القيد الأمني انتهاك باسم القانون
"كيف لي أن أحافظ على عملي، هل يوجد صاحب عمل يقبل بمغادرتي العمل مرتين، في كل مرة لأكثر من ساعة بانتظار دوري لأسجل حضوري في مركز الأمن"، يقول مهند شعبان، صاحب القيود الأمنية.
ورغم مرور سنوات على إقفال سجل القيود الأمنية لمهند، 31 عاما، التزم خلالها بعدم ارتكاب أي سلوك مخل بالقانون، إلا أن ذلك لم يمنع من توقيفه إداريا عند كل مشكلة أو شجار يحدث في منطقته، ليسجل عليه قيدا أمنيا جديدا يفرض عليه تسجيل حضوره يومياً في مركز أمن فيلادلفيا صباحا وفي مركز أمن وسط المدينة عصرا.
يطبق الأمن العام "القيد الأمني" كإجراء تمهيدي للتوقيف الإداري، بهدف حماية المجتمع ممن "يشكلون خطرا عليه أو تهديدا لأمنه"، وهم عادة ممن سبق أن ارتكبوا سلوكا مخالفا للقوانين.
ويلازم القيد الأمني صاحبه لسنوات كسجل تتراكمي لا تلغى فيه القيود. وبناء على القيد الأمني يحق للأمن العام استدعاء أي من أصحاب القيود عند التحقيق في كل قضية تقع في المنطقة التي يقطن بها.
ورغم وقف العمل بالقوانين العرفية في الأردن منذ العام 1989 إلا أن المحافظين استعانوا بأحكام قانون منع الجرائم لعام 1954 لتطبيق "القيد الأمني" الذي يهدف إلى "حماية المجتمع من الخطيرين أمنيا".
"الهدف من القيد الأمني الضبط والربط الأمني للخارجين عن القانون"، يوضح المحامي عادل الطراونة، مدعي عام سابق في محكمة الشرطة ومقرر حالي للجنة الحريات في نقابة المحامين.
"في قانون العقوبات نص المشرع على عقوبة مشددة في حال تكرار ضروب الاحتيال وإساءة الأمانة والسرقة. وتوضع القيود في صحيفة المشتبه به المقدمة للقاضي أو المدعي العام ليتعرف على سوابقه الأمنية، وهنا تكمن أهمية القيد الأمني"، يقول الطراونة.
متهم في كل جريمة
وسام نصار، 31 عاما، ارتكب عدة سرقات قبل سنوات، لكنه، وكما يؤكد لعمان نت، "تاب" عن السرقة، ويحاول الالتزام بالعمل وكسب المال بشكل قانوني، غير أنه يعتبر أن استمرار توقيفه المستمر بين فترة وأخرى تدفعه للتفكير في السرقة.
عند حدوث أي عملية سرقة أو سطو يجلب رجال الأمن وسام إلى المركز الأمني، يخضعونه للتحقيق، ثم يحتجزونه كمشتبه به. "أتألم من المشاعر الدونية التي تسببها لي الأجهزة الأمنية. يضعوني دائما موضع الاتهام والمذنب رغم أني بريء، أتحمل مسؤولية كل جريمة أو سرقة تقع في وسط البلد"، يقول وسام.
يحمل وسام في ملفه بالمراكز الأمنية عشرات القيود الأمنية، ويعتقد أنه ليس عدلا أن يحاسب بناءً على قيود سجلت بحقه قبل عشر سنوات. ويطلب وسام العدالة لأنه متضرر جداً منها وتقيد من حريته، كما يقول.
ويفرض المركز الأمني على وسام عدم التجوال بعد الساعة السادسة ليلاً، والالتزام بالتوقيع في سجلات مركز أمن فيلادلفيا ظهرا. ويروي واحدة من الحوادث التي حصلت معه: "تم القبض علي في منطقة الأشرفية وتم اقتيادي وقتها إلى وسط المدينة واعتبرت حالتي تغيير اتجاه، وكأني سيارة تكسي خارج العاصمة، هل هذه إنسانية؟".
ويخضع صاحب القيد الأمني إلى التوقيف الإداري في حال ثبت تورطه في قضية ما، وعندها يقرر توقيفه لشهر أو أسبوع أو لمدة غير محددة، أو إخضاعه لقيد أمني، وفق ما يراه المحافظ.
