المفاصلة: فن تتقنه المرأة

الرابط المختصر

لا يخفى على احد أن المرأة هي الأكثر إتقانا لإجراء المفاوضات و"المفاصلة" مع الباعة مقارنة بالرجل، فهي بذلك تُعتبر سيدة مدبرة، والنقاش الذي تتبادله مع البائع لا يخلو من الندية لينتهي الأمر برضا الطرفين.

وظاهرة المفاصلة لا تراها في المحال الفاخرة، لكنها تزدهر في الاسواق الشعبية، وأصبحت محال كثيرة تستخدم مبدأ "السعر محدود" لتتخلص من هذه الظاهرة المتعبة بنظر الباعة.

ولكن أحيانا لا تعد "المفاصلة" فكرا تدبيريا للزبون، وتصبح مؤشرا على افتقاد الثقة بين البائع والمشتري، نظرا للسعر الباهظ للسلعة، باعتبارها لا تستحق هذا السعر المرتفع جدا و"الخيالي" في احيان اخرى.

ربة المنزل أم أحمد جرادات تعتبر نفسها خبيرة في المفاصلة، فهي تحرص على شراء حاجيات منزلها المختلفة بأقل الاسعار، من منطلق التدبير والاقتصاد في مصروف البيت.

وترى جرادات أن الباعة وأصحاب المحلات يقومون برفع الأسعار بشكل أكبر من سعرها الحقيقي لتأكدهم من قيام المرأة بالمفاصلة وبالتالي يصلون الى السعر الذين يريدونه ولكن هي تقوم على تخفيض سعر القطعة بشكل كبير، حتى تصل إلى السعر الذي تشعر بأن السلعة تستحقه.

وتقول إنها لا تفاصل الباعة في الملابس فقط وإنما تشمل جميع المشتريات القابلة للتفاوض من الخضروات والمواد التموينية، بالاضافة الى الكهربائيات والأثاث.

الموظف في أحد محلات الألبسة، اسامة النتشة، يرى أن المرأة طويلة البال والنفس وهي من تجيد طريقة المفاصلة ولكن أحيانا تصل الى درجة "تبخيس" السلع.

ويلفت النتشة الى أن المفاصلة لا تقتصر على النساء فقط، وإنما هنالك رجال يتمتعون بهواية المفاصلة ولهم نفس أكثر طولا من النساء في هذا المجال، كما يؤكد أصدقاؤه في محال ملابس الرجالي، ولكن يعود ليؤكد أن الظاهرة تنتشر بين النساء أكثر.

ويشير الى أن متاجر الوكالة العالمية لا مجال للمساومة أو الخصومات فيها خارج اطار موسم التنزيلات، وفقا لسياسات تتبعها سائر وكالات العالم التجارية، بعكس المحال التي تقع في الاسواق الشعبية والتي يغلب على روادها أصحاب الطبقة المتوسطة.

ويقول النتشة إنه نادرا ما تجد سيدة تقبل بالسعر الاولي للسلعة، ويكون لدى الكثير منهن استعدادا لإضاعة ساعات كاملة بالمفاصلة ولو كان على دينار واحد.

الشابة العشرينية ليلى عبد القادر تقول إنها تخجل من مرافقة والدتها إلى السوق، معللة ذلك بأن والدتها تفاصل الى درجة يصبح فيها البائع غاضبا، وتحاول دائما أن تتجنب الذهاب معها حتى لا يكرهها التجار.

وتقول هناء إنها تفضل التسوق برفقة صديقاتها واللواتي يذهبن الى المحال ذات الماركات العالمية ذات الاسعار المحددة، والتي تقوم بعمل تنزيلات كبيرة في مواسم محددة.

وتشير الى أن الرجال لا يفاصلون عند شراء السلع، قائلة "إنها تحب أن تذهب مع والدها الذي لا يفاوض على الاسعار، الامر الذي يشعرها بالراحة في التسوق معه".

من جانبه، يرى استاذ علم اجتماع التنمية في جامعة مؤتة، الدكتور حسين محادين، أن "المفاصلة" عادة اجتماعية سائدة ولها عدد من الأسباب التي تبررها، وأهمها مؤشر على وجود مشكلة ثقة بين البائع والمشتري، مضيفا أنه تجب اعادة تنظيم العلاقة بينهما.

ويضيف محادين أن عملية المفاصلة ما هي الا تبادل للمنفعة؛ فالبائع يطمح بالحصول على أعلى نسبة من الربح، والمشتري يطمح بالحصول على سلعة تشبع حاجة لديه وتمثل سعرا مقبولا.

ويقول محادين إن بعض المستهلكين يلجأون للمفاصلة في الوقت الذي لا يسمح له مستوى دخله باقتناء سلعة ما، وجرأة الانسان على الشراء مرتبطة بالرصيد المخصص لذلك، فتأتي المفاصلة بهدف الحصول على أكبر منفعة بأقل سعر.

ويشير الى أنه في التسويق الاجتماعي، على البائع ايصال المشتري الى أعلى درجات الضعف لإتمام صفقة البيع معه وخصوصا في المدن التي توجد فيها حركة تسوق نشطة.

ويلفت محادين الى أنه غالبا ما تنتهي عملية المفاصلة بين البائع والمشتري برضا الطرفين بالوصول الى سعر مشترك لا يشعر فيه أحدهما أنه غُلب.

ويضيف أنه أحيانا تكون عملية الشراء لإرضاء نفسية المستهلك وخاصة من ذوي الدخل المرتفع، فيقومون بالشراء من أفخر المحال ويتجنبون التفاوض مع الباعة من مبدأ الحفاظ على "البرستيج".

يذكر أن مفهوم المفاصلة كان منتشرا في البلدان العربية وكان متعارفا عليه ليس في مجال معين فحسب كالملابس أو العطور أو الاكسسوارات فحسب، الا انه كان يشمل كل ما يمكن شراؤه مثل الخضراوات والفواكه وأنواع شتى من البضائع، وقد كان الباعة يدورون بها وينادون على بضاعتهم ما بين البيوت، لتبدأ عملية المفاصلة والتي كانت لا تنتهي الا برضا الطرفين.