العقوبات البديلة لإبعاد الأحداث عن السجون..قانون بلا تطبيق
ولد الطفل "ع. س" في حي فقير بمدينة الزرقاء. خرج ذات يوم لمحل تجاري شهير، ومشى بمحاذاة رفوف الحلويات. نظر الطفل حوله ولم يجد أحدا يراقبه، فملأ جيوبه بالحلويات. إلا أن أعين كاميرات المراقبة رصدته، وكان موظف الأمن يتابعه منذ لحظة دخوله المكان.
أمسك موظف الأمن بالطفل البالغ 13 عاما، واتصل بالشرطة فورا. حضرت الشرطة وتعاملت مع الواقعة، وأُحيل الطفل إلى القضاء، وتمت محاكمته.
تسري المسؤولية الجنائية على القاصر المتهم بارتكاب جريمة بعد بلوغ الثانية عشرة، وغالبا تتعلق جرائمهم بالسرقة البسيطة. واتخاذ الحكم بحقهم يعتد بطريقة السرقة وليس بقيمة الشيء المسروق، بحسب قاضية الأحداث السابقة سهير الطوباسي.
تتراوح عقوبات احتجاز الحدث بين 10 و12 سنة في دار التأهيل، وتبين الطوباسي أن "تشديد العقوبات ليس حلا، لأنها غالبا غير مجدية، فالأصل هو طريقة الإصلاح، لأن الهدف إصلاح الشخص مرتكب الجريمة أكثر من عقابه لمنع تكرارها".
يطالب حقوقيون بتعديل قانون الأحداث وفرض عقوبات بديلة عليهم، بدلا من حبس حرياتهم ضمن برامج تأهيلية تسهم في إعادتهم إلى المجتمع ليكونوا أفرادا فاعلين ومنتجين.
تعاملت إدارة حماية الأسرة والأحداث مع 2573 قضية مرتبطة باختصاصها الأسري وجنوح الأحداث، بحسب تقرير مديرية الأمن العام عن النصف الأول من العام 2022.
ترى مديرة مركز العدل للمساعدة القانونية هديل عبد العزيز، أنه يجب التمييز بين عقوبة الطفل المتهم بجرم "كسر وخلع" لسرقة منزل مع وجود تشكيل عصابي متعمد، وبين الطفل الذي يتهم بجرم "كسر وخلع" لسرقة الدراجة الهوائية التي يقتنيها صديقه متمنيا امتلاكها.
وتشير القاضية سهير الطوباسي، إلى أنه تم إدراج تعديل قانون الأحداث على جدول مجلس النواب، وينص على توسيع نطاق الوساطة لتشمل جميع الجرائم المتعلقة بالأموال دون عنف لإبعاد الأطفال عن المحاكم.
وتستشهد بتطبيق سابق لبرنامج "تدابير بديلة" في الأردن، ومن خلاله يخضع الطفل لبرامج تأهيل تناسب حالته، ومنها اكتساب مهارات حياتية، إذ "كانت نتائج البرامج مرضية إلى حد ما، ولكن تم توقيفها لأسباب عدة منها عدم وجود دعم خارجي، ومحددات بشرية، وأخرى تشريعية، أي أن من بلغ 15 - 18 عاما وارتكب جناية، يوجب القانون إيداعه في دار التأهيل".
الخدمة المجتمعية أصبحت إحدى العقوبات البديلة في التشريع الأردني ضمن تعديل قانون العقوبات رقم (27) لسنة 2017، من خلال القنوات الدستورية والتشريعية.
إدارة شرطة الأحداث
بعد مقابلة أحد العاملين في إحدى إدارات شرطة الأحداث (رفض ذكر اسمه لأسباب تتعلق بطبيعة العمل)، تبين أن النسبة الأكبر من قضايا الأحداث هي المشاجرات والسرقات البسيطة، وأن جزءا من الأطفال لا يعرفون عواقب أفعالهم.
وعن دور إدارات شرطة الأحداث، فهو يقتصر -بحسب المصدر- على نقل إفادة الأحداث من دون الضغط عليهم وتحويلهم إلى القضاء، فهي جهة غير تحقيقية: "لا نعتبر أي حدث مجرما، لأننا لسنا قضاة للحكم عليه، ولكن بفضل الخبرة المكتسبة من التعامل مع الأحداث، فقد نعرف أحيانا مدى مصداقية الحدث من عدمها".
التقسيم القانوني للأحداث حسب قانون الأحداث رقم (32) لسنة 2014
الحدث هو كل من لم يتم الثامنة عشرة من عمره
المراهق هو من أتم الثانية عشرة ولم يتم الخامسة عشرة
الفتى هو من أتم الخامسة عشرة ولم يتم الثامنة عشرة
الوصي هو كل شخص غير الولي، يتولى أمر العناية بالحدث أو الرقابة عليه وفق التشريعات النافذة.
مقترحات للعقوبات البديلة
ترى المديرة التنفيذية لـمركز العدل للمساعدة القانونية هديل عبد العزيز، أن "مجتمعنا يؤمن بفكرة العقاب أكثر من الإصلاح"، مشيرة إلى أن فرض عقوبات بديلة جاء لصالح الأفراد والمجتمع، لأن عقوبة الحبس لا تحقق الردع الكافي بدليل ارتفاع نسبة العود الجرمي للأحداث".
وترى عبد العزيز، وهي مختصة في قضايا المرأة والطفل، أن الهدف من تعديل العقوبات البديلة غير السالبة للحريات هو تحقيق الإصلاح، أي إصلاح الطفل في نفس بيئته بحيث لا يتم تعرضه للحرمان من التعليم أو تعرضه لوصمة مجتمعية والتخفيف من العود الجرمي وإلغائه.
