المكارم الملكية في القبول الجامعي: استثناءات بالجُملة

الرابط المختصر

انتهت دورة الثانوية العامة لهذا العام بنسبة نجاح بلغت 63.1%، وهي نسبة تفوق نتائج السنوات السابقة وتعبّر عن حوالي 116 ألف طالب وطالبة يتطلعون للالتحاق بعشرة جامعات حكومية و19 جامعة خاصة.

 ورغم أن التحصيل العلمي هو ما يؤرق الطلبة وأهاليهم خلال العام الدراسي، إلا أنه لا يشكل العامل الوحيد أو الأهم في القبول الجامعي، فمكان السكان أو وظيفة الأب والأم أو عشيرة الطالب أو حالته الاقتصادية تلعب دورًا في فرصة قبوله في التخصص والجامعة. 

ناضلت الحركة الطلابية في الجامعات الأردنية في مناسبات عدة ضد رفع الرسوم الجامعية رفضًا لتسليع التعليم وتحويل الجامعات لشركات وحصر الحق العام بشريحة مجتمعية مقتدرة ماديًا. آخر هذه الأحداث كان اعتصام طلبة الجامعة الأردنية في التاسع والعشرين من شهر شباط لعام 2016، حيث افترش الطلبة الأرض أمام رئاسة الجامعة الأردنية بعد سلسلة تظاهرات على خلفية قرار الجامعة برفع الرسوم الدراسية لبعض التخصصات إلى أكثر من 100%، وافلحوا في إسقاط القرار بعد ثلاثة أشهر من المد والجزر بين الطلبة وممثليهم، ورئاسة الجامعة.

تستذكر الطالبة ميس الخواجا في كلية الصيدلة تفاصيل هذا الاعتصام، مشيرةً إلى أنها ما زالت تستشعر فضل إرادة الطلبة في خفض رسوم ساعة تخصصها على البرنامج الموازي الذي التحقت به على مضض، رغم أن الفرق بين معدلها في الثانوية العامة ومعدل قبول التنافس في الصيدلة (البالغ 93.9) حينها هو ثمانية أعشار فقط، تحمّلت من أجلها ومن أجل التخصص الذي اختارته أعباءً مادية هائلة لم تكن لتتحملها لو أنها امتلكت مكرمة ما، مثلما هو الحال عند بعض زملائها الذين تمكنوا من الالتحاق بنفس التخصص بمعدل أقل من معدلها بكثير.

ويعرّف المعجم الوسيط "المكرمة" على أنها "فعل الخير"، لكنها في سياق القبول الجامعي وحسب وثيقة السياسة العامة لقبول الطلبة في الجامعات الأردنية الصادرة عن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي فالمكرمة هي مجموعة المقاعد الجامعية المجانية المقررة بنسبة معينة لشريحة من المجتمع تشغل قطاعًا محددًا أو تمتلك استثناءً تحدده الجهة المختصة بنوع المكرمة.

وتتنوع المكارم، حسب ما ذكرته الوثيقة، وأكدّه الناطق الرسمي باسم وزارة التعليم العالي والبحث العلمي مهند الخطيب، ما بين مكرمة الجيش; 20% من مقاعد البرنامج العادي لأبناء العاملين في الأجهزة الأمنية والمتقاعدين منهم، ومكرمة أبناء الشهداء المتمثلة ب 15 مقعدُا في كل جامعة، و5% من المقاعد لمكرمة أبناء المعلمين العاملين في وزارة التربية والتعليم والمتقاعدين منهم، و350 مقعدًا لمكرمة أبناء المخيمات، ونسبة 10% لمكرمة أبناء العشائر والأقل حظًا، و150 مقعدًا لأبناء الأردنيات المتزوجات من غير الأردنيين، وعددًا غير مذكور في الوثيقة لأبناء الدبلوماسيين الأردنيين وللطلبة الحاصلين على شهادة الثانوية العامة الاجنبية، وعددًا من المقاعد يحدده مجلس أمناء الجامعة لمكرمة أبناء هيئة التدريس والباحثين وأبناء العاملين والإداريين في الجامعة، أربعة مقاعد في كل جامعة لأبناء العاملين في وزارة التعليم العالي وهيئات اعتماد مؤسساتها.

ويُضاف لما سبق استثناءات أخرى تتمثل ب 5% من المقاعد لحملة شهادة الثانوية العامة من السنوات السابقة، و5% لكلٍ من طلبة الأردنيين المغتربين وحملة شهادة الثانوية الأجنبية، ومقاعد مخصصة للطلبة ذوي الإعاقة، ومِنَح أوائل المملكة والألوية وللمتفوقين رياضيًا وفنيًا. وجميع هذه النسب، ما زالت لا تشمل قبولات البرنامج الموازي أو البرنامج العادي المعروف بالتنافسي والذي يعتمد معدل الطالب فقط معيارًا وحيدًا لقبوله أو رفضه.  

وتذكر الحملة الوطنية من أجل حقوق الطلبة، "ذبحتونا"، في تصريح  لها "أن طلبة التنافس لا يمثلون سوى 40% من طلبة البرنامج العادي، وإذا ما أضفنا إليهم طلبة البرنامج الموازي، بخاصة في الجامعة الأردنية وجامعة العلوم والتكنولوجيا، فإن طلبة التنافس لا يشكلون أكثر من 21% من مجموع طلبة الجامعة".