في الشهر الأول من العام الحالي، طالب مدير الأمن العام اللواء مازن تركي القاضي، مديري الشرطة تفعيل الحملات الأمنية التي من شأنها كف يد الخارجين عن القانون وتوفير الطمأنينة والراحة والتسهيلات لزوار المواقع السياحية والدينية.
ويبرر الطراونة تطبيق القيد الأمني باعتباره ينظم القيود الجرمية الجنائية. "لا يلجأ القاضي إلى القيد الأمني إلا بعد ثبوت تهمة تكرر فعلها، وأصدر بحقها عقوبة".
ويتحدث الطراونة عن تعديلات مطروحة على قانون أصول المحاكمات الجزائية، بحيث يأخذ القاضي بمبدأ السجل العدلي إذا كان الشخص محكوما وأن لا تنزل عقوبته عن الحد الأعلى وهذا يتعلق بالقضايا الجنائية.
و"للخروج من عنق الزجاجة"، يبين المحامي الطراونة أنه يمكن لصاحب القيود الأمنية والملتزم بالقوانين أن يلجأ لقانون "إعادة الاعتبار" ويتقدم للمدعي العام بطلب شطب قيوده الأمنية، بشرط أن يكون ملتزما لمدة عام أو عامين، حسب نوع الجرم، بعدم ارتكاب أي جرم مخل بأمن المجتمع.
لكن واحدة من العوائق التي تقف أمام صاحب القيد الأمني هو تكلفة الطعن التي تصل إلى 500 دينار. وتوضح رئيسة قسم السجون في المركز الوطني لحقوق الإنسان، نسرين زريقات، إن قانون منع الجرائم يخول الحكام الإداريين صلاحيات قضائية تتمثل بالقرارات الإدارية، وأي مواطن أراد الطعن لدى محكمة العدل العليا سيتحمل الرسوم المرتفعة التي تصل إلى 500 دينار، وهذا ما يشكل عائقا حقوقيا أمام الطعن.
احتجاز إداري دون تهمة
شخص واحد من كل خمسة أشخاص في السجون الأردنية يخضع للاحتجاز الإداري، كنتيجة لتراكم القيود الأمنية، وفق منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" التي طالبت الحكومة الأردنية في تقريرها الأخير بضرورة إلغاء كامل لقانون منع الجرائم. وقبلها طالب المركز الوطني لحقوق الإنسان في تقريره الخامس عن العام 2008 بإلغاء قانون منع الجرائم لما يشكله من انتهاك لحقوق الإنسان.
يسمح قانون منع الجرائم لسنة 1954 للمحافظين باتخاذ إجراءات بحق الأشخاص الذين "على وشك ارتكاب أي جرم أو المساعدة على ارتكابه"، ومن "اعتاد" اللصوصية أو إيواء اللصوص أو المساعدة على إخفاء الأموال المسروقة، أو كل من كان في حالة تجعل وجوده طليقاً بلا كفالة "خطراً على الناس". ويتبين من أحكام للمحاكم ومقابلات أجرتها المنظمة أن المحافظين يلجأون في أغلب الأحيان إلى التذرع بهذه الفقرة الأخيرة من القانون، وفقا لتقرير منظمة مراقبة حقوق الإنسان.
"المحافظون يطبقون قانون منع الجرائم بأساليب تخرق الإجراءات الواردة في ذلك القانون، وفق منظمة "مراقبة حقوق الإنسان"، ففي عدة حالات لم يصل أمر الاحتجاز الإداري إلى مكاتب، رغم أن القانون يتطلب أن يتولى المسؤول الحكومي المعني التحقيق في قضية المشتبه في حضوره".
ويرى كريستوف ويلكي، الباحث الأول في المنظمة، إن الانتهاكات تبدأ عندما يبدأ التوقيف الإداري لقضايا أصولها جزائية. "هناك شيء غريب في تطبيق القانون حيث يتم توقيف ناس لكونهم ارتبكوا جريمة، والأصل أن يحّولوا إلى القضاء لا إلى الحاكم الإداري".
تقرير المركز الوطني لحقوق الإنسان تناول جملة انتهاكات وقعت بحق مواطنين طوال عام 2008 كان سببها ذلك القانون. وعبر رئيس المركز عدنان بدران، خلال إعلانه عن التقرير عن وجود "تطور سلبي" طرأ على بعض القوانين ومنها استمرار العمل في قانون منع الجرائم.
