الفقرُ المائيُّ في الأردن بين محدوديةِ المصادرِ وسوءِ إدارتِها

الرابط المختصر

يعتُبر الأردنُّ من أفقرِ دول العالم مائيًا، وفق الإحصائيات الصادرة عن الأمم المتحدة؛ إذ إن حِصةَ الفردِ السنويةَ أقلُّ من 100 مترٍمكعب، في حين أن الحِصةَ المقدّرةَ للفردِ عالميًا بحسب الامم المتحده يجبُ ألّا تقلَّ عن 500 مترمكعب، وذلك ما فتحَ البابَ على تساؤلاتٍ جمّة، أبرزُها تساؤلاتٌ عما إذا كان فقرُ الأردنِّ يعودُ إلى شُحِّ مصادرِه المائيةِ أم إلى سوءِ إدارةِ مواردِه. 

ومنذ عقودِ عديدة، تضاربت المعلوماتُ حول واقعِ الأردن المائيِّ، برباعيةٍ أولُها عدمُ دقةِ عبارةِ عدمِ وجودِ فقرٍ مائي وفقا لوزير المياه الأسبق منذر حدادين ، وثانيها سوءُ إدارةٍ للمواردِ، وثالثُها سياسيةٌ ضاغطة على الأردنِّ ليندفعَ باتجاهِ إسرائيلَ للحصولِ على مياه، ورابعُها فقرٌ مائيٌ حقيقيٌ جاء بعدَ نموٍ غيرِ طبيعيٍّ للسكانِ وتضاعفِهم خلالَ السبعين عامًا الأخيرة.

المتخصصون بالمياهِ وطبوغرافيةِ الأرضِ والمسؤولون السياسيون كلٌّ منهم يتبنى واحدةً من هذه الرباعيةِ، ويدافعُ عنها، مدلِّلًا على ما يقولُ بالدلائلِ والبراهين، بيد أنَّ كثيرًا من النَّاسِ في الأردنِّ يشعرُ بنقصِ المياه تحديدًا في فصلِ الصَّيفِ، وقد تحولت طريقةُ الحصولِ على المياهِ إلى نظامِ الدور لذا كان لابد من تسليط الضوء على هذا الملف الهام باعتباره ام المشاكل كما وصفه الأمين العالم الأسبق لسلطة المياه  المهندس فايز البطاينه الذي اعتبر أن مشكلة الاردن ليست محصورة في سبب واحد إذ انها تنقسم بين شح مصادر المياه وسوء الإدارة لتلك الموارد

 

وقال البطاينة إن مشكلةَ الأردنِ المائيةَ يُمكن اعتبارُها مزدوجةً؛ إذ إنَّ الأردنَّ يعاني من محدوديةٍ في مصادرِ المياه، بالإضافةِ إلى سوء إدارةِ تلك الموارد.   

 

وأضاف إن الأردنَّ يعتمدُ إلى حدٍ كبيرٍ في سدِّ احتياجاتِه المائيةِ على استخراجِ المياه الجوفية؛ إذ يستخرج سنويًا 450 مليون متر مكعب، ذلك أن الاستخراجَ بهذه الكمياتِ يعتبر غير آمن، إلا أن واحدًا من التحديات التي تواجه الاستخراج هي الكلفةُ العاليةُ، حيثُ تحتاجُ إلى طاقةٍ كهربائيةٍ كبيرة، نظرًا لكونِ أغلبِ الأحواضِ المائيةِ توجدُ بها المياهُ على أعماقٍ سحيقةٍ، وقد تصل إلى أبعدَ من مستوى سطحِ البحر. 

 

وبيّن أن من الأسبابِ التي أدت لذلك ظاهرةُ النموِّ السُّكانيِّ المتزايد، إضافةً لاستقبالِ الأردنِّ عددًا كبيرًا من موجاتِ التهجيرِ والنزوح، مشيرًا إلى أن حِصّةَ الفردِ عامَ 1946 كانت تساوي 3400 مترٍ مكعبٍ سنويًا مقابلَ 61 مترًا اليوم. 

