المالكي في عمّان...أية ملفات ؟
ملفات سياسية واقتصادية وأمنية ، تحفل بها أجندة المحادثات التي يجريها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في عمان ، أكثرها أهمية من وجهة النظر الأردنية ، قضايا النفط والتبادل التجاري والاقتصادي والديون واللاجئين العراقيين ، أما من الجانب العراقي ، فإن ثمة أولويات أخرى ، أهمها ضمان الدعم الأردني ـ العربي للعملية السياسية ولحكومة المالكي ، فضلا عن تأمين "الرئة" التي يتنفس منها عراقيون كثر ، مقيمون ولاجئون.الأردن معني بعملية سياسية أكثر توازنا في العراق ، تنهض على مشاركة مختلف الكيانات العراقية ، من دون هيمنة أو إلغاء ، الأردن معني بوحدة العراق وسيادته وعروبته واستقلاله ، وأن لا يكون ساحة لتسوية الحسابات ، أو كعكة يجري تقاسمها بين لاعبين إقليميين ودوليين. والأردن معني باسترداد أكثر من مليار دولار ديونا متراكمة على حكومات العراق المتعاقبة ، والأردن معني بتفعيل "بروتوكول النفط" المبرم في العام 2006 ، والذي بموجبه يحظى الأردن بخصم معين عن السعر السائد في السوق العالمية ، والأردن معني بتوسيع شبكة تجارته مع شريكه التجاري الثالث ، وضمان تأمين دور للشركات الأردنية في عمليات إعادة إعمار العراق ، التي غالبا ما تلتئم مؤتمراتها ومعارضها في عمان أو على الشاطئ الشرقي للبحر الميت.
في المقابل ، ينظر العراق للأردن ، وبصرف النظر عن هوية حكوماته أو تعاقب أنظمته ، على أنه "رئة" للعراق والعراقيين ، يتنفس منها حين تشتد عليه الأنواء والخطوب ، كما أن أي حكومة عراقية لا تستطيع أن تدير ظهرها لمئات ألوف العراقيين المقيمين على أرض الأردن ، مع كل ما يترتب على ذلك من التزامات ومسؤوليات تقع على عاتق الدولة العراقية.
جميع هذا الملفات سبق وأن بحثت في لقاءات أردنية عراقية سابقة ، ومع المالكي شخصيا أكثر من مرة ، لكن قليلا من التقدم أحرز في معالجة بعضها ، مثل التنقل والسفر وموضوع اللاجئين (جزئيا) ، وهناك ملفات لم يطرأ عليها أي تقدم جدي يذكر حتى الآن ، برغم التصريحات المحملة بالنوايا الطيبة ، منها على سبيل المثال: ملف الديون التي يمكن مقايضها بالنفط ، وملف "البروتوكول النفطي" ، وملف التجارة والدور الأردني في عمليات إعادة الإعمار وغيرها.
أما الملف الأمني ، فقد هدأ وهدأت معه الكثير من الخواطر والتحسبات ، فتراجع دور القاعدة وتصفية جيوب نفوذها ، تحديدا في الأنبار وما كان يسمى بالمثلث السني ، أراح الأردن الذي كان يتحسب لهذا التحدي كثيرا ، وأراح العراق الذي دفع ثمنه باهظا ، وأراح العلاقات الأردنية العراقية التي تأثرت به في مرحلة من المراحل التي شهدت تبادلا مؤسفا للاتهامات.
ومما لا شك فيه ، أن التطورات الإيجابية الأخيرة في العراق ، وفي مقدمتها تراجع مستوى العنف المذهبي والهزائم المتكررة التي تعرض لها تنظيم القاعدة ، وبسط سلطة الدولة العراقية على بعض مناطق المليشيات ، والنجاحات التي سجلت للحد من انفلاتها وطغيانها ، فضلا عن إبداء قطاعات متزايدة من العراقيين للرغبة والنية في المشاركة في العملية السياسية ، جميع هذه التطورات شجعت الأردن وتشجعه على الشروع في تطوير علاقاته الثنائية مع العراق بمختلف مكوناته.
ولعل في القرار الأردني بإرسال سفير إلى العراق ، وتنشيط علاقاته الدبلوماسية مع بغداد ، ما سيدفع على الاعتقاد ، بأن صفحة جديدة ستفتح بين البلدين ، نأمل أن يترتب عليها فتح و"تسليك" قنوات التعاون والتبادل في شتى المجالات والحقول ، فالعلاقات الأردنية العراقية تحكمها "ديكتاتورية" الجغرافية والديمغرافيا والتاريخ والمصالح والجوار ، وليس ثمة من قوة في الأردن أو العراق على حد سواء ، تستطيع أن تتنكر لهذه الحقيقة أو تقلل من شأنها.
* المقال نشر في الدستور الاردنية