأبحاث ويعطي أفكار تساهم بفاعلية في التنمية والتطوير والحداثة المأمولة لمجتمعنا لا نستطيع استبعاد مدى تأثير مداخليهم وواقعهم المعيشي على أداءهم في أماكن عملهم.
وهو ما يضع غالبية اساتذه الجامعات الحكومية أمام خيارات ثلاث: الهجرة إلى الجامعات الخاصة وتحمل ظروف العمل الصعبة، أو الهجرة للتدريس خارج الأردن وتحمل ظروف العمل والغربة معاً، أو العمل في أكثر من جامعة أو مكاتب خاصة كل حسب تخصصه قانونية أو هندسية أو في مجال الأبحاث بشكل تجاري.
وكل الخيارات السالفة، إذا أتيحت تساهم في تحسين الوضع المادي لأستاذ الجامعة الحكومية الذي يتراوح راتبه بين 1000 إلى 2000 في الأحوال الجيدة حسب درجته ومنصبه، لكنها بالتأكيد ستؤثر سلباً على أداءه في التدريس ومساهمته البحث العلمي .
اللجنة المالية والاقتصادية النيابية طالبت الحكومة برفع رواتب المعلمين لوضع حد لاستنكاف وهجرة الكفاءات إلى الجامعات الخاصة والدول المجاورة.
الوضع المادي الجيد يمنع هجرة الكفاءات
هذا المطلب منطقي إلى حد كبير ولو أنه جاء متأخراً، إذ يعتبر أستاذ القانون في الجامعة الأردنية فياض القضاة" أن أحد أهم أركان التعليم الجامعي هو عضو هيئة التدريس إذا لم يكن وضعه المادي والمعيشي جيدان فإن الكفاءات ستهرب من الجامعات الحكومية تحديداً نحو الجامعات الخاصة التي تعطي رواتب أكثر أو إلى المناطق الجاذبة التي تحيط بنا والتي تقدم عروض عمل في السعودية و الخليج كقطر والبحرين والإمارات خاصة خريجي الجامعات المرموقة"
الدكتور مخلد الطروانة اختار التدريس في جامعة قطر الحكومية في كلية القانون، لأنه يرى أن " للدخل تأثير كبير للغاية، وهي مشكلة بدأت الجامعات الأردنية تعاني منها في الوقت الحاضر فالدخول المتدنية لأعضاء هيئة التدريس مقارنة مع المستوى التعليمي العالي الذي يحملونه والجهد الكبير الذي يبذلونه. كما ان الرواتب والمزايا التي يحصل عليها الأساتذة في الجامعات الأخرى التي يهاجرون إليها كبيرة و من المؤسف ان مرتبات بعض الجهات الأخرى في الدولة-ويقصد هنا الأردن- هي أعلى من رواتب الأساتذة الأمر الذي يجعلهم في وضع اقتصادي واجتماعي صعب خاصة في ظل الغلاء وارتفاع تكاليف الحياة".
ويوافقه زميله في نفس الجامعة الدكتور نور الحجايا في هذا الرأي، ويعتبر أن " الوضع المادي المتدني لأعضاء هيئة التدريس في الجامعات الأردنية هو احد أهم الأسباب التي تدفعهم إلي الهجرة خارج الوطن,حيث أنة بالكاد بعد سنوات طويلة من الخدمة يستطيع أن يبني له بيتا أو يشتري له شقة، وهذا لا شك هو ابسط الأشياء التي يطمح لها الإنسان" على حد تعبيره.