صلاحيات فضفاضة للحكام
يخول قانون منع الجرائم لسنة 1954 الحكام الإداريين صلاحيات قضائية بموجب السلطة التي يتمتعون بها في توقيف الأشخاص وحجز حرياتهم؛ وهو ما يمثل تعديا على الحق في الحرية والأمان الشخصي، وخصوصا مع توسع صلاحيات الحكام الإداريين في الضبط الإداري دون توفير الضمانات القانونية بمسوغات الضرورة وحفظ الأمن والنظام العام، ودون مراعاة للأصول القانونية التي نظمها قانون منع الجرائم ذاته عند إصدار قرار التوقيف الإداري، وهو ما يعد مخالفة للأصول القانونية الدولية ومخالفة لقانون منع الجرائم نفسه.
"لابد من وضع ضوابط لقرارات الحكام الإداريين"، يقول بدران في معرض انتقاده لتطبيق قانون منع الجرائم.
ويتوافق موقف المركز الوطني مع تقرير منظمة مراقبة حقوق الإنسان الدولية التي اعتبرت في تقريرها الأخير أن أحكام قانون منع الجرائم "فضفاض" وتطبيقه "تعسفي" على السواد الأعظم من الحالات.
و"من الناحية العملية لا يوجد رقابة قضائية حقيقة على قرارات الحكام الإداريين بسبب ارتفاع الرسوم"، تقول زريقات وترى أن هذا يساهم في تجاوزات يسببها القيد الأمني ودواعيه "الفضفاضة جداً".
"عدم اتباع الحاكم الإداري للأصول القانونية في قانون منع الجرائم يعطي هامشا للأخطاء"، تقول نسرين زريقات وتسجل مخالفة في قيام الحاكم الإداري بإصدار إقامة جبرية بحق مواطن دون إصدار مذكرة حضور. وما يسجله المركز الوطني هو "توقيف أشخاص دون أي يراجعوا الحاكم الإداري بناء على تنسيبات من بعض الأجهزة الأمنية، فالإقامة الجبرية بناءً على تنسيبات من الأجهزة الأمنية هي صلاحيات كبيرة جدا وتتناقض مع معايير حقوق الإنسان".
ويوصي المركز الوطني لحقوق الإنسان وزارة الداخلية "بإلغاء قانون منع الجرائم، أو على الأقل نقل صلاحيات الحكام الإداريين بموجب قانون منع الجرائم إلى القضاء، لأنه حريص على الحريات أكثر من الحكام الإداريين"، تقول زريقات.
ويستمر الحكام الإداريون –وفق رصد المركز الوطني لحقوق الإنسان- بإبعاد الموقوفين إداريا إلى مناطق بعيدة عن مكان سكن عائلاتهم، وذلك رغم توزع السجون في معظم المحافظات وبما يرتب كلفة مادية ومعنوية إضافية على أسرهم، ولاسيما عندما لا تُخطر الأسر مسبقاً بالنقل المفاجئ لهم من سجن لآخر أو من مركز توقيف لآخر.
ويرى المركز الوطني لحقوق الإنسان، في قبض الضابطة العدلية على المشتكى عليهم وحجز حريتهم، خرقا لقانون أصول المحاكمات الجزائية والمعايير الدولية للحرية والأمان الشخصي، أبرزها: (أ) عدم التقيد بالضوابط والقيود القانونية الخاصة بمدة القبض التي حددتها المادة (100) من قانون أصول المحاكمات الجزائية، (ب) لجوء الأجهزة الأمنية إلى حجز الأشخاص بعد الإفراج عنهم بالتنسيب إلى الحكام الإداريين.
في العام الماضي 2008 وصل عدد المحتجزين إداريا داخل أراضي المملكة إلى 11870 حالة حولّت غالبيتها بأوامر من محافظين تابعين لوزارة الداخلية، بما يشكل خرقا لحقوق الإنسان.
بينما تعلن منظمة "مراقبة حقوق الإنسان العالمية عن وصول عدد الموقوفين إلى 14053 موقوفا إداريا، ويبقى أعداد الموقوفين إداريا في العام 2008 أقل مقارنة مع العام 2006 الذي سجل 20071 موقوفا.











































