الـغـنـاء الشـعبي: حـارس الـذاكـرة..لا حـارس لـه

الرابط المختصر

ترتبط الأغنية الشعبية في أي بلد بموروث الناس وبعاداتهم وتقاليدهم، ويحرص القائمون والمختصون بهذا الفن على تأكيد أهميته وضرورة استمراره والتذكير به أمام ما تشهده الأغنية العربية من انحدار.للأغنية الشعبية أنواع؛ أغاني الأعراس والاحتفالات الدينية وأغاني العمل، الأرض وأغاني البنَّائين، لكن ومقابل ذلك هل باتت الفضائيات بما تعرضه، تساهم بظهور نمط جديد من الظواهر الاجتماعية باتت تسمى بالأغنية الشعبية، وهي بذلك البديل عن الأغنية الشعبية التراثية التي تعبر عن طباع الناس وعاداتهم في الحياة أم أنها النقيض.



شهيناز عبد الهادي أم لثلاثة أطفال يعملون مع فرقة الحنونة للفنون الشعبية، تقول أنها مهتمة جداً بوجود أولادها بفرقة مهتمة بالتراث الشعبي، "لأن الجيل الحالي بات يهتم بثقافة السوبر ستار وستار أكاديمي، لا بد لهم من أن يتمسكوا بالتراث الشعبي، وهو ما أطمح إليه".



الحنونة أيقونة التراث..نموذجا



لشهيناز ثلاثة أطفال أكبرهم لا يتجاوز 12 عاما، هل ذهبوا إلى فرقة الحنونة بدافع منهم أم بدعم من أمهم، تقول عبد الهادي "مني ومنهم، ولدّي رغبة شديدة في تواصلهم مع الفرقة"، وعن كيفية التي بدأوا فيها العمل مع الفرقة، "حضرنا عرضا للفرقة، وعبروا لي عن سعادتهم فيما لو تلقوا تدريبا معهم، وكان هذا، ومن خلال تدريبهم باتوا يهتمون بالتراث القديم والأمثال والعادات القديمة لأجدادنا، وانعكس على شخصياتهم".



وحال شهيناز لا يختلف تماما عن حال مجد الخولي، والدة الطفلين زيد 4 أعوام أصغر أعضاء فرقة الحنونة ورند 10 أعوام، "أنا سعيدة جداً بأطفالي؛ يدبكون على المسرح، أراهم بحيوية كبيرة وشخصية قوية، ومن هنا لاحظت أن شخصيتهم تطورت كثيرا وعندما يذهبون إلى البيت ينتقدون أنفسهم ومن حولهم، وهذا ما أصبوا إليه".



وتتابع أنها كانت توجههم في بادئ الأمر، وتقول لهم "أنظروا إلى هذا النوع من الفنون والإبداع"، مقابل الثقافة المعاصرة، "أحسست أن لديهم أذن موسيقية تمرنت مع فرقة حنونة الشعبية، وباتوا متحمسين لحضور جميع بروفات الفرقة".



وكيف استفاد أطفالك، "يعملون بمجال يعرفهم على ذاتهم أصلهم هويتهم، وبالتالي يجدون أنفسهم".



عروض الحنونة مستلهمة من التاريخ، وتعمل على توثيق الأصالة وتعرف نفسها "بأنها تؤمن بأن الثقافة الشعبية (التراث الشعبي) تشكل حاضنا أساسيا لكافة تفاصيل الوطن وأن جمع وتوثيق وفهرسة تلك التفاصيل ومفرداتها وإعادة تقديم كل ما يمكن تقديمه منها بشكل عصري وأصيل".



رئيس جمعية الحنونة، موسى صالح تحدث عن فرقة الحنونة للفنون الشعبية، ورسالتها والعقبات التي تواجهها، "العرض قد لا يمثل مقياس جهد ونشاط فرقة الحنونة، لكنه يمثل التجربة وهي تجربة متجذرة في الأرض منذ حوالي ستة عشرة عاماً، وعلى مدى هذه السنوات واجهنا عقبات لا نهاية لها، بدءا بعقبات تمويل البرامج؛ فبرنامج الحفل أخذ وقت طويلا من التدريب، ونحن أصلاً فريق متطوعين لكن على الأقل يجب أن نقدم لهم بدل مواصلات تدريبهم بالإضافة إلى مصاريف تسجيل الموسيقى والنغمات الشعبية في البرنامج وتمويل مخرج الحفل وهو ليس من الفرقة نفسها. فمشكلة التمويل كبيرة".