ويقول منسق الحملة، فاخر دعاس، إن المكارم تؤثر على حقوق الطلبة لكون المكرمة تمنح مقاعد استثنائية لفئة محددة وتزيد من فرصهم في الحصول على المقعد أكثر من غيرهم مما يعني غياب العدالة في القبول الجامعي على خلاف ما يحصل في غالبية جامعات دول العالم.

بعد رفض الكثير من طلبة المكارم، وبالتحديد المنتفعين من مكرمة الجيش، الحديث، الا أن تؤكد الطالبة أحلام السافوتي في كلية اللغات والمنتفعة من مكرمة الجيش، تقول إن المكرمة حق لأبناء الذين خدموا في الأجهزة الأمنية وبذلوا أرواحهم من أجل الوطن، بل إن المكرمة "قد لا تكون كافية لتوفيهم حقهم". وأشارت إلى أنها دخلت تخصصها، اللغة التركية والانجليزية، بعد أن وضعته أول خيار في طلب القبول الموحد الذي قدمته من خلال بطاقة يشتريها الطالب من البريد وتحمل رقمًا تسلسليًا مميزًا يساعده على معرفة نتيجته لاحقًا واستكمال الإجراءات القانونية في الجامعة ومحكمة العدل.

ويعزو بعض طلبة المكارم امتناعهم عن الإجابة إلى خشيتهم من فقدان المكرمة بعد أن وقعوا تعهدًا وكفالة بالمحكمة يوقف أو يلغي المكرمة في حال تجاوز الطالب مجموعة الشروط المذكورة فيه، والتي تشمل إلى جانب التعهدات الأكاديمية والتأديبية "الانتماء لحزب أو القيام بأي نشاط سياسي لا يتفق ومصلحة المملكة وسياستها العليا، والاشتراك بأي نشاط من شأنه الإساءة للوحدة الوطنية سواء بالكتابة أو الخطابة أو الإعلانات، والاشتراك في أي عمل يقصد منه إثارة النعرات المذهبية أو العنصرية أو الإقليمية، والاشتراك بأي مظاهرة مخلّة بالأمن، ومقاومة رجال الأمن وعرقلة أعمالهم أثناء قيامهم بواجبات وظيفتهم لتفريق المتظاهرين ووقف أعمال الشغب"، حسب ما ورد في نسخة عن التعهد قدّمه طالب رفض الإفصاح عن هويته.

وإلى جانب المقاعد المجانية، توّفر بعض المكارم، كمكرمتيْ الجيش وأبناء المعلمين، رواتب شهرية تُصرف للطلبة من الجهة المانحة التي تتحمل تكاليف الدراسة، على حد قول نائب المسجل العام في الجامعة الأردنية، الدكتور محمد مصطفى. 

وتقول الخواجا إن إلغاء نظام المكارم رغم ظُلمه للطلبة الآخرين يتطلب وجود حل بديل للطلبة جميعهم، مثل خفض الرسوم الجامعية ورسوم الساعات، أو تكريم فئات المجتمع هذه بطريقة أخرى لا تمس بمصالح وحقوق أفراد آخرين حتى لا تتسبب المكارم في جعل الدراسة حكرًا للمقتدرين ماديًا أو في إجبار الطلبة على الانخراط في تخصصات لا يحبونها.  

ويقول دعاس إن القبول من خلال المكرمة يؤثر على مخرجات الجامعات وجودة التعليم وزيادة أحداث العنف الجامعي وتعزيز النزعة العشائرية، وذلك "لوجود الفجوة بين طلبة المكارم وغيرهم من طلبة البرنامج التنافسي"، مع أن التكلفة التي تتحملها الجهات المانحة تفوق الملايين. على سبيل المثال، ذكر مدير التربية والتعليم والثقافة والعسكرية في القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية العميد الركن محمد أبو زيد، في تصريح لوكالة الأنباء الأردنية، أن تكلفة مكرمة الجيش تقدر ب43 مليون دينار سنويًا.

وقد نفى مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية إجراء أية أبحاث تدرس وجود علاقة بين نوع القبول الدراسي وأداء الطلبة، إلا أن قائمة بأسماء الطلبة المُنذرين أكاديميًا وتأديبيًا، قدّمها مصدر مطلع في دائرة القبول والتسجيل للجامعة الأردنية، تشير إلى أن 40.7% من الإنذارات قد تلقاها طلبة المكارم، و36.3% كانت لطلبة الموازي، في حين أن 23% توزعت ما بين طلبة التنافس وطلبة التبادل الثقافي ومنح التفوق الرياضي والفني والتحويل من جامعة لأخرى.

وعلى الرغم من أن الخطة الاستراتيجة لوزارة التعليم العالي تنص في أول أهدافها على "توفير فرص عادلة مبنية على أسس تتمتع بالمساواة للطلبة المؤهلين كافة بناءً على الجدارة والقدرات"، ومن أن الأردنيين، بنص الدستور "أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات" وأن الدولة تكفل "تكافؤ الفرص لجميع الأردنيين" مثلما "تكفل حق التعليم ضمن حدود إمكانياتها"، إلا أن "فعل الخير" لا ضير فيه إن مُنِح لجميع الطلبة حتى لا يعود بعضهم للاعتصام مجددًا أمام رئاسة جامعتهم أو أي مكان آخر وهم يهتفون: "يا للعار يا للعار، باعوا الطالب بالدولار".