العنف الرقمي كصورة من صور العنف
لا يزال العنف الرقمي، الذي يُعرّف أنه عملٌ من أعمال العنف الذي قد يتم من قِبل فردٍ أو أكثر عبرَ ارتكابه أو دعمه أو التحريض عليه أو توسيعه رقمياً بشكل جزئي أو كلي، مفهوماً جديداً نسبياً له تداعياتٌ كبيرة على حياة المرأة في الأردن.
مَن كان لِيظن أنه بالإضافة إلى الأشكال المتعددة للعنف الذي تتعرض له المرأة، سيأتي يوم تسبب فيه حتى التكنولوجيا شكلاً جديداً من أشكال العنف ضدها؟
تُقدم الأدوات الرقمية، على اختلاف الطرق التي استخدمت من خلالها لاستغلال وابتزاز النساء، وجهاً جديداً للعنف لا بُد من معالجته وتسليط الضوء جيداً عليه، خاصةً في المجتمع الحديث الذي نشهده اليوم.
هُنا في هذا المقال، نعرض قصةَ طالبةٍ جامعيةٍ أردنية اشترطت عدم الكشف عن هويّتها. بدأت الفتاة قصّتها قائلة: "كنت في السنة الثانية من الجامعة، عندما حدث معي ما لم يكن بالحسبان. كان لدي زميلٌ دراسيّ نُكِنُّ لبعضنا إعجاباً متبادَلاً، صرّح كلانا به بعد فترةٍ من الوقت تحدثنا فيها عبر تطبيق الماسنجر؛ كنت ساذجة، إذْ كنا نلتقط الصور سوياً كل يوم، إلى أن وصل الأمر لِأن يطلب صوراً خاصة لي من حينٍ لآخر.
بعد ستةِ أشهر، انفصلتُ عنه، وحينها رأيت وجهاً آخر لم أعهده، بل ولم أتوقعه، وجهٌ ملئ بالانتقام والغضب. بدأ بابتزازي باستخدام تلك الصور بغيةَ إجباري على العودة إليه، مهدداً بِنشرها وتدمير اسم وسُمعة عائلتي؛ حتى أنه قام بتغيير صورة منها رقمياً حتى أبدو في وضع غير مناسب. حقيقةً، لقد كان وقتاً عصيباً للغاية بالنسبة لي، فقد حاولت التفاهم معه وكنت على استعداد لشراء صمته، بأيّ ثمن."
أخبرتنا امرأة أخرى أنها تعرضت للملاحقة عبر وسائل التواصل الاجتماعي لبضعة أشهرٍ في العام الماضي، مما جعلها تنشئ حساباتٍ جديدةً على وسائل التواصل الاجتماعي تحت أسماء وهمية. تقول: "استمر في مراسلتي رغم عدم اهتمامي الواضح، ثم تحولت الرسائل تدريجياً إلى تهديداتٍ بأنه يعرف أين أعيش وأعمل، وأنه يراقبني، و سوف يأتي ليختطفني".
كل هذه التجاربُ تبرز أنّ المرأة لا تزال أهدافاً سهلة لمرتكبي العنف الرقمي، بل أن الأدوات الرقمية أصبحت تغطي نطاقاً واسعاً من الاستغلال، وكلما كانت هذه الأدوات أكثر تقدماً وتنوعاً، كلما كانت المحاولات أوسع وأشرس. كما يختلف العنف الرقمي أيضاً في أسبابه، فقد يستخدمه البعض سلاحاً للانتقام والمكاسب المالية، وأيضاً للابتزاز الجنسي أو لإكراه النساء ذوات النفوذ على الخضوع.
وفقاً للبحث الأوليّ لبرنامج "هي تقود" التابع لمنظمة بلان إنترناشيونال، فهناك حاجةٌ داخل الأردن والمنطقة ككل، إلى مواجهة التحديات والرفض التام عند استخدام كلمة "المساواة بين الجنسين"، وكذلك مواجهة العنف الرقمي الذي يستهدف القيادات النسائية ومنظمات حقوق الإنسان.
ووفقاً لإيمي داوود إحدى مؤسسات الحركة النسوية الأردنية، صرّحت بأن هناك سمات مشتركة في جميع حالات العنف الرقمي التي يتلقونها، بما في ذلك: الخوف من العقوبات المجتمعية، الازدراء والوصم في حالة نشر الصور، وأيضاً الشعور بألم الظلم الذي سيتعين عليهنّ دفعه لبقية حياتهنّ والذي يتجاوز أي شيء سيدفعه الجاني. كل ذلك إلى جانب استمرار الناجيات في إلقاء اللوم على الذات، وبالتالي الشعور المستمر بالعار والذنب مما يؤدي إلى تدهور في الثقة بالنفس والسمات الشخصية الجيدة حتى انعدامها.
وتابعت قائلةً: "إن الشيء الأكثر أهمية هو مخاوف الناجيات من ردود فعل عائلاتهنّ، سواء أكانت نفسيةً بتدمير صورتهن المشرقة في عيون والديهم، أو جسديةً بالضرب أو الزواج القسري كَغطاء، وحتى القتل. وعلى الرغم من أن هذه المخاوف لها أساس من الصحة، إلا أنه يمكن التغلب عليها باتخاذ التدابير المناسبة، وينبغي أن تعرف الناجيات أنهن لا يقفن وحدهن في هذه الحرب النفسية.
