الفائزون والخاسرون في غزة
خلافاً لأوقات الهدوء، فإن أوقات الحرب تجلب الأفضل والأسوأ لكثير من الناس. والحروب أيضاً فرصة الشعب للنجاح أو الفشل. فالحرب الإسرائيلية على غزة لها بالتأكيد فائزوها وخاسروها بالرغم من أن القائمة قد تتغير والزعماء قد ينتقلون من جانب إلى آخر. وهذه قائمتي الأولية للفائزين والخاسرين:
الخاسر الأول والأكبر كان النظام الدولي الذي لم يتمكن من وقف اعتداء واضح غير متكافئ من الحدوث. على القانون الإنساني الدولي، الذي كان يستجمع قواه في السنوات الأخيرة، ليظهر ما إذا كان قادراً على ردع السياسيين الإسرائيليين وقادة الجيش والطيارين في القوات الجوية وغيرهم من القادة العسكريين من تنفيذ جرائم حرب ضد السكان المدنيين والمؤسسات الدولية والتعليمية والإعلامية والصحية.
في السياسة، فإن اختياري للخاسر الكبير يقع على أمير قطر الذي أحرج نفسه في إصراره على عقد قمة عربية بعد أن فشل في جمع النصاب القانوني، وسمح لزعيم حركة حماس واثنين من القادة الفلسطينيين في دمشق ملء المقاعد الخاصة بالوفد الفلسطيني. والناطقون الفلسطينيون قالوا كل شئ ما عدا اتهامهم الأمير بان الأمير لم يكن صادقا ملمحين إلى أنه قد وعد بأن أيا من قادة حماس سيكون حاضرا في الاجتماع الاستشاري في الدوحة. وقال مساعدو عباس (عريقات وعبد ربه تحديدا) للصحفيين إن لديهم تسجيلاً لمحادثة هاتفية للأمير مع الرئيس عباس دون ذكر ما الذي قاله تماماً ودون نشره فعلياً.
أما جائزة العنجهية فتذهب لرئيس الوزراء الإسرائيلي المغادر منصبه والمخزي الذي يتباهى بأنه سبّب إحراجاً للوزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس. فقد تحدث بنبرة الثقة بالنفس، وتفاخر أولمرت كيف أنه طلب من الرئيس الأمريكي، جورج بوش، بأن يقطع خطابه الذي كان يلقيه في فيلادلفيا ليرد على مكالمته الهاتفية، وانه بشكل أو آخر أمر بوش على إجبار رايس عدم التصويت لصالح قرار مجلس الأمن الدولي الذي وضعته مع نظرائها الأوروبيين. كم هو حكيم أن يتم التباهي بإحراج الوزيرة الخارجية الأفريقية الأمريكية الأولى قبل أيام قليلة من إدلاء اليمين الدستوري لأول رئيس أميركي أفريقي لتولي الحكم!
وفي وسائل الإعلام يوجد، في نظري، الرابح والخاسر. فالحرب لديها طريقة في رفع أو إفشال وسائل الإعلام خاصة الجديدة. كان ظهور ال سي أن أن (CNN) لأول مرة في الحرب الأمريكية الأولى على العراق. والجزيرة نجحت في الانتفاضة الثانية، وهذه الحرب على غزة فالفائز الواضح هو الجزيرة الدولية. فمع عدم السماح بدخول الصحفيين الغربيين غير العرب إلى غزة، فإن وسيلة الإعلام الناطقة باللغة الإنجليزية والتي كان لها المجال متاحاً، نجحت ليس فقط في سد الفجوة المعلوماتية ولكن قامت بذلك باحتراف وتوازن. وخلافاً لمحطة الجزيرة العربية الأم التي تمادت عاطفيا في أكثر من مناسبة ونشرت أخباراً غير صحيحة وبدون تصليح من مصادر وحيدة (المقاتلين)، فإن قناة الجزيرة الدولية حافظت على اتزانها وحازت على احترام الكثيرين في جميع أنحاء العالم. في مجال الإذاعات نجحت ال بي بي سي البريطانية نجاحاً كبيراً حيث ملأت الموقع الذي كانت مونتي كارلو تتربع عليه في الماضي. وبالنسبة لي وللآخرين فإن الفضائية "العربية" قد حازت على احترام الكثيرين ولو لم تكن المحطة العربية الأولى التي تشاهد (لا يزال هذا التصنيف يعود إلى الجزيرة العربية). نجحت العربية بإعطاء تحليل أكثر دقة وشمولية، وتقديم تقارير ميدانية أفضل (مع قصص إنسانية جدية وملفتة)، ولم تخف أو تقلق من إظهار الفلسطينيين يقولون أنهم خائفون. ولم تقع العربية فريسة تكرار الصور التي ما كان ينبغي أن تظهر على أية محطة تلفزيونية من دون إنذار المشاهدين. وهي أكثر من أية وسيلة إعلامية أخرى عملت على أنسنة الفلسطينيين، مظهرة الأطفال يعبرون عن الخوف والقلق بدلا من حصر المشاهد التلفزيونية بالتباهي ببيانات الشجاعة وعدم الخوف فقط.
بالإضافة إلى الرابحين والخاسرين فهنا جبناء وأبطال. لقد وصف المفكر العربي عزمي بشارة ما قام به الجيش الإسرائيلي أنه "أجبن حرب في التاريخ المعاصر". أما الأبطال فمنهم الأطباء والممرضون ومنهم الصحفيون ومنهم عاملو الاتصالات والكهرباء والأفران. كما لا بد من فلسطين أن تكرم المتعاونين العرب والأجانب والذين بقوا في غزة أو وصلوها عند المقدرة. وفي هذا المضمار، لا بد من الإشارة بالعاملين في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين وخاصة الأجانب الذين بقوا في المقار والمخازن وكانوا أحياناً الجهة الوحيدة المنسقة لاحتياجات كافة المواطنين وقد أبلوا بلاء حسنا حسب كل الشهادات.











































