الموازنة العامة في الأردن: الإيرادات الضريبية
تشكل الضرائب غير المباشرة المصدر الرئيس للإيرادات الحكومية في الأردن، وبشكل خاص ضرائب السلع والخدمات، ما يدفع خبراء إلى وصف النظام الضريبي في البلاد بأنه منحاز لضرائب لا تميز بين الفقراء والأغنياء.
يشمل النظام الضريبي في الأردن الضرائب المباشرة مثل ضريبة الدخل، والضرائب غير المباشرة ومنها ضريبة المبيعات.
تستهدف الضرائب المباشرة الدخول أو الأموال بشكل مباشر؛ إذ تفرض ضريبة الدخل على الأموال المتأتية من الأعمال للأفراد والشركات والبنوك والمؤسسات وغيرها؛ من بيع وتأجير وتقديم خدمات وعمولات وغير ذلك، وهي ضريبـة شـخصية تراعي ظروف وأحوال المكلفين الاجتماعية.
أما الضرائب غير المباشرة فلا يدفعها الأفراد والشركات إلى الحكومة بشكل مباشر، بل تفرضها الدولة على الاستهلاك والإنفاق عبر فرضها على إنتاج السلع والخدمات وبيعها، ويتحملها المستهلك عند شرائها.
أشارت دراسة نشرها مركز فينيق في العام 2017 إلى تنوع الضرائب في الأردن لتشمل: ضريبة الدخل والضريبة العامــة علــى المبيعــات والضرائب والرسوم الجمركية، و الرخـص و الرسـوم، والضريبة الاجتماعيــة، والضرائب الإضافية، والبــرق و البريـد و الهاتـف وضريبة الأبنيـة و عوائد المحروقـات، و رسـوم المهـن، وعشرات أنـواع الرسـوم والرخص وغيرها.
تؤكد الدراسة أن النظـام الضريبـي في الأردن يتسم بالانحياز إلـى الضرائب غيـر المباشـرة. إذ أصبحت الضرائـب غيـر المباشـرة، وخصوصـًا الضريبـة العامـة علـى المبيعـات المصـدر الرئيـس للإيرادات الحكوميـة؛ فعلى سبيل المثال ارتفعت نسبة الضرائب غيـر المباشـرة مـن إجمالـي الإيرادات الضريبية وغير الضريبية، إذ بلغت 61 في المئة فـي العـام 2009 لتصل إلى 69 في المئة العـام 2012، بالتزامن مع انخفاض الأهمية النسبية لضرائب الدخـل فـي الفتـرة ذاتها، وفق المصدر.
أشار خبراء من المنتدى الاقتصادي الأردني في العام 2020 إلى نسبة الإيرادات الضريبية من الناتج المحلي الإجمالي في الأردن، تعد منخفضة مقارنة بالعديد من دول العالـم.
ودعا الخبراء في تقرير نشره المنتدى حول المالية العامة في الأردن إلى تعزيز الإيرادات الضريبية عبر عدد من الإجراءات منها توسيع قاعدة دافعي الضرائب من خلال مكافحة التهرب الضريبي، وإصلاح بيئة الأعمال؛ وجذب الاستثمارات وغيرها.
يكشف تحليل بيانات الموازنة العامة للفترة بين العام 2010 والعام 2021 عن أن ضرائب السلع والخدمات شكلت الجزء الأكبر من الإيرادات الضريبية في الأردن على نحو متزايد خلال العقد الماضي.
كما أظهر التحليل ارتفاع نسبة "ضرائب السلع والخدمات" من إجمالي الإيرادات المحلية من 47 في المئة للعام 2010 إلى 54 في المئة للعام 2021، مسجلة أعلى قيمة لها في العام 2020 بنسبة بلغت 57 في المئة.
أما الضرائب على الدخل والأرباح فلم تتجاوز الزيادة في نسبتها من إجمالي الإيرادات المحلية 1 في المئة للفترة ذاتها.