أين البحث العلمي؟
وعن مدى تأثير الدخل المتدني للأستاذ الجامعي على تفرغه للبحث العلمي ، يؤكد الدكتور القضاة على أن "عضو هيئة التدريس الجامعي الذي يعمل في أكثر من وظيفة أو يقوم بإعطاء محاضرات إضافية في جامعات أخرى أو يعمل في مكاتب خاصة حسب تخصصه لغايات الحصول على دخل كاف فإنه بالتأكيد لن يتفرغ للبحث العلمي"
من منظور تشريعي ومن منظور الخبرة في التدريس في جامعة اليرموك لسنوات، يؤكد رئيس لجنة التربية والثقافة في مجلس النواب الدكتور محمد الشرعه على أهمية تحسين دخل الكوادر المهنية في الجامعات ورفع المستوى المعيشي لهم" مما يؤثر بشكل مباشر على مستوى البحث العلمي، ففي واقع الأمر، والحديث للدكتور الشرعة، ينشغل الدكتور والباحثين بإعداد بحوث ولكن دون عائد مادي للأستاذ الجامعي بدل الجهد العلمي الذي صرفه في هذا البحث، الأمر الذي لا يصبح مشجعاً بالنسبة لهم"
"للأستاذة الأردنيين خبرة طويلة ومتميزة جدا في مختلف الفروع وهذا حقيقة يلمسها الكثيرين هنا"، يتحدث الدكتور مخلد الطر وانه عن خبرته في قطر، ويؤشر على معرفته بحقيقة أن ميزانية الجامعات عموما ضعيفة وللبحث العلمي أيضا قليلة ولا يمكن مقارنتها مع الجامعات الأخرى إلا أنه لا يلغي أهمية إتاحتها للأستاذ لغايات البحث العلمي" في دول الخليج أو الدول الأخرى اثبت الأستاذ الأردني جدارته إقليميا وعالميا وبالطبع مع غياب الدعم لهذا الأستاذ خاصة في المجال العلمي فهذا سيؤثر على مستوى الجامعات وسمعتها خاصة أن الجامعات أصبحت الآن تركز على موضوع الاعتماد الأكاديمي الذي يعتمد في جزء كبير منه على البحث العلمي"
ويؤثر الدخل المتدني للأستاذ الجامعي بطريقة أو بأخرى كما يرى كثيرون على مخرجات التعليم الجامعي، فالأستاذ الجامعي في حال تفرغه للعمل في جامعة واحدة وبراتب جيد وتكون ظروف العمل مناسبة فإنه بالتأكيد سيقدم أداءً نوعياً ينقله مباشرة إلى طلابه، يقول الدكتور نور الحجايا" طبعا سينعكس ذلك على جودة التعليم وعلى مخرجاته، خاصة أن من سيحصلون على فرص خارجية في دول عربية أو أجنبية سيكونون بلا شك الأفضل لان اختيار الجامعات الأخرى عادة ما يتطلب معاير عالية وبالتالي سيتم اختيار الأكفاء مما يضطر الجامعات الوطنية في الأردن إلى تعيين خريجي بعض الجامعات الضعيفة الأمر الذي سينعكس على مستوى التعليم العالي ومخرجاته".