عقبات كثيرة تواجهها الحنونة وحالها لا يختلف كثيرا عن حال الفرق المعنية بالتراث الشعبي في الأردن، ويتابع صالح "القضية الأخرى هي إيجاد مكان للتدريب. استئجار مدارس للتدريب ليس سهل أبداً، هذا غير جمع المادة لعمل مسرحي غنائي مبني ومنهلّ من التراث الشعبي ليس أمرا هيناً".



وحول العرض الذي قدمته الفرقة مؤخرا، قال "كان عملا جيداً، لكن فيه بعض النواقص، وعلى الرغم من الجهود الهائلة التي قامت بها الفرقة منذ الأربعة شهور، فريقنا صغير وغير محترف يجب تدريبه على الحركات التراثية والأداء الدرامي والمسرحي، وهو أمر غير عادي، نظراً لأن أكثرهم طلابا وطالبات مدارس، لكن رد الفعل الجميل من الناس على ما تقدمه الفرقة المسرحية يعطينا دفعة للأمام للاستمرار".



تركزون على الأطفال في عملكم ؟



"هذه هي الرسالة، رسالة الحنونة هي تعريف هؤلاء بالثقافة والتراث، بمعنى آخر تعريفها بهويتها ونحن فخورين بأن نكون الجيل الخامس في الفرقة الذي يتخرج، فهموم الدنيا ومشاغلها تجعل الكثير من أعضاء الفرقة يتساقطوا أو يسافروا أو يتزوجوا، لهذا فلدينا باستمرار روافد من فريق البراعم الصغار، فهذا الفريق يمد الفرق الثاني بالأعضاء".



ويضيف صالح أن أعمال الفرقة ومشاركة الجيل السادس من الأطفال معهم، هي "رسالة موجهة لهذا الجيل أمام الثقافات الهائلة التي نتلقاها عبر الفضائيات ووسائل الإعلام الكثيفة. فنحن مع أن يتواصلوا مع العالم ويتعرفوا عليه، لكن المهم أن يتواصلوا وهم مدركين لهويتهم وعارفين لأنفسهم وحدودهم وأن يدركوا الصحيح من الخاطئ المبني على الجذور".



"أرى أنها أدت دور جيد في السنوات الماضية".



وتهدف الحنونة كما تنشر في نظامها الداخلي أنهم "يعملون على وضع نظري وعملي لمادة الثقافة الشعبية ليصبح أساسا لتعليم هذه المادة للأجيال الناشئة وتدريبهم على مفرداتها ليتم غرس القيم الوطنية والإنسانية في هذه الأجيال"، ويقول مشرف عام فرق الحنونة، المهندس سعادة صالح، أن عملهم الأخير قسم إلى جزأين الأول مباشر في طرحه والثاني غير مباشر، متحدثا عن الصعوبات المادية التي تواجهها الفرقة.



ويقول سعادة، "نحن لا ندعي حراسة ذاكرة الثقافة الشعبية، وفلسفتنا أساسا تعتمد على كجزء من العمل العام، وتعتقد أن لها دور كبير في حراسة هذه التفاصيل، وهناك محاولات للإلغاء وتشتيت كبير للأجيال الجديدة، وقد نكون قد نجحنا عندما ترى أجيالا صغيرة تعمل معنا، ومنهم لم يزد عمره عن الأربع سنين مثل زيد، فإذا يمكن أن يكون الأمر متعلق بالتربية".



وعن الدعم المادي يقول سعادة، "لست مضطرا للحديث عن عملنا الأخير أنه بالدين، لكن لأجل نجاحنا يجب أن نكون مستقلين".



حراس الذاكرة



نعمات صالح، أمين سر جمعية الحنونة، قالت "اعتدنا في الحنونة أن نقدم ونستلهم عروضنا من التاريخ من باب، وندعي أننا حراس الذاكرة، وفي حراسة الذاكرة اخترنا الواقع بكل ما فيه من تعب وإرهاق، نعبر عن الوقع الأليم من خلال الرقصات التعبيرية مستحضرين التاريخ العريق، ومن خلال طابع نقوم به داخل الحنونة طابعه عروبي أكثر منه فلسطيني".