سُجلت زيادة في تحصيلات ضريبة الدخل للعام 2018 بنسبة 7 في المئة مقارنة مع العام 2017، ومع ذلك تعتبر هذه النسبة منخفضة مقارنة مع التحصيلات التي قدرتها الدولة في ذلك العام، حسب ما نشره ديوان المحاسبة للعام 2020.
ويؤكد التقرير "عدم كفاية التشريعات المتعلقة بفرض العقوبات الجزائية للمتهربين من دفع الضرائب وتفعيلها وفقًا لأحكام القانون".
وفي الوقت ذاته فإن التعديلات المستمرة التي تطرأ على القوانين والأنظمة والتعليمات الخاصة بـدائرة ضريبة الدخل والمبيعات تشكل ضعفًا من الناحية التشريعية، حسب التقرير.
ومع أن الحكومية الأردنية تؤكد أنها تجري إصلاحات ضريبية منذ أكثر من ثلاث سنوات تستند إلى عدم فرض ضرائب جديدة أو زيادات ضريبية، حسب ما نشره موقع دائرة ضريبة الدخل والمبيعات في فبراير الماضي.
إلا أنها تتوجه إلى زيادة نسبة ما يعرف بضريبة المياه من 3 في المئة إلى 10 في المئة بسبب الزيادة المضطردة لقيم ومدخلات معالجة مياه الصرف الصحي و أسعار الكهرباء وغيرها.
كما كشفت رؤية التحديث الاقتصادي التي أطلقتها الحكومة الأردنية أخيرًا عن توجه محتمل لفرض رسوم على مستخدمي الطرق الرئيسة في الأردن لرفع جودتها وتحقيق استدامة مالية لها.
يوضح الخبير الاقتصادي حسام عايش أن الضرائب في الأردن تزايدت بدرجة كبيرة منذ العام 2018 دون أن يترافق ذلك وتحسن في النمو الاقتصادي، ما يلمح إلى أن دخول الأشخاص تراجعت مقابل زيادة ما يدفعونه من ضرائب.
يرى عايش أن ضريبة المبيعات يجب أن تكون تنازلية، ما يعني أن أعلى قيمة لها تفرض على السلع التي يستهلكها الأغنياء ومن ثم تنخفض بشكل تدريجي، ليدفع الأقل دخلاً ومحدودي الدخل قيمة أدنى.
وحسب عايش فإن ضريبة السلع هي ضريبة عمياء لأنها ترى الأفراد بعين واحدة، إذ تبلغ نسبتها 16 في المئة لكافة الشرائح، في الوقت الذي تستثنى فيه الثروات من ضريبة الدخل.
وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن فرض ضرائب خاصة على منتجات وسلع إلى جانب ضريبة المبيعات، يسبب تشوهًا كبيًرا ويعكس تراجع العدالة بين الناس فيما يتصل يتحمل الأعباء الضريبية، بسبب المساواة في الأعباء بين غير المُتكافئين في الدخل والإنفاق، وفق تقديره.
ميزان الإنفاق
شهدت الموازنة العامة في الأردن تناميًا هائلاً في حجم النفقات الجارية خلال العقد الماضي، مقابل زيادة طفيفة طرأت على النفقات الرأسمالية التي توجه إلى إنشاء المشاريع.
تتحدث الحكومة الأردنية مرارًا عن سعيها إلى تعزيز مبدأ "الاعتماد على الذات" في تمويل نفقات الدولة، إلا أن ذلك يوجه بشكل أساسي إلى تغطية ما تنفقه كل عام على الأجور والنفقات الجارية أخرى.
تنقسم النفقات العامة في الموازنة الأردنية إلى نفقات جارية وتشمل النفقات المتكررة سنويًا لإدامة عمل الجهاز الحكومي ومنها الأجور والعلاوات والنفقات التشغيلية وغيرها.
كما تضم النفقات العامة ما يعرف بالنفقات الرأسمالية وهي ترتبط بالحيازة والبناء والتطوير وتوجه في العادة للمشاريع في مختلف القطاعات.
