الممر الفلسطيني الآمن لمعبر رفح

الرابط المختصر

تزايدت في فترة الحرب على قطاع غزة وما بعدها الأصوات المنادية بفتح معبر رفح لانقاذ غزة وكسر الحصار. الاتهامات وجهت بشكل قاسي الى النظام المصري على اعتبار انه يملك القدرة على فتح المعبر وانه يرفض تنفيذ ذلك بسسب تواطئه مع الاحتلال الاسرائيلي ومشاركته في الحرب على اهالي غزة وحركة حماس. السؤال الذي سيطر علي طوال هذه الفترة: هل الامر بهذه البساطة؟

برغم قناعتي بأنني لا استطيع الالمام بكافة تعقيدات الوضع السياسي الا انني أعتقد بان قرار الفتح الارتجالي للمعبر دون تامين شروط سياسية مدروسة يشبه لحد كبيرعشوائية عملية الانقاذ العربي في عام 48 التي حكمتها العاطفة الغامرة وأحلام سهولة انتصار الجيوش العربية على عصابات المعتدين دون حسابات واقعية لموازيين القوى ومتطلبات المواجهة والنتائج المحتملة مما ساهم في حالة التشرد الفلسطيني والاحباط العربي التي ما زلنا نعاني منها حتى الان.

ان تبعات أي اجراء سواء في الضفة الغربية ام في قطاع غزة والذي لا يأخذ بعين الاعتبار الهدف الاستراتيجي المتمثل بوحدة المصير للشعب الفلسطيني واقامة الدولة الفلسطينة على كافة الاراضي المحتلة ستكون كارثية على المشروع الوطني. ان فتح هذا المعبر بالشكل المطروح يزيد من حالة الفصل الجغرافي ما بين جناحي الوطن ويعمق الهوة بين أطراف الصراع الفلسطيني ويفتح الافق لحلول هزيلة تتناقض مع المشروع الوطني الاستراتيجي لاقامة دولة مستقلة على كافة الاراضي المحتلة. ان اتفاقية تشغيل معبر رفح لعام 2005 والتي شاركت بها الرباعية ومصر والسلطة الفلسطينية واسرائيل لم ترتقي لمستوى الطموح الفلسطيني في السيادة على المعابر وتحتاج الى مراجعة ولكن في المقابل فان تجاوز هذه الاتفاقية أو الغائها من طرف واحد والبدء في ترتيبات مصرية احادية او مع الحكومة المقالة في غزة يعطي اسرائيل هدية حلمت بها طويلا. اجراء من هذا النوع ستستغله اسرائيل كحجة لابطال اتفاقية باريس الاقتصادية المتعلقة بالوحدة الجمركية الفلسطينية وتتنصل من المسؤلية الأخلاقية كطرف محتل وتلقي بدون تردد بغزة في احضان مصر وبهذا يكون مشروع تفتيت الوطن الذى تسعى اليه الحكومة الاسرائيلية قد بدأ بقرار عربي ولا لوم عليها.

برغم الضرورة الانسانية الملحة لفتح معبر رفح لفك الحصار عن قطاع غزة الا انني لا أملك الا ان أتسائل لماذا لم نخض معركة الضغط على كافة الاطراف لاعادة تشغيل الممر الامن بين الضفة الغربية وقطاع غزة. لقد نصت اتفاقية اوسلو التي وقعت عليها الحكومة الاسرائيلية مع منظمة التحرير الفلسطينية وبرعاية ومباركة دولية في عام 93 على تشغيل ممر يربط الضفة الغربية بقطاع غزة وقد تم تشغيله جزئيا ثم اوقفته اسرائيل. وتم التأكيد على فتح الممر مرة اخرى في اتفاقية 2005 بحضور كونداليزا رايس والرباعية.

