الغناء الصوفي: تجربة فريدة قابلة للاستمرار

الرابط المختصر

ما كان ارتباط الغناء الصوفي يوماً مقترنا بالفعاليات الثقافية المنظمة بشكل رسمي في الأردن، لكن العام 2007 كان البداية حينما دشنت وزارة الثقافة آنذاك مهرجانا استمر أياما واستقطب بعض الفرق الفنية الروحية من تركية وسورية ومصر والسودان إضافة إلى الأردن.   

على عكس المتوقع، فمهرجان الموسيقى الصوفية هذا العام استقطب أضعافا من الحضور، ولم يكن لدى المنظمين مشكلة سوى مأخذهم من الإعلام وتغطيته "الخجولة" أو "التقليدية"، على اعتبار أن المهرجان شكل حدثا مهما لدى الساحة الثقافية الأردنية ولدى الجاليات الأجنبية التي حضرت مجمل الحفلات.
 
المهرجان حظي بدعم من وزارة الثقافة الأردنية وأمانة عمان الكبرى وبتنظيم من الشركة الخاصة "أورانج رد" ورعاية راديو البلد، فيما انتشرت إعلانات المهرجان على عدد من لوحات الإعلان المنتشرة في شوارع رئيسة من العاصمة عمان. احتفاءً بدورة القدس بمناسبة إعلانها عاصمة للثقافة العربية.
 
مسرح المهرجان كان في إحدى قاعات المركز الثقافي الملكي والذي احتضن جميع حفلات المهرجان منذ اليوم الأول الذي كان الأربعاء الماضي في الثامن من نيسان الجاري وحتى الأحد الثاني عشر من ذات الشهر، إلا أنه بدا جليا إقبال المواطنين وخصوصا فئة الرواد على تلك الفئة التي اعتادت على الدوام متابعة فعاليات المهرجانات الغنائية المختلفة.      
 
"هذه النوع من الغناء مختلف وغير مألوف وهذا ما نريده في الأردن يحترم عقل وأذن المستمع" يقول الدكتور أيمن تيسير مدير المنتدى الأردني للموسيقا المنظم لمهرجان الموسيقا والغناء الصوفي.
 
ويعتقد تيسير أن الفن الصوفي سيجد مكانا له في ساحة الفن العربي، ويقول أن تجربة الأردن بالمهرجان "جديدة"، معولا على تجربة المهرجان الذي يقام في فاس بالمغرب سنوياً، كاشفا عن محاولات تجري على قدم وساق نحو إقامة مهرجانات موسيقية مشابهة لهذا المهرجان.  
 
غير أن رئيس قسم الموسيقى في الجامعة الأردنية الدكتور رامي حداد يرى أن "فهم الموسيقى" لا يقف عند الموسيقى الصوفية بل يتعداه إلى كل الموسيقى الكلاسيكية والشرقية ويضيف أن المهرجان سيعزز من حظوظ معرفة هذا الفن وكسر احتكار الفن الشبابي.
 
ويعتبر حداد الذي يشغل رئاسة فرقة الشرق الأردنية أن إقبال المواطنين على المهرجان كبير جدا وتمتلئ المقاعد بالحضور وهذا يدل على شغف الحضور لهذا الفن المختلف.    
  
رباعيات الخيام كانت حاضرة في حفل المصري مصطفى سعيد وفرقته الموسيقية، المكونة من اللبناني غسان سحاب والمصري محمد عنتر، حيث اعتمد سعيد على مقاطع من قصائد الخيام بِإيقاع موسيقي روحاني زاد من وتيرة صفيق الحضور قوة صوته وبلاغة ما قدمه من قصائد الرباعيات التي تناولت التزهد وسمو الذات.
 
