المتحرشون جنسيا فريستهم الاطفال

المتحرشون جنسيا فريستهم الاطفال
الرابط المختصر

صيبت نوال ذات الثماني السنوات بصدمة نفسية بعد ان امسك بها متحرش جنسي بالاطفال داخل عمارة عائلتها في احدى مناطق عمان قبل عدة اشهر. فعائلة نوال كانت تنظر الى ابنتها وهي تدخل العمارة الا ان ذلك الشاب كان قد لحق بها وأغلق فمها لعدة دقائق قام بتقبيلها وبالكاد استطاعت ان تفلت من بين يديه وأن تخبر عائلتها بالامر الذي تعرضت له اذ لم يخطر في بال العائلة بان ذلك الشاب هو متحرش جنسي بل كانوا يعتقدون بانه زائر وجرى تقديم شكوى لدى المركز الامني المختص واحيلت الفتاة الى ادارة حماية الاسرة لالتقاط عينات الاثر وفحصها لتوثيق الحالة قضائيا ووفق المعلومات المتوفرة فإن البحث ما زال جاريا عن الفاعل.

ربما هذه القضية تأخذنا الى قضايا اخرى وصلت الى محكمة الجنايات الكبرى تشابهت وقائعها مع ما حدث مع الضحية الا ان معظم تلك القضايا كان مرتكبوها مألوفين لدى الضحية كبائع الخبز او البقال او اي احد يثق به الطفل.

وكان قد وصل العام الماضي الى ادارة حماية الاسرة 572 مجني عليهم في اعتداءات جنسية كان من بينها 319 فتاة فيما بلغ الذكور الاطفال .253

اما عام 2009 فقد بلغ مجموع المجني عليهم في قضايا الاعتداءات الجنسية من الاطفال 448 مجنى عليه بينهم 216 انثى و232 ذكرا والمجموع الكلي لهؤلاء الضحايا بلغ 1020 خلال عامين.

ويقول مدير ادارة حماية الاسرة العميد محمد الزعبي فئة الاطفال مستهدفة من قبل البالغين في حالات التحرش الجنسي كون هذه الفئة غير مدركة للوقائع وذكر تفصيلاتها الدقيقة للواقعة والمكان والزمان فهذه الفئة قد تخشى التحدث للاهل وإبلاغهم بالواقعة خشية تلقى العقاب كما ان الاطفال غير قادرين على تمييز الجناة بعد مرور فترة زمنية معينة وحال تغيير الجناة للمظهر الخارجي الذي يقوم الطفل بالتركيز عليه وقت الاعتداء.

ويتابع الزعبي يعتبر التحرش الجنسي الذي لا يترك اثارا اصعب في التعامل كون اغلب الجناة هم من فئة معتادي الاجرام والشذوذ وعليه فالانكار وسيلتهم الاولى والاخيرة في التحقيق.

وأوضح بأن الفاعل يبحث في قضايا الاعتداءات الجنسية على الاطفال لاشباع رغباته الجنسية مع فئة ضعيفة غير مميزة (الشذوذ الجنسي) وفي حالات يكون بقصد الانتقام وفي حالات تكون بقصد تحقيق مصلحة معينة والوصول الى هدف شخصي من اهل الطفل الضحية كالحصول على مبالغ مالية من اهله دون الاعتداء عليه جنسيا

وقال ان ادارة حماية الاسرة تتعامل وفق آلية محددة مع حالات التحرش الجنسي الواقع على الاطفال تتمثل بمقابلة الطفل من خلال فرض جو ايجابي ومحاولة دمج الطفل مع ذلك الجو للوصول الى الحقيقة الاسلوب العلمي والاجتماعي ومحاولة ابعاد الطفل الضحية عن المحيط الاسري كون الاسرة في مثل هذه الحالات تدخل الطفل في جو سلبي ونفسي مشحون تترتب عليه ضغوط نفسية مستقبلية ويكون اسلوب المقابلة ايجاد مبرر للطفل امام المجتمع الخارجي انه كان ضحية وليس له ادنى مسؤولية في تلك الحادثة وبعد ذلك يتم تدوين الاقوال ويتم ابعاد الطفل قدر الامكان عن مواجهة الجاني وبعد ذلك يتم تسجيل اسلوب تدوين الاقوال من خلال تقني الفيديو تيب (حال موافقة ولي الامر والمدعي العام).