وينص القانون الحالي بالفعل على العقوبات البديلة، بدءا من "التسليم" والتنبيه وصولا للعقوبات المجتمعية، لكن عبد العزيز ترى أن هناك حاجة لأكثر من تعديل، مثل إخضاع الحدث لأكثر من برنامج تأهيل، وهنا فإن القاضي بالتعاون مع مراقب السلوك يحدد ماهية العقوبة غير السالبة للحرية المناسبة للحدث الهادفة إلى تحقيق الردع في ضمير الطفل من منظور الندم وصحوة الضمير، وأن يكون جزءا من العلاج والإصلاح للتخفيف من تكرار الجريمة قدر الإمكان.
التدابير السالبة للحرية في قانون الأحداث المادة (24) :
أ. اللوم والتأنيب : بتوجيه المحكمة اللوم والتأنيب إلى الحدث على ما صدر عنه وتحذيره بأن لا يكرر مثل هذا السلوك مرة أخرى بشرط عدم الحط من كرامته .
ب. التسليم :
1. تسليم الحدث إلى أحد أبويه أو إلى من له الولاية أو الوصاية عليه .
2. إذا لم يتوافر في أحد الوالدين أو من له الولاية أو الوصاية على الحدث صلاحية القيام بتربيته، يسلم إلى من يكون أهلاً لذلك من أفراد أسرته، فإن لم يتوافر ذلك يسلم إلى شخص مؤتمن يتعهد بتربيته أو إلى أسرة موثوق بها يتعهد عائلها بذلك بعد موافقتهم على ذلك .
ج. الإلزام بالخدمة للمنفعة العامة في أحد مرافق النفع العام أو إحدى مؤسسات المجتمع المدني التطوعي لمدة لا تزيد عن سنة.
د. الإلحاق بالتدريب المهني في أحد المراكز المختصة التي يعتمدها الوزير لهذه الغاية لمدة لا تزيد عن سنة.
هـ. القيام بواجبات معينة أو الامتناع عن القيام بعمل معين لمدة لا تزيد عن سنة.
و. إلحاق الحدث ببرامج تأهيلية تنظمها الوزارة أو أي من مؤسسات المجتمع المدني أو أي جهة أخرى يعتمدها الوزير.
ز. الإشراف القضائي : ويكون بوضع الحدث في بيئته الطبيعية تحت التوجيه والإشراف مع مراعاة الواجبات التي تحددها المحكمة، ولا يجوز أن تزيد مدة الإشراف القضائي على سنة.
وتوضح عبد العزيز أن التعديل المقترح يمنح وزارة التنمية الاجتماعية تحديد الجهات التي ستنفذ البرامج، خاصة إذا كانت عقوبات مجتمعية، من ثم تتم مراقبة السلوك بالاتفاق مع القاضي المطبق للحكم، فإذا وجد أن التدبير الذي حكمت به المحكمة لم يُنفذ بالطريقة الصحيحة أو لم يحقق النتيجة المرجوة، يتم إعادة النظر في البرنامج والتعديل عليه. وفي حالة عدم وجود استجابة يتم الانتقال إلى العقوبة السالبة للحرية.
أخضعت وزارة التنمية الاجتماعية 30 حدثا صدرت بحقهم قرارات قضائية قطعية للعقوبات البديلة خلال النصف الأول من العام الحالي.
عدد الأحداث المحولين لتنفيذ تدابير البديلة غير سالبة للحرية
89 حدثا عام 2019 .
102 حدث عام 2020
159 حدثا عام 2021
30 حدثا لغاية شهر أيار/ مايو عام 2022
لماذا لا تتبنى الحكومة دعم تنفيذ التدابير غير السالبة للحرية؟ أرجعت وزارة التنمية الاجتماعية من خلال مدير الأحداث والحماية أحمد الزبن، السبب إلى عدم توفر المخصصات المالية لعقد الاتفاقيات مع الجهات الشريكة حسب الموازنة العامة.
الحدث بريء حتى تثبت إدانته
يقول المختص بقضايا العقيدة الإسلامية معاذ العياصرة، إن من بلغ سن 18 تقع عليه العقوبة، ويقع عليه الجزاء، ومن دون سن البلوغ، فيقع عليه الإثم فقط.
ويؤكد أنه لا يوجد نص شرعي يحدد معاقبة أو جزاء من لم يبلغ سن البلوغ، ولا بد من وجود عقوبات بديلة للحدث دون سن البلوغ.
ويرى المحامي صهيب اللاذقاني أن جرائم الأطفال دون سن 12 عاما غالبا ما تقع بالاتفاق مع بالغين، لإزالة العقوبة عن البالغ، فيُدفع الطفل لارتكابها لأخذ حكم عدم مسؤولية لصغر السن، وبالتالي تصبح الجرائم سهلة، وغالبا ما يتم الكشف عن هذا الاتفاق بالمحكمة، وأحيانا يصر الطفل على توجيه التهمة إلى نفسه.
ويعتبر أنه من الضرورة وجود العقوبات البديلة غير السالبة للحريات لبعض الأحكام، ومراعاة عمر وعمل المرتكب، مطالبا بوجوب تطبيق العقوبات البديلة على الأطفال لإصلاح سلوك الطفل وردعه عن تكرار الجريمة.
"المتهم بريء حتى تثبت إدانته"، قاعدة متعارف عليها في القانون الوضعي، لكن المحامي صهيب اللاذقاني يرى أنه "في بعض الأحيان الحدث بريء وإن ثبتت إدانته"، ويفسر مقولته: الأحداث ضحايا للظروف والمجتمع.