هجرة الكفاءات نتيجة أخرى لتدني الدخل
فهجرة العقول الأردنية ستؤثر سلباً على مخرجات التعلم في الوطن، لأن ذلك يحرم الجامعات من عطاء هؤلاء الأساتذة المتميزون, والحديث هنا للدكتور الطروانه" لذلك تلجأ الجامعات من اجل تغطية النقص لديها إلي أي شخص حاصل على درجة الدكتوراه حتى لو لم تتوافر فيه الشروط اللازمة للتدريس من تخصص وكفاءة وانتماء وغيرها"
وحل مشكلة وقف هجرة الكفاءات ليس من بينها اللجوء إلى خيار الإجازات من غير راتب، لأنه ببساطة شديدة يستطيع الاستغناء بشكل كامل عن جامعته، يوضح الدكتور الطروانه، الذي يرى أن" أفضل الحلول للمحافظة على الكفاءات هو زيادة الرواتب بصورة ترتبط مع التضخم المالي والعمل على تحسين الأوضاع المعيشية لأعضاء هيئة التدريس من خلال تأمين السكن الملائم لهم وتأمين أبنائهم بأفضل المدارس وحصولهم على إعفاءات جمركية بخصوص سياراتهم"
ويحمل الطروانه جزءً كبيراً من المسؤولية للجامعات، ويقول:" الجامعات نفسها تعمل على طرد الكفاءات التي لديها من خلال التضييق عليهم بخصوص عدم الموافقات على الإجازات دون راتب, فيضطر إلى الاستقالة، وإذا منحت تكون قليلة ولا تتجاوز 3 سنوات كما هو الحال في جامعة مؤته والتجديد يتم سنوياً ويخضع للسلطة التقديرية لمجلس القسم والكلية ومجلس العمداء وعادة ما نواجه تعقيدات كبيرة عند التجديد الأمر الذي يسبب لنا ولعائلاتنا قلق نفسي لأننا لغاية نهاية شهر 6 من كل عام لا نستطيع أن نعرف ما هو القرار الأمر الذي يحرجنا مع الكليات التي نعمل بها لأننا مطالبين بان نقدم استقالتنا قبل 6 أشهر من نهاية السنة الأكاديمية الأمر الذي قد يؤدي إلى ضياع حقوقنا المالية من الجامعات التي نعمل بها في الخليج وهو ما حصل لبعض الزملاء.هذا الأمر وهذه السياسة المجحفة أدت إلى تكوين رأي سلبي من قبل الجامعات التي نعمل بها مما يدفعهم لعدم التعاقد مع الأردنيين مستقبلا".
وحتى تستطيع الجامعات الحكومية الاحتفاظ بأساتذة أكفاء يشدد الدكتور فياض القضاة على ضرورة تحسن" ظروف الأستاذ الجامعي جذرياً ولا نعتمد على ما اسماه بالجراحات القيصرية كالمكافئات و الزيادات البسيطة على الراتب، فخمسين دينار إلى مئة مثلاً غير مجدية على الإطلاق، ولا يعقل أن يكون راتب الدكتور الجامعي كراتب الأستاذ في الجامعات الحكومية أي لا يتعدى الألفين دينار والأستاذ المساعد يبدأ ب800-900 دينار فلو حسبنا بدل الساعة سيكون الأستاذ الذي يعطي دروس خصوصية في عمان يتقاضى أعلى منه في الساعة"
ويرى البعض أن تحسين أوضاع الهيئة التدريسية في الجامعات يكسبهم قوة وحضور في أماكن عملهم مما يكون له دور -بشكل أو بآخر- في الحد من ظاهرة العنف الجامعي، كما أوضحت أستاذة الصحافة والإعلام في جامعة جدارا سلاف الزعبي جامعه جدار ا في مقابلة لها مع التلفزيون الأردني" إن تحسين أوضاع دكاترة الجامعات له أهمية كبيرة على مستوى التعليم من جهة واحدى الوسائل للحد من العنف الجامعي لأن الدكتور المرتاح مادياً يستطيع ممارسة دورة في المساهمة في عملية التربية بالإضافة إلى التعليم وبالتالي إكساب الطالب مهارات الحوار من شخصية معتبرة في نظرة كأستاذه الجامعي"
ما تقدم بالتأكيد يضع تحد حقيقي أمام وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وعليها أن تثبت قدرتها على تخطيه خاصة أنها وهي التي انشئت عام 1985 مهمتها تنظيم قطاع التعليم العالي الذي يضم 10 جامعات رسمية و 16 خاصة، ورؤيتها تتمثل بتطوير نظام تعليمي متقدم من حيث المستوى والمحتوى وتحديثه باستمرار ليغدو أكثر قدرة على تخريج طلبة مؤهلين قادرين وكوادر بشرية مؤهلة ومتخصصة في شتى حقول المعرفة ليظل دور الأردن التعليمي فاعلا في المنطقة لما عرف عن نظامه التعليمي من جودة عالية.











































