المشهد الانتخابي بين حظوظ الأحزاب وتحديات الإسلاميين

الرابط المختصر

تُعتبر الانتخابات النيابية في الأردن محطةً هامة في المسار السياسي للمملكة، فهي تجري في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية معقدة، وضمن إطار سياسي تشكّله الإصلاحات التي شهدتها البلاد في السنوات الأخيرة. تتباين التوقعات حول حظوظ الأحزاب السياسية المختلفة، وعلى وجه الخصوص، يثير موقف الإسلاميين، ممثلين بجماعة الإخوان المسلمين وحزب جبهة العمل الإسلامي، اهتماماً خاصاً في هذا السياق.

 

الإصلاحات الانتخابية: دفعة جديدة للأحزاب

مع اقتراب انتخابات 2024، يبدو المشهد الانتخابي الأردني أكثر تنوعاً، لا سيما بعد التعديلات الأخيرة على النظام الانتخابي. النظام الجديد يمنح الأحزاب السياسية تمثيلاً أكبر في البرلمان، حيث خُصص 41 مقعداً من أصل 138 للأحزاب، وهو ما يمثل خطوة كبيرة نحو توسيع دور الأحزاب في الحياة السياسية. هذا التغيير قد يمنح الأحزاب فرصاً أكبر للتأثير على السياسات العامة، ويحد من الاعتماد على النظام الفردي الذي كان سائداً في السابق.

 

يأتي هذا التغيير ضمن برنامج التحديث السياسي المدعوم ملكياً، والذي يهدف إلى بناء حياة سياسية تقوم على التعددية الحزبية وتعزيز المشاركة الشعبية. النظام الجديد يعزز من فكرة تشكيل حكومات حزبية مستقبلاً، ويضع المعارضة الحزبية في إطار مؤسسي يسمح لها بلعب دور أكبر داخل مجلس النواب. هذا التحول يمكن أن يُحسّن فرص الأحزاب التقليدية والجديدة على حد سواء، ولكنه يضعها أيضاً أمام اختبار حقيقي في قدرتها على استقطاب الناخبين، خصوصاً في ظل التحديات الاقتصادية.

 

الأحزاب الجديدة: طموحات وتحديات

شهدت السنوات الأخيرة ظهور العديد من الأحزاب الجديدة التي تطمح إلى تحقيق نتائج ملموسة في الانتخابات المقبلة. معظم هذه الأحزاب تشكلت بعد الإصلاحات السياسية، وهي تحاول جذب الناخبين من خلال وعود بتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. ولكن ما يميز هذه الانتخابات هو المنافسة القوية بين الأحزاب على المقاعد الحزبية الجديدة، مما يفرض عليها التحلي بقدرة أكبر على تقديم برامج عملية وشاملة تستجيب لتطلعات الناخبين.

 

الإسلاميون: حظوظٌ متفاوتة وتحديات متعددة

الإسلاميون، ممثلين بجماعة الإخوان المسلمين وحزب جبهة العمل الإسلامي، لديهم تاريخ طويل في المشاركة السياسية الأردنية. ورغم أنهم شهدوا تقلصاً في نفوذهم في السنوات الأخيرة بسبب الضغوط السياسية والتغيرات الداخلية في الحركة، إلا أنهم يظلون قوة سياسية لا يُستهان بها. في انتخابات 2024، يواجه الإسلاميون تحديات جديدة وفرصاً محتملة.

 

التحديات:

1. التضييق السياسي: على الرغم من أن الأحزاب المعارضة، بما في ذلك الإسلامية، سُمح لها بالمشاركة بحرية، فإن الضغوط السياسية التي مورست في السابق على الجماعة قد أثرت على قدرتها التنظيمية والمالية. قيود التمويل وعدم قدرة الأحزاب المعارضة على الحصول على الدعم المالي الكافي للحملات الانتخابية قد تؤثر سلباً على أدائهم.

   

2. تراجع الشعبية بالرغم من أن الإسلاميين ما زالوا يحتفظون بشريحة كبيرة من المؤيدين، إلا أن قضايا البطالة، وارتفاع تكاليف المعيشة، والتحديات الاقتصادية قد دفعت العديد من الناخبين نحو التركيز على قضايا معيشية واقتصادية بدلاً من الأجندة السياسية والدينية التقليدية التي يطرحها الإسلاميون.

 

3. **المنافسة الجديدة**: ظهور أحزاب جديدة تسعى إلى تقديم حلول عملية للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية قد يسحب البساط من تحت أقدام الإسلاميين، خاصة إذا فشلت الجماعة في تحديث خطابها السياسي.

 

الفرص:

1. التمثيل النسبي للأحزاب النظام الانتخابي الجديد يمنح الإسلاميين فرصة أكبر للحصول على مقاعد في البرلمان من خلال التنافس على المقاعد المخصصة للأحزاب. هذا النظام قد يساعدهم على العودة بقوة إلى الساحة السياسية إذا نجحوا في تشكيل تحالفات انتخابية واسعة وجذب الناخبين من مختلف الشرائح الاجتماعية.

 

2. التأثير الشعبي: رغم التحديات، يظل للإسلاميين حضور قوي في الأوساط الشعبية، خصوصاً في المناطق الريفية والأحياء الفقيرة. خطابهم المتعلق بالقضايا الفلسطينية، ودعم غزة، والنقد الحاد للسياسات الاقتصادية الحكومية قد يعزز من شعبيتهم بين الفئات التي تشعر بالتهميش والضغوط الاقتصادية.

 

3. الظروف الإقليمية الوضع السياسي الإقليمي، خاصة ما يتعلق بالصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، قد يكون دافعاً لجذب الناخبين للإسلاميين، حيث يعتبرون القضية الفلسطينية جزءاً رئيسياً من خطابهم السياسي.

 

الرهانات المستقبلية: هل تتغير قواعد اللعبة؟

رغم أن الإسلاميين يواجهون تحديات كبيرة، إلا أن النظام الانتخابي الجديد قد يفتح لهم أبواباً لم تكن متاحة في السابق. إذا استطاعوا استغلال هذه الفرصة، فإنهم قد يعودون بقوة إلى الساحة السياسية. ولكن نجاحهم يعتمد على قدرتهم في تحديث خطابهم السياسي، والتكيف مع الأولويات الجديدة للناخبين، خصوصاً في ظل الأزمة الاقتصادية التي تشغل الشارع الأردني.

 

أما بالنسبة لبقية الأحزاب، فإن التحدي الأكبر سيكون في قدرتها على إقناع الناخبين بجدوى البرامج التي تقدمها، خصوصاً في ظل تفاقم الأزمات الاجتماعية والاقتصادية. الأحزاب الجديدة تحتاج إلى بناء قواعد شعبية قوية، والتفوق على المنافسين الإسلاميين الذين يتمتعون بخبرة طويلة في العمل السياسي.

 

انتخابات 2024 تمثل لحظة فارقة في المشهد السياسي الأردني. حظوظ الأحزاب، سواء كانت جديدة أو تقليدية، ستعتمد على قدرتها في تقديم حلول واقعية للمشكلات الملحة. بالنسبة للإسلاميين، فإن هذه الانتخابات تمثل فرصة لإعادة التموضع، ولكنها في نفس الوقت اختبار حقيقي لقدرتهم على التكيف مع المتغيرات السياسية والاقتصادية. 

 

النظام الجديد قد يفتح أبواباً لتمثيل سياسي أوسع، ولكن النجاح في تحقيق النتائج المرجوة سيتطلب مرونة سياسية واستراتيجية متكاملة لجذب مختلف شرائح الناخبين.

 

أضف تعليقك