المواقع الالكترونية: إعادة تدوير المضمون
لا تنفك المواقع الالكترونية، التي تكاثرت تكاثر الفطر بعد يوم ماطر على إعادة تدوير المضمون الإعلامي، وأحيانا كثيرة بالحذف والإضافة والتعديل والتعليق وبدون رد المادة إلى مصدرها
تكاد أكثر المواقع الالكترونية تعتاش على أخبار تنتجها وسائل إعلام أخرى، صحف وكالات أنباء تلفزيونات وفضائيات، بما يجعل بعضها اقرب ما يكون إلى مواقع تجميع منها إلى وسائل إعلام لها منتوجها الأصيل.
بداية، تمتلك كل المواقع بدون استثناء قسما تنقل فيه "أهم" مقالات كتّاب الصحف اليومية، او المقالات التي تناسب توجهات السياسة التحريرية، أو أهواء المحررين في هذه المواقع.
في الوقت الذي تدفع فيه الصحف اليومية، مبالغ مالية طائلة لهؤلاء الكتّاب فان بعض المواقع لا يتورع عن نقل هذه المقالات دون الإشارة إلى مصدرها.
وبدون ذكر أسماء هذه المواقع، لأن أصحابها اعتدوا إلى رمينا بشتى التهم. لكن بإمكان أي متابع ان يتعرف بسهولة عليها، وعلى مدى استسهال أصحاب هاته المواقع للنقل من الآخرين بدون ان يرف له جفن "الموضوعية"، أو رد الفضل لأصحابه.
ما هو أكثر خرقا للمهنية في هذا الصدد هو قيام بعض المواقع بنقل أخبار تعتبر استثنائية وحصرية لبعض الصحف او لوكالة الأنباء الرسمية دون الإشارة إلى مصدرها.
مثال، نقل موقع "سرايا نيوز" يوم الأحد 1/2/2009، ملخصا لأهم خبر حصري ورد على صحيفة "الغد" عن :" عصابات تختبئ بمناطق خارج السيطرة الأمنية ''تسرق'' سيارات فارهة وتعيدها مقابل مبلغ من المال". بدون ذكر مصدر الخبر. وكل ما فعله محرر الموقع هو تلخيص مخل بمضمون المادة.
في نفس السياق، يقوم موقع "اللويبدة" بتجميع أخبار ومقالات ومواد إعلامية من مواقع شتى واحيانا كثيرة بدون ذكر أي مصدر.
والحال أيضا لا يختلف مع مواقع اخرى، في نقل مقالات كتّاب اليوميات مثلما تفعل مواقع "السوسنة" و "سرايا نيوز" و "مرايا" و "اجبد" و "رم اون لاين" و "أخبار البلد" و "سما الأردن" لا بل ان موقع "رم اون لاين"، ومواقع اخرى، خصص أرشيف للكتّاب المقالات لديه وكأنه يريد إيهام القارئ بان كاتب المقال يعمل عنده.
موقع "كل الأردن" نقل عن موقع "عمان نت"، في يوم الجمعة 30/1/2009، خبر "مشاجرة" وقعت بين مجموعة من الشبان ورجال الأمن الدبلوماسي في منطقة "عبدون"، وقد قام محرر كل الأردن بداية بنقل الخبر كما هو تماما، قبل ان يعدل رأيه ويعيد صياغة الخبر بطريقة غير موضوعية تنسجم مع توجهات أصحاب الموقع الإيديولوجية والسياسية، والانكى من ذلك ان "كل الأردن" اتهم موقع "عمان نت" بعدم الموضوعية. مع أن مراسل "عمان نت" كان في موقع الحدث ونقله كما حصل تماما بدون أي تدخل أو توجيه مقصود.
والحال ان موقع "كل الاردن" لا يختلف كثيرا عن مواقع اخرى في إعادة نشر مواد الغير، ومثال على ذلك، فمن بين أول 11 مادة كانت على نصف الصفحة الأولى للموقع على صباح يوم 1/2/2009 ، لم يكن أي من هذه المواد أي مادة أصلية للموقع بل نقل عن مواقع اخرى بينها موقع "عمان نت" الذي رجمه المحرر باللاموضوعية.
