النزاهة أم الكفاءة في المسؤولية العامة؟

الرابط المختصر

منذ أن بدأ تطبيق مفهوم تطوير القطاع العام في الأردن في السنوات الست الماضية ، برز إلى ساحة النقاش خيار إعطاء الأولوية للكفاءة في الإدارة العامة ، والتي امتدت لتشمل ما يسمى "حكومات التكنوقراط" من خلال اجتذاب خبرات من القطاع الخاص والمدني والأكاديمي للمناصب الأهم في المسؤوليات العامة سواء الوزارات أو إدارة المؤسسات العامة الكبرى.

مفهوم الكفاءة امتد أيضا ليشمل التعاقدات الجديدة في القطاع العام ، وأصبح هناك تركيز كبير على الخبرات المتميزة إقليميا ودوليا وكذلك الشهادات من الجامعات الأميركية والأوروبية كأسس مهمة للعمل في القطاع العام وبرواتب مجزية جدا.

بعض الحالات في هذا التوجه أثبتت نجاحا حيث تمكن بعض الوزراء والمدراء والمختصين من ادخال نماذج إدارة كفؤة وفعالة في المؤسسات العامة وارتفع أداء وإنجاز بعض الوزارات والمؤسسات العامة ، ولكن في حالات أخرى شهدت التجربة عشوائية وفوضى في التنفيذ ولكنها أيضا شهدت نمطا غير محبذ من هدر المال العام وتقليص دور المساءلة والمحاسبة.

التركيز على ميزة الكفاءة ربما ساهم في غض النظر وتجاهل ميزة أخرى في غاية الأهمية وهي النزاهة. وفي واقع الأمر فإن مسؤولية إدارة القطاع العام ومقدرات الدولة المالية والفنية تحتاج إلى ميزة النزاهة بشكل أهم من الكفاءة. السبب في ذلك أن النزاهة ميزة تكون موجودة في تربية الناس وفي خصائهم الأخلاقية والنفسية ومن الصعب أن تزول ولكن من الأصعب أيضا أن يتم إكتسابه في الكبر. وفي المقابل فإن الكفاءة ميزة يمكن تطويرها من خلال الخبرة وتراكم المعرفة وبناء القدرات وذلك بعكس النزاهة التي لن يتم اكتسابها في دورات تدريبية،.

عند انتقاء القيادات في القطاع العام فإن عنصر النزاهة يجب أن يكون سائدا وواضحا وخاصة في الظروف الاقتصادية الصعبة. لقد بنى هذا الوطن في العقود الماضية على أكتاف أصحاب النزاهة من القطاع العام. ربما لم تكن الخبرات المعرفية كبيرة مثل الآن مع توفر المعلومات مفتوحة المصادر ولكن النزاهة والحرص على المال العام كانا في طليعة السمات القيادية. وبالاضافة إلى ذلك حظى الأردن بالكثير من اصحاب النزاهة والكفاءة معا الذين ساهموا بالنقلة الحضارية والإدارية التي نفخر بها في بعض المؤسسات. ولكن مسيرة العطاء والتنمية تعرضت للكثير من التعطيل والضرر بسبب أشخاص تم إسناد المسؤولية لهم وهم لا يملكون لا النزاهة ولا الكفاءة كما أن من تميز بالكفاءة من دون النزاهة حقق ضررا أكثر مما ساهم في البناء لأنه أضاع الكثير من الموارد والمقدرات.

بالطبع لا يوجد مقياس للنزاهة يمكن إدراجه في السيرة الذاتية مثل الشهادات والخبرات العملية ولكن التجربة التي تمنح للقيادات وسجلهم الأخلاقي والإداري في المال والموارد يعطي تصورا واضحا حول مقدار النزاهة الموجودة لديهم ، ومن الصعب جدا تقبل أي مبرر لمنح مسؤولين أثبتوا انعدام النزاهة في تجارب سابقة فرصا جديدة للمسؤولية في القطاع العام كما أن المنطق يفترض أن يتم كف يد كل من ساهم في هدر المال العام من الاستمرارية في عمله حتى لو كانوا يملكون أفضل الخبرات والشهادات.

النزاهة هي الصفة الحميدة التي تجعل اي مسؤول يترفع عن هدر المال والموارد العامة واستخدامها لمنافع شخصية له ولعائلته حتى لو كان القانون يعطي له مخرجا أو كان العرف العام في التطبيق يعفيه من المساءلة ، لأن النزاهة هي مسألة داخلية ليست لها علاقة بديوان المحاسبة ولا دائرة مكافحة الفساد ومن يملكها يستحق أن يكون في مكان قيادي في المسؤولية العامة.