النفايات غير المعالجة مصدر خفي لتفاقم التغير المناخي وتسرع الإحتباس الحراري

الرابط المختصر

إن إدارة النفايات الصلبة واحدة من أبرز التحديات البيئية التي تواجه البلدان العربية، مع ارتفاع كميات النفايات الناتجة سنويًا، نتيجة إرتفاع عدد السكان، ومستوى المعيشة، وتزايد المنشآت التجارية والصناعية،  جميعها عوامل مولدة للنفايات، مما تؤدي إلى زيادة الانبعاثات الضارة.

في مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين، أطلق تحالف من الشركاء الدوليين مبادرة خفض انبعاثات الميثان من النفايات العضوية(LOW-Methane)، وهي مبادرة جديدة لتسريع وتيرة العمل العالمي لخفض انبعاثات الميثان من قطاع النفايات، الذي يمثل نحو 28% من انبعاثات الميثان العالمية من الأنشطة البشرية. 

ويمثل طموح مبادرة خفض انبعاثات الميثان في قطاع النفايات في تحقيق ما لا يقل عن مليون طن متري من تخفيضات الميثان السنوية في قطاع النفايات قبل عام 20 بالعمل مع 1 ولاية قضائية فرعية ونظيراتها من الحكومات الوطنية، وإطلاق العنان لأكثر من 2030 مليارات دولار من الاستثمارات العامة والخاصة. 

خلال  متابعة مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين في العاصمة الأذربيجانية باكو، أطلقت رئاسة مؤتمر الأطراف إعلانًا للحد من انبعاثات الميثان من النفايات العضوية، حيث التزمت أكثر من 30 دولة، تمثل 47% من انبعاثات الميثان العالمية من النفايات العضوية، بتحديد أهداف قطاعية للحد من هذه الانبعاثات في مساهماتها المحددة وطنيًا.  معتمدًا على جهود مؤتمرات الأطراف السابقة ويدعم تعهد الميثان العالمي لعام 2021، الذي يهدف إلى خفض انبعاثات الميثان بنسبة 30% على الأقل مقارنة بمستويات 2020بحلول 2030. 

يبرز دور النفايات كعامل رئيسي في تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي، وعلى الرغم من الجهود المبذولة لإدارة النفايات، لا تزال هناك فجوات كبيرة تحول دون تحقيق استدامة حقيقية، ما يتطلب حلولًا مبتكرة وممارسات أكثر كفاءة لمواجهة المشكلة

أستاذ فيزياء الجو في الجامعة الهاشمية في الأردن، الدكتور محمود أبو اللبن يقول "ان النفايات الصلبة تنتج الميثان و ثاني اكسيد الكربون و هما غازان يسهمان في رفع درجة حرارة كوكب الارض. علما بان الميثان يشكل قلقًا كبيرًا لأنه يمتلك تأثيرًا في رفع درجة حرارة الأرض أقوى بـ 25 مرة من ثاني أكسيد الكربون على مدى 100 عام. 

 ويضيف أبو اللبن، حول عملية التخلص من النفايات، وتأثيرها على النظام البيئي في زيادة الانبعاثات" تحتوي النفايات على مواد عضوية (من اصل نباتي او حيواني) مثل بقايا الطعام والورق ومخلفات الحدائق و مواد غير عضوية مثل المعادن و البلاستيك و الزجاج . 

عند طمر النفايات في مكبات النفايات الخاصة فإن المواد العضوية تخضع لعملية تحلل لاهوائي (بدون وجود أكسجين) حيث تقوم بكتيريا لا هوائية بتحليل المواد العضوية، مما يؤدي إلى إنتاج غازات تشمل الميثان (CH₄) و و كبريتيد الهيدروجين (H2s)   و غازات اخرى ضارة على النظام البيئي. و في الكثير من الأحيان تلجأ بعض الجهات الى التخلص من النفايات عن طريق االحرق بدل الطمر الصحي مما يؤدي الى انبعاث الكثير من الغازات السامة مثل الديوكسينات و اكاسيد الكبريت و الكربون". 

 أما النفايات غير المُدارة ( ملقاه في اماكن مفتوحة) فهي  تطلق روائح ومركبات عضوية متطايرة (VOCs) تساهم في تلوث الهواء وتضر بصحة الإنسان.

و من الجدير بالذكر ان بعض النفايات النباتية و الحيوانية  تختزن كميات من الماء كبيرة  تتحرر معظمها في عمليات التحلل محدثة عصارة تنبعث منها روائح كريهة. تعمل هذه العصارة على تلويث التربة و قد تصل هذه الى مصادر المياه السطحية او الجوفية مما يؤدي الى تلوثها. يقول أبو اللبن.

