المراكز الصحية في الزرقاء : نقص الاختصاص وضعف الوصول
"الناس على السجل بتكون فوق بعض..الزحمة على المختبر غير طبيعية...المكان ما بتحمل هذا الكم من الناس لكن نحن مضطرين نروح هناك" قالها ماهر اسماعيل(42 عامًا) وهو يصف مشهدًا يتكرر عند زيارته المركز الصحي الذي يراجع فيه في محافظة الزرقاء، حيث يزدحم المراجعون على الأقسام المختلفة هناك.
كان ماهر يراجع في الماضي مع عائلته في مركز "صحي العامرية الشامل" القريب من منزله في لواء الرصيفة التابع لمحافظة الزرقاء. أما الآن فهو يذهب إلى مركز "صحي المشيرفة الشامل" الذي يبعد نحو أربعة كيلومترات عن منزله، بعد إغلاق "العامرية" العام الماضي.
كما يضطر ماهر إلى الذهاب إلى عمّان بعد تحويله إلى طبيب اختصاص في مستشفى حكومي هناك، للحصول على متابعة طبية بسبب إصابته بكسور في الظهر والقدم.
تكشف هذه القصة المدفوعة بالبيانات عن تراجع نصيب المواطن من الزيارات الطبية في المراكز الصحية الحكومية في محافظة الزرقاء منذ العام 2014. كما يظهر التحليل فروقًا كبيرة في عدد أطباء الاختصاص في تلك المراكز من عام إلى آخر.
صعوبة الوصول
لا يعاني ماهر وحده من إغلاق المركز الصحي في المنطقة. إذ تواجه فاطمة إبراهيم (75 عامًا) القاطنة في لواء الرصيفة صعوبات في مراجعة الطبيب بسبب بعد المركز الصحي عن منطقة سكنها.
كانت فاطمة تراجع شهريًا في مركز "صحي العامرية الشامل" في اللواء بسبب معاناتها من أمراض مزمنة تتطلب متابعة طبية مستمرة . إلا أنها لا تتمكن في الوقت الراهن من مراجعة الطبيب في مركز "صحي المشيرفة الشامل"، حيث جرى تحويلها إلى هناك بعد إغلاق "العامرية" عقب تعرض مبناه لتصدع .
تقول فاطمة: "لحد الآن ما قدرت أروح، كنت واقعة على رجلي والمسافة بعيدة علي".مؤكدة أن تكلفة الوصول إلى مركز صحي المشيرفة تصل إلى خمسة دنانير، إذ يتطلب الأمر بالنسبة لها استخدام سيارة أجرة خاصة.
أُغلق مركز "صحي العامرية الشامل" في شهر تشرين أول/ أكتوبر من العام 2021 للمرة الثانية، بسبب وجود تشققات في السقف والجدران. يفصل مركز العامرية عن أقرب مركز صحي أكثر من 4 كيلومترات.
وكان المركز أغلق المركز لأول مرة في العام 2013 بهدف إخضاعه لعمليات الصيانة بعد ظهور تشققات وتصدعات في البناء من الداخل والخارج.
يبدو سامي زيادة (60 عامًا) أكثر حظًا من آخرين، فهو يراجع في المركز الصحي داخل منطقته لصرف العلاجات الشهرية بسبب إصابته بمرض مزمن. كما يزور الطبيب كل 4 شهور تقريبًا.
يؤكد سامي القاطن في حي جناعة في لواء قصبة الزرقاء توفر عيادات اختصاص في مركز "صحي وادي الحجر الشامل" حيث يراجع هناك. يوجد في المركز عدد من عيادات الاختصاص هي طب الأسرة والباطني وطب الأسنان، بالإضافة إلى عيادة الطب العام، حسب قوله.
كما يحضر إلى المركز طبيب اختصاصي في الأمراض الجلدية مرة كل أسبوع، في حين لم يعد هناك عيادة أسبوعية لأمراض العظام كما كان الحال في السابق، وفق ما أشار سامي.