 

وقال دكتور جيولوجيا المياه في جامعة الحسين بن طلال محمد الفرجات إنَّ مشكلةَ الأردنِّ مائيًا مصادريةٌ في المقام الأولِ، على اعتبارِ أنه يحتاجُ سنويًا بالحدِّ الأدنى إلى مليارٍ ونصف المليارِ مترٍ مكعبٍ لسدِّ احتياجاتِه، مقابلَ 800 مليونِ مترٍ مكعبٍ تتوافر سنويًا فقط، ذلك ما يُشكِّلُ نصفَ الحاجةِ من الحدِّ الأدنى لحاجته من المياه. 

 

وفي معرض حديثه قال الفرجات إن الناقلَ الوطنيَّ الذي تواجِهُ إقامتُه للآن تحديًا يتعلّقُ في الكلفةِ، ابتداءً من كُلفةِ إنشاء محطات التحلية مرورًا بكُلفةِ الضخِّ والاحتياج للطاقةِ، بالإضافةِ لكونِه قد يحتاجُ إلى ثلاث سنواتِ؛ لكي يبدأَ العملَ من لحظةِ البَدءِ بتنفيذِ المشروع. ونوّه الفرجات إلى أن الناقلَ سيحتاجُ إلى حوالَي ثلاثةِ ملياراتِ دولارٍ، على اعتبارِ أنّه سيعملُ بكفاءة أعلى ثلاث مراتٍ من تلك التي يعمل بها مشروع الديسي الذي يؤمن 100 مليون مترٍ مكعب؛ إذ سيؤمّن الناقلُ 300 مليون مترٍ مكعب من مياه البحر المُحَلّاة.

وبيّن الفرجاتُ أنّ المشروعَ سيكونُ حلًّا لخمسة سنواتٍ قادمةٍ، فيما سيحتاجُ الأردنُّ بعد هذه المُدةِ من الإنشاء إلى تطويرِه -في حالِ بقيتْ نِسبةُ الزيادةِ في السّكانِ كما هي الآن- بحيثُ ترتفعُ كميةُ إنتاجِه بنسبةِ الضعفِ لتصبحَ 600 مليونِ مترٍ مكعبٍ. 

 

وفي سياق متصل، أوضحَ الفرجات أنَّ ناقلَ البحرينِ الذي كان من المُزمعِ إنشاؤُه بجهدٍ مشتركٍ من الأردنِّ والكِيانِ الصُّهيونيِّ والسلطةِ الفلسطينيّةِ، لم يكُن يهدُفُ في المقامِ الأولِ إلى سدِّ احتياجِ الأردنِّ المائيِّ بحيثُ يمنحُ 15 مليونَ مترٍ مكعبٍ فقط، وأنَّ غايتَه الرئيسةَ تعويضُ الفاقدِ السنويِّ لمنسوبِ البحرِ الميّتِ الذي يتناقصُ سنويًا بمعدلِ 1 متر مكعب إلا أن ظروفًا سياسيةً أدت إلى إلغائِه كليًا. 

 

وصرح المهندس الزراعي والباحث الجيولوجي في مديرية زراعة إربد طاهر الجراح: إنَّ الأردنَّ لا يُعاني شُحًّا في المصادرِ، بل إنّ مشكلتَه الرئيسةَ تكمُن في سوء إدارةِ تلك المصادرِ وفي عدم استغلالِها بالشكلِ الصحيحِ. مشيرًا إلى أنَّ الأردنَّ يعومُ على بحر من المياه الجوفية، وأوضحَ الجراح أنَّ حوضَ وادي عربةَ الشماليَّ والجنوبيَّ يحوي كمياتٍ كبيرةً من المياهِ التي يؤدي عدمُ استخراجِها إلى هجرتِها لأحواضٍ جوفيةٍ مجاورةٍ في منطقةِ بئرِ السبعِ. وبيّن أنَّ نسبةَ الهطولِ السنويِّ تبلغُ 8 ملياراتِ مترٍ مكعبٍ يتبخَّرُ منها 90% من المجموعِ العامِّ، نظرًا لعدمِ استغلالِ هذه المياهِ من خلالِ بناءِ السدودِ التي تعتبرُ قليلةً في الأردن، بحيث لا تتجاوز ال 12 سدا معتبرًا أن نسبةَ استغلالِ المياهِ السطحيةِ قليله. 

