العدالة والتنمية يفرض على الناخبين فصام محاربته للإرهاب

العدالة والتنمية يفرض على الناخبين فصام محاربته للإرهاب
الرابط المختصر

"هو من عرقل تشكيل حكومة جديدة وفرض انتخابات مبكرة على تركيا لأنه لم يرض عن نتائج الانتخابات الأخيرة"، اتهام أطلقه زعيم المعارضة التركية كيليجدار أوغلو عقب إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إجراء انتخابات تشريعية مبكرة في الأول من نوفمبر المقبل على أن يتم تشكيل حكومة مؤقتة لتسير الأمور !!

 

محاولات استمرت لأسابيع لتشكيل حكومة ائتلافية مع المعارضة اعتبرها أردوغان هزيمة لا يرغب بتكرارها، رغم كون فوز حزب العدالة والتمنية بما نسبته 41%  هو بمثابة أغلبية غير مسبوقة في تاريخ الانتخابات التركية،  ليحشد نحو فكرة انتخابات مبكرة للفوز بالأغلبية مجدداً، وهو ما  يبدو أنه يدور في مخيلته فقط، فمعظم استطلاعات الرأي الأولية أشارت إلى أن الانتخابات المبكرة لن تحدث تغييراً كبيراً على نتائج الانتخابات الماضية، وأنه لن يكون هناك تغييراً دراماتيكياً بالسهولة التي يتخيلها الرئيس التركي.

 

اللجوء إلى الشارع بمظاهرات "مليونية" في انقرة واسطنبول بدون شعارات انتخابية، والتي شهدتها مؤخرا ساحة يوني كابي. حضر الأجواء وسخنها ودعى الجميع ، ينادي إلى جولة نزاع مع الانفصاليين الأكراد، ملوحا بورقة الإرهاب للشارع التركي الذي يريد تجنب تجارب دموية جديدة والتي صورها باختصار لشعبه على أن التصويت للعدالة والتنمية هو الكفيل بذلك.

 

سياسة الرئيس التركي تضع حدا لطموح المعارضة التي قال إنها تريد إغراق البلاد في الفوضى مشددا على أن حزب العدالة هو من سيحارب الإرهاب دون أن يشرح كيف سيحارب الإرهاب لوحده ؟!! والسبب هنا أرجعه لمحاربته حزب الشعوب الديمقراطي الذي شاركه في تشكيل الحكومة وقلل من فرصه للتفرد بالسلطة، ومن العجيب جدا أن حزبا يقول صراحة إنه هو من سيحمي البلاد وحده إذا صوت له الناخب في الانتخابات المرتقبة، وإنه الآن مع أطياف الشعب التركي غير قادر ؟!!

 

تصريحات كتلك تدل على "انفصام" يرغب "العدالة والتمنية" بنقله للناخبين، فمن يرغب بحماية شعب تركيا لن ينتظر انتخابات يتفرد بنتائجها ليتمكن من ذلك،على العكس تماما فاحتواء الأطراف المعارضة يعني مشاركتها الحقيقية في حماية البلاد كجزء من الدولة التركية وليس التعامل معها كأنها من الخارج وهو الأمر المعيب والذي لا يمكن لعاقل قبوله .

 

يفتعل العدالة والتمنية كل ما يستطيع لحرف الناخب عن التصويت لحزب الشعوب الديمقراطية  ويضع معركته مع الإرهاب ذريعة ، ولا بد لنا التدقيق جيدا على أمر التحرك التركي في هذا الوقت ضد الشعوب الديمقراطية بحجة جرائم حزب العمال الكردستاني الذي يشهد التاريخ عليها قبل الانتخابات وبعدها، فلماذا لم يتحرك العدالة والتنمية ضده في أوقات سابقة وجاء الآن ليشن هذا الهجوم ؟! أعتقد أن فكرة المصالح لا تغيب عن أي منا ولك أن تفهم جيدا أن مصلحة الحزب الحاكم هي التفرد بالسلطة واختلاق الذرائع لذلك وحشد التأيد لأفكار مغلوطة غير منطقية لا يصدقها سوى ساذج غير قادر على رؤية  خريطة المصالح بوضوح .