 

 

النفايات، ما بين الإنتاج والمعالجة 

يبلغ عدد سكان الشرق الأوسط ما يقارب 480 مليون نسمة، يبلغ معدل إنتاج الفرد يوميًا من النفايات نحو 1 كيلوا غرام من النفايات الصلبة المحلية يوميًا، يتوقع أن يصل إجمالي كمية النفايات الصلبة المحلية التي يتم إنتاجها في المنطقة إلى حوالي 580 ألف طن بحلول عام 2030، نتيجة زيادة الكثافة السكانية، والمجتمعات الاستهلاكية في المنطقة. 

تعكس تلك الأرقام التحديات التي تواجهها دول المنطقة في إدارة النفايات، مما يستدعي ضرورة تعزيز نظم إدارة النفايات وإبتكار الحلول المستدامة، للحد من انبعاثات الميثان الناتجة عن النفايات.  

تتفاوت نسبة إنتاج الفرد من النفايات من بلد إلى آخر، تحكمها عوامل متعددة منها عدد السكان، ومستوى المعيشة بالدولة، في الأردن تبلغ نسبة إنتاج الفرد يوميًا من النفايات من نصف كغم – 1كغم، مع إختلاف تلك النسبة بالقليل ما بين المدن والقرى، تتمثل ما يقارب النسبة ذاتها في لبنان، بمعدل إنتاج الفرد من النفايات يوميًا 1 كغم. 

توضح الخريطة التفاعلية أدناه معدل إنتاج الفرد الواحد (كغم /سنة) متوسط كمية النفايات الصلبة التي يتم إنتاجها سنويًا للشخص الواحد. 

       

 

 

                                                أضغط هنا للتفاعل مع الخريطة

 

خلال إعداد هذا التقرير، أتيحت لنا الفرصة لإجراء بعض المقابلات خلال مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين في باكو أذربيجان، حيث تمكنا من متابعة كيفية تعامل الدول العربية، مثل الأردن ولبنان، مع ملف النفايات وطرق معالجتها وإدارتها، وما هي الخطط المستقبلية لها. 

رئيس الوفد اللبناني ومستشار شؤون المناخ لشبكة المنظمات العربية غير الحكومية الدكتور حبيب معلوف يقول: تشكل الانبعاثات العالمية من النفايات 2-7 % ودول تتخطى 9 %، ناتجة عن كثافة السكان وعشوائية المعالجة. ومعتبرًا أن إنتاج الفرد 1 كغم يوميًا من النفايات، نسبة عالية بالمجتمعات الاستهلاكية. 

 

"على لبنان أن يضع ضريبة على إستهلاك المواطن من النفايات مثل أكياس النايلون وغيرها، لإن ذلك

ينعكس على ضرورة التزام المواطن بتقليل نسبة الإنتاج من النفايات" يقول معلوف ويضيف 80% من مكبات النفايات في لبنان عشوائية، ونسبة الفرز لا تتجاوز 23%، في ظل غياب إستراتيجية واضحة لإدارة النفايات، وأرتفاع تكلفة معالجة الطن الواحد بشكل كبير من 34 دولارًا إلى إلى 100-650 دولار.   

يبلغ عدد سكان الأردن ما يقارب 11 مليون نسمة أي ما يعادل 11 المليون كغم يوميًا للفرد، ومعظمها يصل إلى مكبات النفايات غير معالجة. يقول الدكتور محمد الخشاشنة. 

الدكتور محمد الخشاشنة آمين عام وزارة البيئة الأردنية، ومدير مديرية النفايات سابقًا، يقول أن زيادة عدد السكان ومستوى المعيشة يؤديان إلى زيادة معدل إنتاج النفايات في الأردن، مقارنًا بالدول الأفريقية التي يكون لديها معدل إنتاج أقل ما يقارب نصف كغم –  600 كغم، في حين الإتحاد الأوروبي ينتج حوالي أكثر من 1 كغم. 

أن معظم النفايات في الأردن من العاصمة عمان ومحافظة الزرقاء ولواء الرصيفة، تذهب إلى مكب الغباوي الذي يقع على بعد 40 كيلومترًا من شرق العاصمة الأردنية عمان ، تشكل بالمجمل ما يقارب 50% من حجم النفايات الصلبة أي ما يعادل ( 4000 طن) من النفايات الصلبة يوميًا. 