قدمت داوود خطواتٍ عمليةً للنساء اللواتي قد يجدن أنفسهن تحت الابتزاز، إذ بيّنت ذلك قائلةً: "في غالب الأحيان نكون خطاً وسيطاً بين الطرفين وننهي الابتزاز بِفتح مجالٍ للتواصل بينهم وتحذير الجاني من العواقب التي تنتظره، ولكن في أحيانٍ أخرى نستشعر أن تحذير الجاني ربما يدفعه لتنفيذ تهديده، وهو ما يجعل الأمر يصلُ إلى درجةٍ من الخطورة، وعليه، إذا كانت الفتاة قاصراً نضطر إلى إحراق روما بأعدائها، ونتوجه لإبلاغ حماية الأسرة، وذلك بعد أخذ موافقة الضحية وإقناعها بذلك. أما إذا كانت الفتاة فوق السن القانوني، فإننا ننصحها بما يلي:
لا تظهري للمُبتز أنك خائفة، ما يدفعهُ للتمادي في طلباته.
لا تقومي بِمسح محتوى الابتزاز، لاستخدامه ضمن الأدلة.
لا تنفذي أي طلبٍ للمُبتز، فطلباته لن تنتهي، بل ستتسبب فقط في المزيد من العواقب.
قومي بِحظر المُبتز من مواقع التواصل وغيري كلمات المرور.
لا تكوني بمفردك، واخبري شخصاً ثقة ليقدم لك الدعم النفسي اللازم (ونحنُ بِدورنا نقدم هذا الدعم للضحايا على الخاص لنضمن عدم لجوئهنّ لأشخاصٍ غير ثقات).
لا تترددي بتقديم شكوى لدى حماية الأسرة في حال كانت هوية المُبتز معروفة، والجرائم الإلكترونية إذا كانت هويته غير معروفة.
درهم وقاية خير من قنطار علاج
ننصح الفتيات بعدم إرسال صورٍ خاصةٍ، لا يُمكنهنّ لاحقاً إنكار أنها لهّن، خاصةً إذا كانت تتضمن وجوههن أو سماتٍ مميزةً فريدة أو علاماتٍ جسديةً واضحة مثل الشامات وما إلى ذلك، أو حتى الصور التي تظهر مكاناً يمكن تمييزه أو ملابس أو إكسسوارات قد تُشير إلى هويتها. كما أننا نهدف إلى رفع مستوى الوعي حول أهمية إلقاء اللوم على الجُناة بدلاً من الناجيات، ساعينً لتوفير وإنشاء أنظمة حمايةٍ حقيقيةٍ وفعالةٍ للنساء ".
قانون الجرائم الإلكترونية الجديد: هل من الممكن أن يُحدثَ فرقاً؟
تمّت المصادقةُ في الثاني عشر من أغسطس عام 2023 على القانون الجديد لمكافحة الجرائم الإلكترونية، وتم نشرهُ في الجريدة الرسمية. يعاقب القانون بِمُقتضاه مرتكبي الأفعال التي يعتبرها جرائم إلكترونية بالسجن أو الغرامة أو كليهما. وعند إلقاء نظرةٍ فاحصةٍ على ما يعتبره القانون جرائم إلكترونية، مثل إنشاء حسابٍ مزيفٍ على مواقع التواصل الاجتماعي، اختراق المعلومات، واستخدام شبكات المعلومات لإنشاء أنشطة إباحية أو التحضير لها أو حفظها أو معالجتها أو عرضها أو طباعتها أو نشرها أو الترويج لها، فإن مرتكبي العنف الرقمي سيجدون صعوبةً حقيقيةً في التجول بِحُرية إذا تم الإبلاغ عن أفعالهم، مما سيحد من إمكانية العنف في العالم الحقيقي.
حالياً، تقوم دورة الاستعراض الرابعة للاستعراض الدوري الشامل بِتسليط الضوء على القانون الجديد، مكررين التوصيات بإعادةِ تقييم التعديلات لضمان توافق التشريع مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان. وبينما لا يزال القانون قانونًا مثيرًا للجدل، إلّا أنهُ مكّن الناجيات من التقدم والإبلاغ بأمان.
الجانب الأسوأ في الموضوع، أنه وعلى الرغم من كثرةِ حوادث العنف الرقمي ضد النساء وتنوّعها، إلا أن العديد منها لا يتم الإبلاغ عنها، ما يجعل العدد الحقيقي لا يمكن التنبؤ به. ومع ذلك، فإن القصص المتكررة التي تصل إلينا تقدم لمحةً عن الحقائق القاسية التي يجب على النساء التعامل معها في الفضاء الإلكتروني. ولِمواجهة هذه الظاهرة السائدة، لا بُد أن نكرس جهودنا لِدعم النساء الناجيات وضمان أن يصبح العالم الرقمي مكاناً عادلاً ومنصفاً لهنّ. كما أن المملكة الأردنية الهاشمية تلقّت توصياتٍ أخرى في دورة الاستعراض الدوري الشامل هذه، تتمثل في نشر الوعي وتوجيه جميع شرائح المجتمع لتجنب الوقوع ضحايا للجرائم الإلكترونية، واستكشاف المزيد من التدابير لتعليم الأطفال التفكير النقدي في العالم الرقمي.