جاد يوسف ( 45 عامًا) يراجع أيضًا في مركز "صحي وادي الحجر الشامل" بسبب إصابته بارتفاع ضغط الدم.
يؤكد جاد عدم وجود اختصاصي في أمراض عظام في المركز. كما لا تتوفر عيادة لأمراض العيون، حسب ما أوضح.
يقول جاد إن المركز يكون مزدحمًا في أيام صرف العلاجات الشهرية التي يحصل عليها من هناك.
أما سائد مصطفى (44 عامًا) من لواء الرصيفة فيضطر إلى مراجعة عيادات القطاع الخاص أو شراء الأدوية من الصيدلية، بسبب بعد المركز الصحي عند منزله.
كان سائد يراجع مع عائلته المؤلفة من 12 شخصًا في مركز "صحي العامرية الشامل" القريب من المنزل، إلا أنهم باتوا الآن يواجهون صعوبة في الذهاب إلى المراكز الصحية الأخرى لبعدها عن منطقة سكنهم.
يقول سائد :"الآن متغلبين كثير، بتاخد منا مدة زمنية تفوق الساعتين والثلاث، لازم أعطل لأنه المركز الصحي بعيد عني"، ويضيف "الطريق لوحدها بدها ساعة".
يدفع سائد نحو أربعة دنانير أجرة مركبة خاصة للوصول إلى المركز الصحي، في حين يدفع دينارًا ونصف الدينار عند استخدام النقل العام، لكن الوصول إلى المركز في تلك الحالة يتطلب مزيدًا من الوقت والجهد.
تقع محافظة الزرقاء في الجهة الشمالية الشرقية من العاصمة عمّان. وتعد ثالث أكبر محافظة في عدد السكان في الأردن، إذ يقطن فيها نحو 1.58 مليون نسمة.
تضم المحافظة ثلاثة ألوية هي قصبة الزرقاء والرصيفة والهاشمية. كما يوجد فيها ثلاثة أقضية؛ بيرين، والضليل والأزرق. يتوفر في المحافظة 43 مركزًا صحيًا حكوميًا، من بينها 10 مراكز شاملة. كما يوجد في المحافظة 32 مركزًا لتقديم خدمات الأمومة والطفولة.
يوجد في المحافظة أيضًا مراكز صحية تابعة لوكالة الأونروا داخل مخيم الزرقاء ومخيم حطين في المحافظة تقدم خدماتها للسكان هناك، فضلًا عن مراكز صحية تشرف عليها هيئات خيرية.
يظهر تحليل البيانات انخفاض حصة المواطن في لواء قصبة الزرقاء ولواء الرصيفة من الزيارات الطبية في المراكز الصحية الحكومية، مقارنة مع بقية المناطق في المحافظة وهي لواء الهاشمية والأقضية الثلاثة؛ بيرين و الضليل والأزرق. كما يكشف عن انخفاض معدل المراكز بالنسبة للسكان في المحافظة مقارنة مع المحافظات الأخرى.
مركز جديد والمزيد من المصاعب
استُحدث في العام 2021 مركزًا صحيًا شاملًا في محافظة الزرقاء نتيجة دمج 4 مراكز صحية أولية.
يضم مركز "صحي الزرقاء الشامل الجديد" عيادات اختصاص منها طب الأسرة، وطب الأطفال، وطب الأسنان. كما تتوفر عيادتان ليوم واحد في الأسبوع هما أمراض العظام والأمراض الجلدية، حسب مدير المركز محمد الحايك.
ومع ذلك يحتاج المركز الواقع في لواء قصبة الزرقاء إلى أطباء اختصاص في أكثر من مجال منها اختصاص النسائية والأنف والأذن والحنجرة، وفق الحايك.
يوضح الحايك أن الطاقة الاستيعابية للمنشأة الطبية تتراوح بين 10500 و 11000 مراجع شهريًا . وتستقبل عيادات الطب العام 350-400 مريض يوميًا، وهي تقوم على ثلاثة أطباء.