ويعتبر التفكك الاسري من اهم الظروف المحيطة بالاطفال الضحايا الذين يقضون اغلب ساعات يومهم بالحي والشارع ولا يتلقون التثقيف الاسري اللازم كما ان الفقر والجوع يساهمان في الامر كما ان الجهل يعرض الاطفال لاستغلالات جنسية علاوة على نوع لباس الاطفال في منطقة سكانها غير معتادين على ظهور اطفالهم بمثل هذه الملابس.

الطب النفسي

الطب النفسي يعرف بداية التحرش الجنسي وفق مستشار الطب النفسي د خالد المغربي ب¯ سلوكات جنسية بين طفل وانسان بالغ او بين طفلين مع فارق ملحوظ في العمر بينهما او باستعمال القوة, و الضحية والفاعل يمكن ان يكونا من نفس الجنس او من الجنس الاخر وقال يمكن ان يتعرض الطفل للاستغلال الجنسي مرة واحدة فقط و يمكن ان يتكرر التعرض في فترة زمنية ممتدة و يصبح مزمناً

وأكد د. المغربي وجود تأثيرات نفسية يتركها التحرش على نفسية الطفل وتشمل اعراض قلق مثل الخوف و الرهاب (الخوف المرضي) و الارق وكوابيس النوم واخرى اعراض تحولية (هستيرية) مثل النوبات الصرعية الكاذبة وحالات من عدم وضوح الوعي واحلام اليقظة نهاراً و فقدان الذاكرة واضاف الى ذلك اعراض الاكتئاب مثل فقدان تقدير الذات و افكارا انتحارية وسلوكات تشويه الجسد واخرى جسدية مثل السلس البولي والغائطي, والحكة الشرجية, والسمنة والصداع واوجاع المعدة

ولفت الى معاناة الضحايا ايضا من اضطرابات في السلوك الجنسي مثل اظهار الاعضاء التناسلية امام اطفال اخرين او لمس اعضائهم التناسلية او محاكاة حركات الفعل الجنسي وفي حالة الطفل صغير السن فإن البعض يندهش من امتلاكه لمعرفة جنسية زائدة بالنسبة لعمره.

وعن مدة العلاج التي يحتاجها الطفل الضحية للتشافي قال هذا يعتمد على مدة الاستغلال الجنسي الزمنية وعلى شخصية الفاعل وعلى الاثار التي تسبب بها للطفل, وعلى سبيل المثال فإن كون الفاعل احد الوالدين ربما يؤدي لنقل الطفل الى بيئة اخرى جديدة فيها حماية للطفل وربما يستمر الوضع الجديد اشهراً او سنوات, كما ان فترة العلاج ايضاً تعتمد على تقويم الطفل من الاثار النفسية السيئة ومعالجة اية اعراض او اضطرابات نفسية موجودة, وكذلك توعية الاهل وتدريبهم على الاكتشاف المبكر للتحرش الجنسي بأطفالهم .

الطريقة المثلى لتعامل الاهل مع ابنائهم المتحرش بهم

اما الطريقة المثلى لتعامل الاهل مع الضحية بين د. المغربي تعتمد على استمرار وحدة العائلة او غياب بعض اعضائها, كأن يسجن الفاعل اذا كان اباً او اخاً او ربما ينقل الطفل الى دار رعاية اجتماعية او عند بعض الاقارب كالعمة او الجدة وهنا فإن العلاج العائلي يمكن ان يساعد الاهل في الاعتناء بالضحية و تقديم كل ما من شأنه ان يخفف من وقع الامر على الطفل الضحية وإظهار مشاعر التفهم و الحب والعطف والتقدير وعدم اللجوء الى النبذ.

ويضيف د.المغربي الترابط الاسري والوجود الفعلي للاب داخل الاسرة بما يحمله من حوار وتفاعل مع الابناء وإعطاء الوقت الكافي للاسرة ومتابعة انجازات الابناء ذكوراً و اناثاً من شأنه بث الحب والود بين افراد الاسرة, وقد تبين ان انشغال الاب عن الاولاد لفترة طويلة اضافة الى معاقرة الخمر يمكن ان يضعف الوازع الابوي و الديني والاخلاقي لدى البعض مما يسهل عليهم الاعتداء على اولادهم او بناتهم,ويجب تنبيه الاطفال في المدرسة من قبل المعلمين و في البيت من قبل الاهل الى مراقبة والتعرف على السلوكات التي يمكن ان تقود الى التحرش الجنسي.