يكشف تحليل بيانات الموازنة العامة للفترة 2010-2021 عن أن نسبة الزيادة في النفقات الرأسمالية لم تتجاوز 12 في المئة في تلك الفترة.
سُجلت أعلى قيمة للنفقات الرأسمالية في العام 2014 البالغة نحو 1.137 مليار دينار أردني، في حين شهد العام 2012 أدنى قيمة لهذا الإنفاق بمقدار 675.4 مليون دينار أردني.
وفي المقابل استمرت النفقات الجارية بالتصاعد لتبلغ نسبة الزيادة فيها بين العام 2010 والعام 2021 نحو 85 في المئة.
يؤكد اقتصاديون أردنيون ضرورة زيادة تخصيص الموارد المالية نحو الإنفاق الرأسمالي، و توجيه تلك الزيادة نحو مشاريع ذات قيمة اقتصادية مضافة تسهم في تحقق عوائد مستقبلية وترفد خزينة الدولة.
لا يقتصر أثر تراجع الإنفاق الرأسمالي على تمويل الخزينة، إذ يحذر خبراء من المنتدى الاقتصادي الأردني من أن انخفاض الإنفاق الرأسمالي هو السبب الرئيس لانخفاض الإنفاق العام في البلاد. ينعكس الانخفاض الملموس في الإنفاق الرأسمالي منذ سبعينيات القرن الماضي سلبًا على كل من البنية التحتية ورأس المال البشري.
يقود انخفاض النفقات الرأسمالية إلى تراجع كفاية وكفاءة المنافع العامة، ويعمل ضد تحسن الاقتصاد، حسب خبراء في المنتدى.
يوضح في هذا الشأن الخبير الاقتصادي حسام عايش أن الإنفاق الرأسمالي في الموازنة يكون في معظمه إنفاقا جاريا بمسميات "استثمارية" وبالتالي يحقق عائدًا متواضعآً، لذا لا تتأثر معدلات النمو الاقتصادي بزيادته.
ينشأ عجز الموازنة العامة عند ارتفاع مستوى الإنفاق العام عن الإيرادات العامة للدولة في مدة زمنية معينة.
تشير تقديرات إلى أن العجز في قانوني الموازنة العامة للعام 2022 سيبلغ 2.4 مليار دينار أردني دون احتساب المنح الخارجية.
يتوقع أن تتم تغطية العجز عن طريق الاقتراض، ما سيرفع الدين العام 38.8 مليار دينار أردني.
تفترض الحكومية الأردنية أن تتلقى منحًا خارجية بقية 848 مليون دينار أردني، وهي قيمة تقارب ما تلقاه الأردن العام الماضي إذ بلغت قيمة المنح الخارجية 840 مليون دينار أردني.
تعتمد الموازنة الحكومية على المنح الخارجية، ويوجه جزء من تلك المنح للنفقات الرأسمالية.
يظهر تحليل بيانات الموازنة العامة للفترة 2010 -2021 أن أدنى قيمة عجز في التمويل، بعد احتساب المنح، سُجلت في العام 2014 بقيمة 583.5 مليون دينار أردني تقريبًا، بالتزامن مع ارتفاع حجم المنح الخارجية التي حصلت عليها الحكومة في ذلك العام والبالغة 1.236 مليار دينار أردني تقريبًا.
في حين سجلت أعلى قيمة عجز في التمويل، بعد احتساب المنح، في العام 2020 لتصل إلى نحو 2.182 مليار دينار أردني، في الوقت الذي حصلت فيه الحكومة على منح بقية 790.8 مليون دينار أردني.
حسب عايش فإن استمرار العجز يعني استمرار الديون، وهذا يعني ضرائب مؤجلة يدفعها المواطن في المستقبل.
أنتجت هذه القصة بالتعاون مع أريج وبدعم من سفارة مملكة هولندا- مشروع 100 واط