"نسعى لأن نقدم هويتنا ونؤكدها من خلال العروض المقدمة، وكحد أدنى لمواجهة الثقافات الغريبة علينا، التي تجعلنا نغترب عن ثقافتنا، وهذه الثقافات التي نعيشها هي تجعلنا نتمسك أكثر بما نقدمه".



وعن ما تقدمه فرقة الحنونة، تقول نعمات "نقدم تلك الأغنيات الممزوجة بالتراث بأسلوب جديد يتواءم مع روح العصر، وهذا نابع من كوننا ندرب أطفالا ونجدد في ما نقدمه دوما من عروض".



وتتحدث نعمات عن تجربة الحنونة وتقول " الحنونة تتميز على أنها قادرة على أن تخاطب كل الفئات الاجتماعية، والثقافية والعمرية ومن يستطيع أن يستفز الروح وينبش داخل الذاكرة فلن يكون صعب من أن يكون هناك حضور،



الحنونة، التي تتميز بالرقصات الشعبية، والعروض الاستعراضية غيرت من أسلوبها هذه المرة، "ملنا على الدراما في العرض، أكثر من الطابع الفلكلوري والذي يتضمن الرقصات الشعبية، ووجهنا صد من الشباب الذي يعملون معنا قالوا وقتها الحنونة ليست هكذا، هي فلكلور، وعندها أفهمناهم أن التراث ليس هكذا فحسب فهو أكبر من ذلك بكثير ونعول على حجم الدائرة التي تزداد اتساعا يوما بعد يوم".



"الطريق شاقة وصعبة لكننا نحاول".



كيف يمكن للمؤسسات المعنية بالتراث دعم من يشتغل على التراث؟



"نحن فريق تطوعي نقوم بحراسة ذاكرة الناس، وأزلنا الغبار والقشور القديمة التي تراكمت على حياتنا، ومع أن إمكانيات الدعم ضيقة ومحدودة، لكن دورنا أن نواصل ونستمر في العطاء، لو كانت الإمكانات المادية أكبر لكان الجهد أكثر تميزا بالتأكيد لكنني أعتقد أن فرقة الحنونة قد قدمت عرضا جيدا والعروض القادمة ستكون أفضل".



كــي لا يــضــيــع



الحنونة، تحظى بشعبية واسعة في المملكة وفلسطين، قدمت عرضين مؤخرا وبطبيعة الحال جذبت الفرقة جمهوراً عريضاً، لا تحظى به الفرق الأخرى، معتمدة على أجواء شعبية ودبكات وعتابا وميجانا. وبرأي النقاد أن الحنونة لم تحدث الاختلاف في جميع عروضها، فالمتغير الوحيد هم المؤدون الذين يتجددون، فهم الجيل السادس من الحنونة، يتضمن شبان يافعين وأيضا أطفالاً، فهي بالأساس تعتمد على تخريج الأجيال.



وترى نعمات أن مشكلتهم بالفرقة مادية، "قد لا يصدق أحدا أننا استدنا كي ننظم الحفل، ومّصرين على إكمال الطريق". وتؤكد "لا نرمي هذا العائق على المؤسسات، إنما نلوم المثقف والموسيقي؛ فالحنونة ليست جمعية للفرقة إنما للثقافة الشعبية عامة، ولا زالت الأذرع الأخرى متوقفة لعدم وجود إمكانات مادية".



أوج النبالي 16 عاما ممثل في فرقة الحنونة، "أنا راض عن مشاركتي، وسعيد جداً"، ويعبر النبالي عن تمسكه بفرقة الحنونة، قائلا "هي بيتي الثاني، ومن أهم أولوياتي". لماذا ؟ يجيب "لأننا مطالبين بحماية تراثنا، ولكي لا يضيع ويبقى مستمرا وننقله من جيل إلى جيل".



ويتابع.."تراثنا لم يضع، وموجود وسنعمل على استمراره من خلال الحنونة".