هل يؤثر وقوع الطفل ضحية على العلاقة الزوجية?

يقول د. المغربي في احيان عديدة لا يتم اكتشاف الاستغلال الجنسي بتاتاً او متأخراً جداً, ويحدث هذا في حالة الاب الفاعل والسيىء السلوك والمعاملة لزوجته في البيت وربما مع تعاطي العقاقير اومعاقرة الخمر, ورغم علم الام بذلك تشعر انها بلا حول ولا قوة ولا تجرؤ على كشف المستور خوفاً من الفضيحة او الضرب الشديد او الطلاق او كلها معاً. و في الحالات التي تكون الام فيها قوية و محبة فإنها تسارع لحماية ابنتها وتقديم شكوى ومن شأن ذلك ابعاد الاب بالسجن لفترة ربما تكون كافية للملمة الجراح. وفقط في حالة كون الفاعل او المعتدي ليس من الاقارب بل من خارج الاسرة يمكن للوالدين مراجعة طريقة التربية التي اعتمداها وتبيان النقائص فيها و محاولة سدها مما سيؤثر ايجاباً على العلاقة الزوجية. ولا ننسى ان كلا الوالدين سيلوم الاخر في سره بدون ان يفصح عن ذلك ويحمله ويحمل نفسه جزءاً من المسؤولية في ما الت اليه الامور

أشكال العنف الجنسي ومدى انتشاره والتعامل المهني مع ضحاياه

ويرى مستشار الطب الشرعي في وزارة الصحة الخبير لدى مؤسسات الامم المتحدة في مواجهة العنف د.هاني جهشان في العنف الجنسي اتخاذه لاشكال كثيرة ويحدث في احوال مختلفة فقد يحدث الانتهاك من قبل فرد او عدة افراد, وقد يتم التخطيط المسبق لهذا الحدث او يحدث الهجوم فجأة وبدون تخطيط.

ورغم ان العنف الجنسي يقع كثيراً في بيت الضحية, او في بيت الجاني, الا انه قد يحدث ايضاً في اماكن اخرى مثل اماكن العمل, والمدارس, والسجون, والسيارات, والشوارع, والاماكن المفتوحة مثل الحدائق او المزارع. قد يكون مرتكب العنف الجنسي على معرفة شخصية بالضحية, او عضو من اعضاء اسرتها, وقد يكون من الغرباء من غير المعروفين للضحية, ولكن الاكثر شيوعاً ان يكون شخصاً معروفاً للضحية.

وعن قانون العقوبات الاردني قال عرف الاغتصاب بأنه مواقعة رجل لامرأة, غير زوجه, مواقعة جنسية كاملة, دون رضاء صحيح منها بذلك وعرف هتك العرض بأنه الفعل الذي يقع مخلا بالحياء العرضي للمجني عليه ويستطيل الى جسمه فيصيب عورة من عوراته وعليه فالاغتصاب في القانون الاردني لا يقع الا على المرأة من قبل ذكر (غير زوجها) ويجب ان يشمل النشاط الجنسي للمعتدي الاتصال المهبلي, وأي فعل غير ذلك يدخل ضمن جريمة هتك العرض وليس الاغتصاب, وعليه فجريمة هتك العرض قد تقع على ذكر او انثى وقد ترتكب من قبل رجل او امرأة, وعليه يكون دور الطب الشرعي مهماً للغاية بتحديد الجريمة هتكا للعرض او اغتصابا اعتمادا على تحديده ما اذا النشاط الجنسي الذي قام به المعتدي.

وعن مدى انتشار مثل هذا النوع من العنف الجنسي قال جهشان من الصعب تحديد معدلات الحدوث الحقيقية او حتى تقديرات انتشار الانتهاك الجنسي للاطفال, ويعود هذا اساساً الى نقص التبليغ, فمن النادر التبليغ عن الانتهاك الجنسي للاطفال في وقت حدوثه, ولا يتم التبليغ مطلقاً في كثير من الحالات.