سعيد عازف العود مكفوف وزميله عنتر عازف الفلوت كذلك، استطاعا أن يكسبا إعجاب الجمهور الذي صفق لهم مرارا بعد انتهاء كل وصلة غنائية قدموها، ضاحكين مرة على خفة دمه ومرة على أحاديث كان يجريها معهم بأسلوب ساخر.
 
وشارك في اليوم الرابع فرقة الشرق من الأردن بقيادة الموسيقي وعازف العود طارق الجندي. حيث قدموا مقطوعات موسيقية منوعة إما من تأليف الجندي أو من شعراء الصوفية أو الأردني الراحل عامر ماضي، وصاحبهم في العرض الموسيقي الدكتور المغربي نبيل بن عبد الجليل وهو مؤلف موسيقي شهير في المغرب.  
 
غير أن البداية كانت مختلفة مع الفرقة الروسية، إذ أدخلت فرقة "موسكو للأغاني الروحية" طرقا جديدة في الغناء الصوفي باللغتين التتارية والعربية.
 
واسم الفرقة "المدينة" تأسست في العام 2005 وبدعم من جمهورية تتارستان ذات الحكم الذاتي، وتعتمد على الأغنيات الروحية المستقاة من الأناشيد الإسلامية. هذه الفرقة لها شعبية بين الشباب المسلم في روسيا ودول الاتحاد السوفياتي سابقاً.
 
أما زميلة الفرقة بذات اليوم الأول من المهرجان، فكان من الهند حيث قدمت فرقة "راجستان" موسيقى صوفية قدمت فيها قصائد "بوليشا وشاه لطيف" الصوفية تناغمت مع أغاني هير رانجا ومجنون ليلى..
 
وجميع الموسيقيين في الفرقة ينحدرون من منطقة "لانغا" و"مانغنيار" وتعرف تلك المنطقة بتوارث سكانها للموسيقى. جميعهم مسلمون غير أنهم يحتفلون في موسيقاهم بالطقوس الهندوسية دوماً.
 
في اليوم الثاني من المهرجان قدم الدكتور  أيمن تيسير حفلا مزج فيه الغناء الطربي بموسيقى روحانية منها لابن الفارض "زدني بفرط الحب" و"قلبي يحدثني" و"هو الحب" ومحي الدين بن عربي.
 
أما المغربية كريمة لصقلي فقدمت بنفس اليوم أمسية غنائية مقدمة قصائد مختلفة لشعراء الصوفية وسط حفاوة لاقتها منذ دخولها المسرح وحتى خروجها منه وسط تصفيق مستمر لوصلتها.
 
الصوفية والغناء الروحي بقالب مسيحي، إذ نوعت جوقة قاديشا من لبنان فنون الغناء الروحاني بوصلات موسيقية منوعة لليوم الثالث للمهرجان، تقدمها الأب يوسف طنوس مؤسس فرقة قاديشا للتراث ويعود اسم الفرقة إلى "القديسين" ووادي قاديشا في لبنان. وتتجول الفرقة في مسارح لبنان والعالم مقدمة حفلاتها الروحية الصوفية وسط اختلاف في المعنى والجوهر للغناء الصوفي.
 
أما الاختلاف فكان في نفس اليوم، مع فرقة ترهانا الهولندية وتنحدر أصول أعضاء الفرقة من تركيا وألمانيا وكزخستان وبلغاريا وهنجاريا، فالموسيقى روحانية ومعاصرة وهذا ما زادها اختلافا وتنوعا إضافة إلى أصول أعضاء الفرقة الذين نوعوا من الوجبات الموسيقية الأناضولية على وجه التحديد. واسم الفرقة يعود لاسم غذاء تقليدي في الأناضول في تركيا.
 
سابقاً، أقيم مهرجان "الغناء الصوفي" في إطار خطة وزارة الثقافة للتنمية الثقافية؛ حيث نظمته لأول مرة في العام 2007 في شهر رمضان ونقلت باقي فعالياته في إربد التي كانت مدينة الثقافة الأردنية لذاك العام.