وترى زميلته في العمل حيفا صالح 16 عاما، "لا بد لأي شخص أن يتعرف على تراث بلده، لأن البوب ميوزيك وغيرها لا تعبر عنا كعرب، والعرض الذي قدمته مع الحنونة يتحدث عن ما أي شيء تريده أمريكا تعطينا إياه وهو حالنا تماما".



سمر طه قريبة أحد الأطفال المشاركين بفرقة الحنونة، حضرت عرضهم الأخير، تقول "الأطفال بذلوا جهدا كبيرا، سعيدة بأطفال يتواصلون مع الكبار".



محمود وأمل عودة، زوجان أدخلا طفلهما مصطفى، ويقول الأب أن أهم ما تقدمه الفرقة لهم هو تعليم أطفالهم قيم المحافظة على التراث وتناقله والتمسك به، بالإضافة إلى صقل شخصيتهم وإعطائهم الثقة بالنفس التي يحتاجونها حيث يقول الوالد "لقد أشركنا مصطفى في الفرقة وأخوته من قبله رغبة منا في البداية، ثم أصبح هو راغب فيها وأحبها، الفرقة مدرسة لتعليم الأطفال الدبكة والحكاية الشعبية والتراثيات التي يتعلموها بهذه الطريقة السلسة والحلوة، فيختصرون علينا أشياء كثيرة لا نستطيع نحن أن نعلمها لهم أحياناً".



أمل عودة والدة مصطفى تقول لـ"برائحة القهوة"، " الفرقة نمت بابني أشياء كثيرة في أبني، ثقته بنفسه زادت، وإحساسه بنفسه وبما لديه، وتعلم أشياء كثيرة عن تراث بلده"، ومعلقة "من الضروري أن نحافظ على التراث من الضياع وأن ننقله عبر الأجيال، فابنتاي حنين وهناء قبل مصطفى في الفرقة، لذا فهم ينقلوها لبعضهم، أنت تعطيهم الفرصة ثم يبدأوا يحبوها بأنفسهم، لأن الحكاية والأغنية الشعبية موجودة بداخلنا، فليس صعبا أن يجدوا أنفسهم فيها وينسجموا مع ما يقدموه، ثم يحسوا هم بأنفسهم بين أصدقائهم بأن لديهم ما يحكوه ويقدموه".



المحافظة على التراث في أجواء العولمة التي نعيشها ضروري جدا وأساسي، هذا ما تقوله أمل، "يجب أن يعرفوا الحكايا الشعبية واللباس الشعبي وحتى الأكل الشعبي، فهم أينما ذهبوا يجدون هجمة العولمة، ولم تجد الهوية العربية واضحة، يجب أن نعطيهم شيئاً ليقدموه وحضارة ليحملوها ويقدموها للمستقبل، فهذه الفرق تريحنا من أن نفهمهم ونقنعهم بأهمية التراث وحمل الحضارة في داخلهم بطريقة جافة وصعبة. فالفرقة تعلمهم الموسيقى والتراث والحضارة بطريقة سهلة وقريبة منهم".



جدة مصطفى توافق ابنتها على الأمر فتقول "أهم شيء في الحنونة أنها تعطي الفرصة للجميع، وتسمح للفلكلور العربي بأن يبقى، فنحن فرحين بهذه الفرقة ونشجعها دائما ونتمنى أن يكون مجال التدريب أوسع وأكبر".



الفن الشعبي بما يحمله من ثقافة مجتمعية وطباع الناس وتفاصيل حياتهم ورؤيتهم لها، تغير شكلا ومضمونا، ومع تغير أنماط الحياة اليومية وتغير اهتمامات الإنسان وظروفه، بات في صراع لأجل البقاء. ومع اتساع وسائل الاتصال المختلفة صار المبدع الشعبي يبحث عن مكانة له وسط ثقافة الاستهلاك، والمادية الطاغية على هذا العصر.



ففرقة الحنونة وغيرها من الفرق الشعبية تعاني الأزمة المالية كما ذكر القائمون عليها، في حين تظهر فرقا توصف بالفنية تقدم بالظاهر فنا غربيا ممزوجا بقليل من الشرقية، لكن هل هذا أقنع الأجيال الجديدة، فبالنسبة لهؤلاء العاملون بالحنونة فلا يزال للغناء الشعبي الملتزم أمله بالبقاء حيا فيهم.


أضف تعليقك