النقابات المهنية وقضايا التنمية الوطنية

الرابط المختصر

خلال ثماني سنوات من عهد الرئيس الأميركي السابق جورج بوش لم يعجبني أي تصريح له الا ما قاله في آخر أيام ولايته ردا على المظاهرات التي كانت تجتاح العالم العربي والاسلامي وتقذف بالأحذية على صوره حيث قال بكل بساطة "لو تم تقديم هذه الأحذية للفقراء لكان ذلك أفضل من رميها"، هذا التصريح كان مناسبا جدا كتعليق على الحفلة التي أقامتها النقابات المهنية لقذف الأحذية على الرئيس الأميركي السابق قبل اشهر ابان حملة التضامن مع الصحافي العراقي منتظر الزيدي.

ما مناسبة هذا الكلام الآن؟ تذكرت ذلك لدى قراءتي لخبر اعتصام النقابات المهنية المطالب بمنع استيراد الخضار والفواكه من اسرائيل وذلك رفضا للتطبيع والاختراق الصهيوني ورفض دعم اقتصاد المستوطنات الاسرائيلية. لا جدال على أن ذلك المطلب حق ، وأن السوق الأردني يجب أن يكون حرا من اية منتجات من المستوطنات الاسرائيلية وهذا دور يتعلق بوعي المواطن أولا وبضرورة أن يتم وضع ملصق يحدد مصدر هذه المنتجات لأن ذلك يمثل حقا رئيسيا للمستهلك ومن غير المقبول عملية "الاستغفال" التي تتم حاليا بعرض المنتجات للبيع بدون تحديد المصدر.

ولكن القضية التي أريد الحديث فيها تتجاوز كل ذلك ، وهي تتتعلق بدور النقابات المهنية في قضايا التنمية الوطنية وبالذات في قضايا الزراعة والمياه والصحة والطاقة ، وهو دور أعتقد بأنه أقل بكثير مما يجب القيام به اذا كنا جميعا متفقين على أن النقابات المهنية هي بيوت خبرة وطنية تمتلك من المقومات البشرية والعلمية والفنية والمالية ما يساعدها للقيام بدور كبير في التنمية الوطنية.

أزعم بأنني أعمل في مجال التنمية والبيئة منذ عدة سنوات ورأيت المنظمات المانحة والمنظمات غير الحكومية والمؤسسات العامة وحتى القطاع الخاص يشاركون بفعالية في مشاريع للتنمية المحلية في قرى الأردن وبواديه وريفه ولكن من النادر مشاهدة دور واضح للنقابات سواء في تطوير التكنولوجيا أو توفير الدعم الفني أو المالي للمؤسسات المحلية لمواجهة قضايا التنمية.

دعونا نبقَ في الزراعة. نقدر ونحترم حرص نقابة المهندسين الزراعيين على رفض استيراد الخضار والفواكه من اسرائيل ، ولكن ما هو الدور الذي قامت به النقابة في دعم المزارع الأردني لطرح منتجات ومحاصيل زراعية بنوعية عالية واسعار مناسبة. هذا سؤال أتمنى أن أحصل على اجابته من نقابة المهندسين ، وأعني به مساهمة النقابة وأعضائها في تطوير تقنيات لمعالجة مشاكل تملح التربة وتطوير تقنيات الحصاد المائي في المزارع وتمديد شبكات الري بالتنقيط ونماذج الزراعة المحمية والزراعة العضوية واستخدام المحاصيل المناسبة لنوعية المياه وغيرها من القضايا الجوهرية في السياسة الزراعية المحلية. ما هي حملات الضغط والاعتصامات التي قامت بها النقابة لتخفيض الضرائب والجمارك عن المنتجات ومدخلات الانتاج الزراعي عن المزارع الأردني ودعم بعض سياسات الحماية للمنتج المحلي مقارنة بالحملات المضادة للتطبيع والداعمة للمقاومة العربية؟ نفس هذا الكلام ينطبق على كافة النقابات المهنية التي لم تقم بالدور المطلوب منها كبيوت خبرة في تطوير تكنولوجيا كفاءة المياه والطاقة بشكل اساسي وهي من كبريات التحديات التنموية في الأردن ، وهو دور جوهري من الضروري انجازه قبل استثمار المال والجهد والوقت في تنظيم حملات المقاطعة ورفض التطبيع ودعم المقاومة على الرغم من مشروعية هذا الدور.

نقدر دور النقابات ونتمنى منها المزيد من التركيز والجهد في مواجهة التحديات التنموية المحلية.