بيد ان "موقع كل الاردن"، يختلف عن "اللوييدة" في حرصه على ذكر المصدر في نهاية المادة.
في العادة تلجأ كل المواقع، باستثناء موقع عمان نت، إلى إبراز اسم الصحفي أو المراسل أو الكاتب في مقدمة الخبر على الصفحة الأولى، وتضع المصدر في نهاية المادة، وكأنها توحي للقارئ بأنه مادة "أصلية" كتبت أو أرسلت حصريا للموقع. بما يشكل انتهاك واضح لأحقية أصحاب المادة الأصليين وخرقا للأعراف المهنية.
وفي سياق اخر، فان كثرة المواقع الالكترونية ادت الى زيادة كبيرة في عدد "كتّاب المقالات او الرأي"، واصبح المستخدم لهذه المواقع يضيع بين أعمدة الرأي، وقد أتاحت الكثرة الكاثرة هذه لكل من هبّ ودبّ للتعبير عن رأيه، وخرقت مقالات كثيرة اعرافا مهنية واخلاقية وخطوطا حمراء طالما حددتها الصحف ووسائل الإعلام الاخرى لنفسها، هذه الخطوط لا تتعلق بسقف الحرية للأسف انما تتعلق بجودة المادة او مقال الرأي من نوع عدم استعمال العامية او الاسفاف الشديد والتبسيط والشعبوية والمغالطات المعرفية والمنهجية وتوجيه الرسائل الشخصية وغيرها.
وفي هذا فأن الكثير من هذه المواقع تعيد نشر مقالات هؤلاء الكتّاب بين بعضها البعض، فتجد مقالا لأحد الكتّاب منشورا على اكثر من موقع وكأنه مقالا لأحد اهم صحافيي البلد.
إذا كان محررو الصحف وأصحابها، ومحررو وكالة الأنباء المحلية ومجلس إدارتها، وكّتاب المقالات، يتعاملون بنوع من "الأبوية" مع هذه المواقع وبغض الطرف عنها حاليا، لأنها في عرفهم لا تزال بعيدة عن ان تشكل مصدر تهديد جدي لهم. فكيف سيكون حال هذه المواقع عندما تتحول وكالة بترا إلى وكالة ربحية مثلا وتلاحق كل من ينشر عنها بدون اشتراك. وكيف لو طلب من محرري هذه الصحف عدم نقل مقالات كتاب الأعمدة.
اذا كان لصحافة الانترنت من ميزة أساسية فهي قدرتها على إنتاج "المحتوى الأصلي" والديمقراطي، بيد ان اغلب مواقعنا لا تزال بعيدة تماما عن هذه الاستطاعة. ولا تشكل المادة الأصلية فيها نسبة تذكر باستثناءات محدودة عند "موقع عمون نيوز" و " عمان نت" و " سرايا نيوز" و "خبرني" بشكل أساسي.
لا يتعلق إنتاج المحتوى الأصلي بالمهنية فقط، وانما أيضا بجدية أصحاب هذه المواقع وقدرتهم على المنافسة، وتقديم محتوى حقيقي لا "محتوى مسروق" ومتداول ومعاود نشره للمرة بعدد المواقع.
ان استسهال النشر على الانترنت، ماليا وقانونيا، والاستفادة من عدم وجود تشريعات، أغرى بعض الصحفيين على صنع "منصات انترنتية" بعيدة كل البعد عن الأعراف المهنية.
لكن ستبقى مسألة واحدة في النهاية وهي قدرة هذه "المنصات" على الصمود فيما لو تحرك المجتمع والقارئ والقانون مطالبين بحقهم في إعلام يحترم العقل؟











