يقع المركز في منطقة يصعب توفر المواصلات إليها. وهو يعاني نقصًا كبير ًا في الكوادر الطبية، في ظل تزايد أعداد المراجعين فيه بشكل مستمر، وفق ما أوضح مدير المركز.
يؤكد الطبيب في عيادة طب الأسرة في المركز بسمان البشير تزايد عدد المراجعين للعيادة، إذ لايقل عددهم عن 100 مراجع يوميًا.
يضم المركز ثلاث عيادات لطب الأسرة تعمل أربعة أيام في الأسبوع، ويستقبل كل منها 40-50 مريضًا يوميًا، معظمهم من المصابين بالأمراض المزمنة.
يقتصر الكادر الطبي في تلك العيادات على اختصاصي واحد و طبيب مؤهل، بالإضافة إلى ثلاثة من الأطباء في برنامج الإقامة، حسب البشير.
ضعف التوزيع
يقول مدير مديرية الشؤون الصحية في الزرقاء خالد عبد الفتاح إن جميع المراكز الصحية الشاملة لديها أطباء اختصاص من طب الأسرة وطب النسائية والجلدية والباطنية. أما العيادات الفرعية فيتم تغطيتها ضمن الإمكانيات من الأطباء في المراكز المجاورة.
وأشار عبد الفتاح إلي أن أطباء اختصاص قد يغطون أكثر من مركز صحي خلال أيام الأسبوع حسب المركز، وهم لا يتواجدون بشكل يومي في المركز الواحد. كما لفت إلى أن المراكز الصحية تشهد فقط اكتظاظًا في فترات الذروة من الساعة 8 لغاية الساعة 11.
ومع ذلك ُيظهر تحليل البيانات تباينًا واضحًا في عدد عيادات الاختصاص في محافظة الزرقاء من عام إلى آخر، كما يُشير إلى انخفاض عددها خلال العامين الماضيين.
يوضح وزير الصحة الأسبق سعد الخرابشة أن إنشاء المراكز الصحية يعتمد على أسس ديمغرافية تتصل بعدد السكان وحالة الفقر وبعد المنطقة عن الخدمات الصحية في القطاعات الأخرى ومنها القطاع الخاص والقطاع العسكري، بالإضافة إلى عوامل أخرى.
ويرى الخرابشة أن هناك سوء توزيع في المراكز الصحية وفي وفرة الأطباء في بعض المناطق؛ خاصة ما يتعلق بأطباء الاختصاص في المراكز الصحية الشاملة.
مؤكدًا أن نقص أطباء الاختصاص في قطاعات وزارة الصحة لا يقتصر على المراكز الصحية، إذ تعاني المستشفيات أيضًا نقصًا كبيرًا في بعض الإختصاصات الطبية، ما يدفع الوزارة إلى شراء خدمات القطاع الخاص عبر التعاقد مع أطباء فيه للعمل مدة من يومين أو ثلاث أيام أسبوعيًا.
ولفت الخرابشة إلى أن الاستثمار في الرعاية الصحية الأولية في الأردن ما زال متواضعًا، إذ لا تتجاوز نسبة ما ينفق على هذا القطاع 25 في المائة من إجمالي الإنفاق على الصحة في البلاد، مؤكدًا أهمية هذا القطاع في الوصول إلى تغطية صحية شاملة ومنع الكثير من الامراض وتقليل الكلفة العالية للعلاج في المستشفيات.
في نهاية العمل على هذه القصة أعيد افتتاح مركز صحي العامرية في مقر بديل يضم عيادة للطب العام وأخرى للأسنان تعملان يوميًا، في حين يقتصر عمل عيادة طب الأسرة في المركز على ثلاثة أيام في الأسبوع.
أنتجت هذه القصة بالتعاون مع أريج وبدعم من سفارة مملكة هولندا في الأردن- 100 واط.
.