 ولفت الجراح الانتباهَ إلى أنَّ سيلَ عمان الزرقاء يشكلُ خطرًا على الإنتاجِ الغذائيِّ في الأردنِّ، باعتبارِه ملوثًا ويحتوي على عناصرَ ثقيلةٍ لها تبعاتٌ سيئةٌ على الزراعةِ، مؤكدًا أنَّ إنتاجِ الموزِ في الأغوارِ قد تراجعَ باعتباره من النباتات التي لا تقاوم الملوحةَ، وفي حال بقي الحال على ما هو عليه دون إيجادِ حلٍّ لمشكلتِه فإن الأغوارَ الشماليةَ مهدَّدةٌ بألّا تكونَ صالحةً للزراعة خلال الثلاثين عامًا القادمة. 

 

 

وقال الخبيرُ الجيولوجي في وِزارة البيئةِ باتر وردم إنَّ أبرزَ المشاكلِ التي تعانيها الأردن في مِلفِّ المياه تكمُن في كون الأردن لا يمتلك اتفاقيات واضحة فيما يتعلق بالمياه الجوفيةِ الحدوديةِ، على أنَّ السعوديةَ تشترك معنا في مياه الديسي؛ إذ إن 92% من مجموع الحوضِ يوجدُ في السعوديةِ وتستَخرِجُ منه لريّ بعض المشاريع الزراعيةِ لديها.

وفي ذات الصددِ، بيّن وردم أنّ تلك القضيةَ غيرُ معزولةٍ عما يعانيه العالمُ ككلٍّ فيما يتعلق بمسألة التغير المناخي، حيث إن تلك المشكلةَ قد انعسكت على الواقعِ المطريِّ في الأردن كمًّا ونوعًا، حيث إن نسبةَ الهطولِ تراجعت بنسبةِ 10% منذ خمسين عامًا وَفق الإحصائياتِ، وأوضحَ أن الهطولَ أخذ يتركّزُ في المناطقِ الشرقيّةِ والجنوبيةِ، معتبرًا أن ذلك يمكن أن يشكلَ تحديًا، نظرًا لكونِ المياهِ السطحيةِ باتت تتركّزُ في مناطقَ صحراويةٍ درجةُ التبخر فيها أعلى من غيرها، نظرًا لكونِ التربةِ الصحراويةِ أقلُّ احتفاظًا بالمياه باعتبارها ذاتَ مساميّةٍ أعلى. 

 كما أوضح أنَّ إدارةَ ملفِّ المياهِ يجبُ أن يأخذَ شكلًا مختلفًا حيث يشكّلُ مجلسُ أمنٍ قوميٍّ شبيهٍ بمجلسِ إدارة الأزماتِ، ويأخذ ذلك المجلسُ صلاحياتٍ لفتراتٍ طويلة؛ لأنَّ ذلك الملفَّ يحتاجُ لمتابعةٍ طويلةٍ من جهةٍ واحدة، لكي لا تتشتَّتَ جهودُ القائمين على هذا الملفِّ. 

 

وفي تعليقه على مشروعِ الناقلِ الوطني قال وردم إنَّ ثمةَ عرضًا تم تقديمُه يغطي 50% من تكلِفة المشروعِ لحد هذه اللحظة، فيما لم يتم تغطية النصف المتبقي من المشروع.

وأردف وردم أن الاتفاقيات المائية مع الكيانِ الصهيوني لا تتجاوزُ 10% من موازنةِ الأردنِّ المائيةِ العامة، اذ لا تتجاوز ال100 مليون متر مكعب سنويا لافتًا إلى ضرورةِ العملِ على الحدِّ من نسبةِ الفاقدِ التي تبلغُ 250 مليونَ مترٍ مكعبٍ تتوزعُ بينَ فاقدٍ إداريٍّ يتعلقُ بالسرقاتِ، وفاقدٍ فنيٍّ يتعلقُ بانفجارِ الخطوطِ وتهالُكها.