أما نسبة انتشار العنف الجنسي في الاردن للاناث اللواتي تجاوزن عمر 18 سنة فهي 0.8 لكل مئة الف في السنة حيث تعتبر من اكثر الدول انخفاضا وإن نمط تعرض المرأة لعنف جنسي في الاردن في مكان عام من قبل شخص غريب عليها هي نسبة تقارب الصفر ولم تسجل الا بضع حالات على مدى عدة سنوات.

اما دور الطب الشرعي في التعامل مع ضحايا التحرش الجنسي من الاطفال فقال د. جهشانمن خلال عيادات الطب الشرعي والعيادات الريادية لحماية الاسرة تم تطوير الخدمات الصحية المقدمة لضحايا العنف الجنسي حيث يخضع جميع الضحايا للكشف الطبي على ايدي مختصين في مجال الطب الشرعي مدربين تدريبا متخصصا في التعامل مع هذا النوع من العنف في محيط تتوفر فيه المعايير الصحية القياسية بشكل يضمن منع خضوع الضحية للفحص الطبي المتكرر, وبمرجعية اجرائية موحدة.

واشار الى اعتماد توقيت الكشف الطبي على ضحايا العنف الجنسي بشكل اساسي على ما هو افضل للضحية تأسيسا على الحاجة الطارئة للتداخلات العلاجية للاصابات التي تعرضت لها التي قد تشكل خطرا مباشرا على حياتها في بعض الحالات, وأيضا على الحاجة لاعطائها عقار منع الحمل التداركي الذي يجب ان يعطى خلال فترة لا تتجاوز 72 ساعة من وقت الاعتداء.

كما ويجب ان يجرى الكشف الطبي في وقت مناسب قبل التئام الاصابات بهدف توثيقها وبالتالي تحديد ماهيتها والتعرف على كيفية حدوثها, كما وأن جمع الادلة الطبية الجنائية من جسم الضحية التي تثبت الجريمة يجب ان يجرى في وقت مبكر قبل زوالها بعامل الوقت او بسبب الاستحمام.

واكد د. جهشان انه يجب اخذ الموافقة من الضحية مهما كان عمرها, كما ويجب اخذ الموافقة الخطية من ولي الامر اذا كانت الضحية طفلا اقل من 18 سنة, ويهدف اخذ سيرة التعرض للعنف الجنسي وظروفه للتحقق من حدوث العنف, ولتقرير اي الفحوص يجب اجراؤها, كما ويشكل تواصل الطبيب مع الضحية بداية تقديم العلاج النفسي لها ويجب اخذ سيرة الاعتداء مرة واحدة فقط من قبل طبيب متمرس, على ان توثق وتعتبر جزءا اساسيا من الكشف الطبي.

ولفت جهشان الى ضرورة دراسة احتمال حدوث الحمل نتيجة الاعتداء الجنسي, ويجب اعطاء الضحية موانع الحمل التداركية اذا فُحصت اول مرة خلال الثلاثة ايام الاولى بعد تعرضها للاعتداء, اما اذا فُحصت بعد مرور ثلاثة ايام من الاعتداء, فتُنصح بالعودة مرة اخرى اذا انقطعت دورتها الشهرية التالية لاجراء اختبار حمل.

وزاد يجب اجراء اختبارات الكشف عن العدوى بالامراض الجنسية المعدية مثل داء السيلان والزهري وفيروس الايدز والتهاب الكبد الوبائي واتخاذ قرار اتقاء العدوى المنقولة جنسياً وفقاً لكل حالة على حدة. يجب ان تحصل جميع المريضات على خدمات المتابعة متضمنة المراجعة الطبية اللاحقة واحالتهن للمشورة وخدمات الدعم النفسي والاجتماعي والقانوني.

وقال الدعم الاجتماعي والارشاد النفسي لهما اهمية قصوى في الشفاء, فيجب ان تحصل المريضة على معلومات عن مدى الاستجابات الجسدية والنفسية والسلوكية المتوقع حصولها لديها كرد فعل للاعتداء وعن العواقب الاجتماعية للاغتصاب, وبناء عليه وباستقلالية تامة تأخذ الضحية قراراً بالموافقة الواعية بتلقي الدعم الاجتماعي والارشاد النفسي.