"الفاقد التعليمي" معلمون مجبرون على العمل بالمجان
ترددت مريم (اسم مستعار)، المعلمة في إحدى المدارس الخاصة في العاصمة عمان، في تقديم شكوى إلى وزارة العمل، باعتبارها الجهة المرجعية لمعلمي القطاع الخاص، عندما أبلغتها إدارة مؤسستها بوجوب التحاقها بالتدريس في برنامج الفاقد التعليمي بالمجان، من 15 آب ولغاية 12 سبتمبر 2021 والذي أطلقته وزارة التربية والتعليم بهدف "مساعدة الطلاب على التهيؤ ذهنيًّا وعلميًّا من أجل العودة إلى المدرسة وتعويض ما فاتهم من تعلم المعارف واكتساب المهارات الأساسية".
ووفقاً لتقرير نشرته جمعية تمكين للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان بمناسبة يوم المعلم العالمي يوم 5 تشرين الأول/أكتوبر، يعمل 43205 معلم ومعلمة، أي بنسبة 31% من إجمالي عدد المعلمين في الأردن، في 3500 مدرسة خاصة ورياض أطفال، مقابل أجر يتراوح ما بين 50 و200 دينار شهريا، وفي حالات قليلة يصل إلى ما بين 300 و600 دينار.
شعرت مريم بعدم العدالة، بحسب وصفها، إذ أجبرتها إدارة المدرسة على الالتحاق بالبرنامج من دون مقابل، مع ما صاحب ذلك من تكبدها تكاليف المواصلات، و اضطرارها للابتعاد عن أطفالها ساعات طويلة، على عكس معلمي المدارس الحكومية الذين جاءت مشاركتهم في البرنامج اختيارية، ومقابل مكافأة مالية زيادة على الراتب.
لكن مريم لم تجرؤ على تقديم شكوى، وفق اعتقادها الذي كونته بناء على تجربة سابقة لها، عندما تقدمت لوزارة العمل باستفسار لشكوى ضد مديرة مدرسة عملت فيها سابقاً، ما اضطرها في النهاية إلى التفاوض مع المشتكى عليها والتنازل عن جزء من حقوقها حتى لا تخسر كل مستحقاتها.
تقول مريم أن الموظف في القطاع الخاص يخشى أن يعرف رب عمله - بطريقة أو بأخرى- بأنه صاحب الشكوى فيخسر عمله ومصدر رزقه، فيفضل القبول بأجره المنخفض أو خسارة بعض مستحقاته على خسارة الوظيفة بأكملها، خصوصاً في ظل ندرة فرص العمل وارتفاع نسب البطالة.
انتهاكات بدون شكوى
حملة "قم للمعلم" طالبت على لسان منسقتها، المعلمة ناريمان الشواهين، بدفع مكافأة لمعلمي المدارس الخاصة مقابل عملهم في برنامج الفاقد التعليمي، بقيمة 150 دينارا، أسوة بمعلمي المدارس الحكومية، وتساءلت "كيف يكون برنامج تعويض الفاقد التعليمي اختياريًا للطلبة، ومعلمي المدارس الحكومية، لكنه إلزامي لمعلمي المدارس الخاصة، ومن دون مقابل مالي، علمًا أنه يعتبر عمل إضافي وفق قانون العمل".
وتنص المادة (59/أ) من قانون العمل رقم 8 لسنة 1996 وتعديلاته، على أن "يجوز تشغيل العامل بموافقته أكثر من ساعات العمل اليومية او الاسبوعية على أن يتقاضى العامل عن ساعة العمل الاضافية أجرا لا يقل عن 125% من أجره المعتاد". وينص البند ب من نفس المادة على أنه "إذا اشتغل العامل في يوم عطلته الأسبوعية أو أيام الأعياد الدينية أو العطل الرسمية يتقاضى لقاء عمله عن ذلك اليوم أجرا إضافيا لا يقل عن 150% من أجره المعتاد".
تأمل مريم أن يتم وضع قوانين تحمي معلمي المدارس الخاصة، وتمنحهم الأمان الوظيفي، وتخلصهم من مخاوف الاستغناء عنهم في أي لحظة. كما تأمل بأن تراعي الحكومة في إصدار وتطبيق قراراتها جميع الفئات بالتساوي، في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة التي يعاني منها معظم الناس، على حد تعبيرها.
تقرير جمعية "تمكين" أشار أيضاً إلى ما وصفه "انتهاكات" في حق معلمي المدارس الخاصة، تمثلت في الأجور المتدنية والتي قد تقل أحيانا عن الحد الأدنى للأجور، وإجراءات الفصل التعسفي، وإنهاء عقود العمل مع نهاية كل فصل حتى لا تلتزم إدارة المدارس الخاصة برواتب العاملين والعاملات خلال فترة العطلة، فضلا عن حرمانهم من الإجازات السنوية والمرضية، وطول ساعات العمل، وإلزام بعضهم بالعمل يوم السبت دون الحصول على بدل عمل إضافي.