يولد مكب الغباوي التابع إلى أمانة عمان حوالي 5 ميجا واط من الكهرباء، من غاز الميثان المستخرج من النفايات التي تسطتيع أن تضيء مدينة صغيرة 

"يتوفر نظام جمع النفايات في الأردن على نطاق واسع، يشمل المنازل والمنشآت التجارية والصناعية بنسبة تزيد عن 50%. ومع ذلك، لا تزال إعادة التدوير محدودة، حيث تشكل عمليات فصل النفايات الصلبة 7-10% فقط". يقول الخشاشنة.

وفقًا للقانون الإطاري لإدارة النفايات في الأردن، يُمنع حرق النفايات بسبب الغازات السامة الناتجة عنه، بما في ذلك ثاني أكسيد الكربون، المساهم الرئيسي في الاحتباس الحراري، إلى جانب غازات أخرى مثل أكاسيد النيتروجين والميثان. 

تنص المادة 6 من القانون الإطاري الأردني لإدارة النفايات، على أن تتخذ التدابير إدناه على التوالي للحد من التلوث والتقليل من خطورته على البيئة والصحة والصحة العامة والتنمية المستدامة

أ-تقليل توليد أنواع النفايات جميعها إلى الحد الأدنى بما فيها توليد النفايات الخاصة 

ب-1 عادة الإستخدام 

ج-فرز النفايات من المصدر بما فيها النفايات البلدية وحسب المتطلبات البيئية المطلوبة 

د-التعامل مع النفايات بطريقة تكفل الإسترجاع 

ه-التقليل من الخصائص الخطرة للنفايات إلى الحد الأدنى 

و-النفايات التي لا يمكن تقليلها أو إعادة استخدامها إو إعادة تدويرها أو معالجتها بطريقة سليمة بيئيًا يتم التخلص منها بترميمها أو طمرها وفق المعايير والأهداف المحددة

 

الحلول المستدامة والمشاريع المبتكرة  

وفقًا للخشاشنة، يجب على الأردن معالجة جميع النفايات وإعادة تدويرها، مع مسؤولية مشتركة بين الوزارات، والمنشآت التجارية، والمصانع الكبرى التي تنتج النفايات. وأشاد بنظم إدارة النفايات في الدول الأوروبية، التي حظرت طمر النفايات منذ عام 2012، مما ساهم في توفير فرص العمل وتعزيز الاقتصاد، حيث يمكن أن يصل الاقتصاد الناتج عن إعادة التدوير إلى 17% في بعض المدن باستخدام التكنولوجيا المتقدمة.

يشير أبو اللبن أستاذ الفيزياء إلى المشاريع المبتكرة في إعادة التدوير في الأردن، مثل مشروع استعادة غاز الميثان في مكب الغباوي، الذي يُستخدم لتوليد الكهرباء، ومبادرات التسميد التي تحول النفايات العضوية في المدافن إلى سماد يستخدم في الزراعة، مما يقلل من انبعاثات الميثان ويحسن جودة التربة.

أبرز تحديات إدارة النفايات في الأردن تشمل نقص البنية التحتية والمرافق الكبيرة لإعادة التدوير، بالإضافة إلى قلة الوعي المجتمعي بممارسات إعادة التدوير.  كما أن القيود المالية والتكاليف المرتفعة لتقنيات إدارة النفايات المتقدمة تعيق التنفيذ الفعّال للمبادرات البيئية. يقول أبو اللبن. 

بحسب  تقرير وزارة التخطيط الأردنية لعام 2024 (المساعدات الخارجية) ، وقعت  منحة بقيمة 10.87 دولار لمشروع إدارة النفايات الصلبة، بمساهمة من وزارة الإدارة المحلية وأمانة عمان الكبرى، ضمن قطاع خدمات البلديات وإدارة النفايات الصلبة. 

بحسب تقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة 2024، من المتوقع أن يرتفع توليد النفايات الصلبة في البلديات من 2.1 مليار طن عام 2023 إلى 3.8 مليار طن بحلول 2050. وتقدّر التكلفة العالمية لإدارة النفايات حاليًا بـ252 مليار دولار، ولكن مع التكاليف غير المباشرة للتلوث وتغير المناخ، تصل إلى 361 مليار دولار. دون إجراءات عاجلة، قد تتضاعف هذه التكلفة بحلول 2050 إلى 640.3 مليار دولار سنويًا.

وتشير نماذج التقرير إلى أن تدابير مراقبة النفايات يمكن أن تخفض التكاليف السنوية إلى 270.2 مليار دولار بحلول 2050. أما نموذج الاقتصاد الدائري، الذي يتبنى تجنب النفايات والممارسات المستدامة، يمكن أن يؤدي في الواقع إلى مكاسب تصل إلى 108.5 مليار دولار سنويًا.