الا ان الحكومة الاسرائيلية تعمدت وضع العراقيل في طريق تشغيل الممر لكي تنفذ مشروعها بالفصل القصري للضفة وغزة كخطوة أولى على طريق تفتيت بقية اجزاء الوطن وقطع الطريق على مشروع اقامة الدولة الفلسطينية الذي اصبح يحظى بالدعم الدولي أكثر من أي وقت مضى.


  اليس المطالبة باعادة تشغيل الممر الامن مطلب لا يستطيع أي طرف ان يجادل بعدالته؟ اليست مطلبا شرعيا ومعركة تضمن اصطفاف موحد لا يقبل القسمة ولا يستطيع أي طرف ان يقف ضده علنا عربيا أم دوليا وحتى اسرائيليا.  لماذا تم تناسي الربط بين غزة والضفة أثناء الحديث عن حلول رفع الحصار؟ هل هي الخوف من فقدان مكتسبات حزبية ضيقة؟ ان اعادة تشغيل الممر الامن كان سيعطي الفرصة لاهالي ومؤسسات الضفة الغربية للمساهمة في تخفيف الألم عن غزة والمشاركة الحقيقية في الهم الواحد وترميم الوحدة الشعبية. ألم يساهم الفصل الجغرافي المجحف بين جناحي الوطن في تعزيز حالة الاستقطاب السياسي القائمة؟ ان لم تنضج الحلول التوفيقية بين القطبين السياسيين فعلى الأقل فان التواصل الشعبي الفلسطيني يمكن ان يزيد من فرص التوافق السياسي بالاضافة الى اعادة اللحمة الفلسطينية الشعبية الاخذة في التعمق وبشكل خطير.


 وبحسب نظرية الأواني المستطرقة فلا يمكن ضمان وحدة الحال لطرفين ان لم يتوفر التواصل بينهما فما بالك لو ان احد الطرفين انشأ علاقة تواصل فردية مع طرف ثالث. 


من الشعارات الأساسية التي رفعتها منظمة التحرير الفلسطينية وتحولت الى أيقونة مع الزمن والان فقط ادرك مدى اهميتها هي: "وحدة واستقلالية القرار الفلسطيني" ولكن على ما يبدو فان العنصرين الاساسيين في هذا الشعار قد تم تجاوزهما فكل شيء مقسوم الى اثنين على الاقل. ليس مهما برأيي الخوض في من الأسبق في الوضع الراهن الذي يتناوله الكثير من المثقفين في حالة الاستقطاب: الفلسطيني ام العربي أم الاقليمي والذي تجلى بوضوح في التحرك السياسي المشتت في المنطقة والذي كان أهم تجلياته مؤتمر قمة الدوحة. فصمام الأمان الأساسي لتجنب ضياع البوصلة الفلسطينية هي العودة وبأي ثمن (وأقصد بالفعل بأي ثمن) للتمسك بشعار الوحدة والاستقلالية للموقف الفلسطيني وتطبيقه.


مع ان ناقوس الخطر ظل يدق طوال العقود السابقة ويشير في كل مرة الى أن تلك المرة مصيرية وتتطلب موقف جاد وموحد وأن المؤامرة غاية في الخطورة. الا انني أجزم بان الخطر هذه المرة أكبر من كل ما سبق لان العامل الذي ساعدنا على تخطي كافة المخاطر السابقة هو نفسه المعرض للدمار ألا وهو وحدتنا. وبرغم الجو المتفائل عالميا بتغير قواعد اللعبة السياسية وافاق الحل مع تغيير الادارة الامريكية فلن يستمع لنا احد ان لم يكن لنا مرجعية واحدة وصوت موحد. وسيكون الوجع أكثر شدة ان ضاعت الفرصة لاستعادة الحق المسلوب بعد أن لاح في الأفق تحسن في الظروف الموضوعية الدولية.
 
أيمن بردويل: اعلامي مستقل، مدير وحدة الاعلام المرئي في شبكة الاعلام المجتمعي، رئيس سابق لمجلس ادارة شبكة معا التلفزيونية الفلسطينية.