الناطق الإعلامي في وزارة العمل، محمد الزيود أكد أن "الوزارة تعامل كل شكوى بجدية بغض النظر عن طبيعتها أو المؤسسة المشتكى عليها، وتعتبر أن كل عامل يمثل نفسه".
وأوضح في حديثه معنا أن "الوزارة تتواصل مع المؤسسة المشتكى عليها فور تقديم الشكوى من العامل، وفي حال ثبت قانوناً وجود حقوق مالية له، تُبلغ الجهة المشتكى عليها، فإن رفضت التعاون ومنح العامل حقه تتمّ مخالفتها، ثم يتابع العامل المشتكي شكواه من خلال القضاء". من جهة أخرى قال الزيود أنه لا علم له بوجود شكاوى من معلمين في القطاع الخاص بخصوص عملهم في برنامج الفاقد التعليمي.
الحرمان من المكافأة قانوني!
العضو السابق في لجنة التربية والتعليم في البرلمان، هدى عتوم، تقول إن العدالة تقتضي تطبيق تفاصيل القرار الخاص بـ"الفاقد التعليمي" على جميع المعلمين والمعلمات في القطاعين العام والخاص، دون تمييز من حيث الحق في الإختيار بالمشاركة، وصرف المكافأة المالية، سيما وأن "مدارس التعليم الخاص كانت الأكثر كفاءة في متابعة الطلاب خلال فترة الجائحة". وأضافت: "وأعتقد أنها كانت أكفأ من مدارس الحكومة، أيضاً، في التعامل مع برنامج الفاقد التعليمي. على وزارة التربية والتعليم أن تستفيد من تجربة مدارس القطاع الخاص، خصوصا من طريقة إدارتها لملف التعليم عن البعد".
يقول نقيب أصحاب المدارس الخاصة، منذر الصوراني، أن المدارس الخاصة تعاني ظروفاً صعبة، ولا قدرة لديها لمنح المعلم العامل لديها مكافأة علاوة عن الراتب الذي يتقاضاه خلال فترة العطل.
ويوضح أن "الحكومة تتلقى دعماً للصرف على معلمي مدارس القطاع العام، على عكس القطاع الخاص الذي لا يتلقى دعما من أي جهة. لذلك نفذت المدارس الخاصة قرار الحكومة في تعويض الطلبة عبر برنامج الفاقد التعليمي، رغم انخفاض إقبال الطلبة على البرنامج في بعض المدارس الخاصة"، مضيفاً أنه في المدرسة التي يديرها هو شخصيا لم يحضر للبرنامج أكثر من خمسة عشر طالباً، ورغم ذلك اضطر جميع المعلمين للالتحاق بالدوام، على حد قوله.
وفي السياق ذاته يشرح لنا مدير إدارة التعليم الخاص في وزارة التربية والتعليم فايز المعاريف، أن "المعلم في القطاع الخاص يرتبط مع صاحب العمل من خلال عقد عمل موحد بموجب قانون العمل، لذلك يحق له الحصول على 14 يوم إجازة سنوية علاوة على الإجازات المرضية، بالاتفاق بين الطرفين، وليس عطلة صيفية حسب التقويم المدرسي"، لذلك لا يعتبر عدم منحه مكافأة مالية مقابل دوامه في برنامج الفاقد التعليمي مخالفة، "على عكس موظف القطاع العام، إذ يعتبر موظف دائم خاضع لقانون الخدمة المدنية وليس لوزارة العمل".
وبحسب المادة (61/أ) من قانون العمل فإنه " لكل عامل الحق باجازة سنوية بأجر كامل لمدة أربعة عشر يوما عن كل سنة خدمة إلا إذا تم الاتفاق على أكثر من ذلك على أن مدة الاجازة السنوية واحداً وعشرين يوماً إذا أمضى في الخدمة لدى صاحب العمل نفسه خمس سنوات متصلة، ولا تحسب أيام العطل الرسمية والأعياد الدينية وأيام العطلة الأسبوعية من الاجازة السنوية".
بهذا المعنى، إذا كان عقد المعلم في القطاع الخاص ساري المفعول، للمؤسسة التعليمية الحق في استدعائه للدوام يومياً، أما في حال انتهاء العقد، فالمدرسة مجبرة على منحه بدل العمل الإضافي في برنامج الفاقد التعليمي، وفقاً للمعاريف.