 

حزب العدالة والتمنية ، الرقم الأصعب في التوازنات السياسية الداخلية في تركيا، يحشد الجماهير وأحزاب المعارضة  في الميدان ليصل إلى مليونية من أجل مكافحة الإرهاب، أيعقل أن أي من الأطراف التركية لن يستغل هذا الحشد ؟ بالطبع تم استغلالها للانتخابات القادمة، وكيف لا والشعب التركي يتضامن مع 130 شهيدا تركيا منذ 7 حزيران حتى الآن.

 

ليس كل من خرج في التظاهرات سيصوت لاردوغان الذي يطالب بإخراج عناصره من السجون ووضع حزب العمال للسلاح . ولا للكردستاني الذي يريد إخراج أوجلان من السجن ويطالب بمراقب أمريكي على الانتاخابات، الموضوع تحول إلى سلعة انتخابية كل طيف يحاول استغلالها والحزب الحاكم له اليد الطولى فهو من يظهر محاربا لحزب العامل بعد الانتخابات، الأمر الذي لم يكن سابقا، فالحكومة هي من قدرت أنه طفح الكيل حسب مزاجها.

 

الظروف كلها، تصريحات رودوغان ورئيس الوزراء كلها تريد طرد الحزب والاستحواذ على كراسيه، وهذا يزعج الناس التي تخرج بسلامة نية والتحذير الآن موجه للرئيس التركي بالتوقف عن إضعاف حزب الشعوب، الأمر الذي سيعيد إشعال نزعة انفصالية في جنوب شرق تركية كانت متراجعة حتى الآن .

 

حزب العمال جاهد طوال سنوات أن يحول الحرب إلى حرب أهلية ولم ينجح ، وهناك شريحة كبيرة من الأكراد مع اليمين، لكن ما حصل خلال هذه الفترة من تصرفات "العدالة والتنمية" تجاه الأكراد جعل الشعور القومي لديهم يزداد تأيدا لـ"الشعوب الديمقراطي" الذي دخل بأصوات الأكراد واليسار ،حيث حصل على 13 % بفضل الأصوات الكردية،  وعلينا أن نفهم دافع الأكراد للتصويت لحزب كردي في هذه المرحلة بعد أن كانوا يصوتون سابقا  لمختلف الشرائح .

 

هيمنة الفكرة القومية على الديمقراطية في عقول الناخبين الأكراد وقعت ولا مفر منها، ومن مصلحة أردوغان التوقف عن استفزاز الأكراد فهم ببساطة سينسون كل شعاراته وينتبهون لهذا الطرد الفادح للمعارضة وعرقلة تشكيل الحكومة بمزاجه، إضافة إلى ضرب النار على حزب الشعوب طمعا بالتفرد بالسلطة، وأستذكر هنا تراجع حزب الشعوب الجمهوري  أمام "التنمية" لصالح حزب الحركة القومية الذي لا يعتبر منافسا للتنمية ليحصل على نسبة 16% وهي نسبة مرتفعة لم تحصل في تاريخه .

 

ومما تجدر الإشارة إليه تصويت المحافظين المتدينين الأكراد لـ"الشعوب الديمقراطية" رغم كونه حزبا علمانيا ليبراليا أقرب إلى الإلحاد، ويتعارض مع خطاب المتدين المحافظ ، مما يثبت ما أرمي إليه ، فالتصويت في المرحلة المقبلة ستحركه الهوية وليس الاديولوجية.

 

أكدت استطلاعات الرأي  أن مساعي الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، لاستعادة الحكم المطلق عبر الانتخابات المقبلة ستبوء بالفشل، بحصول "التنمية" على 41.7 بالمائة فقط من أصوات الناخبين، أمام حصول "الشعب الجمهوري" على 25.5 بالمائة من الأصوات، مقابل 15.7 بالمائة لحزب الحركة القومية، و14.7 لحزب الشعوب الديمقراطي ولك أن ترسم في مخيتلك مسودة لتشكيلة الحكومة المقبلة .

 

حسب تصريحات أردوغان : "في واحد نوفمبر الحل" ما زال  يرى أن حزب "العدالة والتنمية" لوحده سيحل مشكلة تركيا، متجاهلا أن الـ"بي كي كيه" دخل الآن المدن ولم يعد كالسابق في الصحراء والبوادي فقط بعيدا عن المدنيين، علاوة على أن عدد مقاتليه أصبح مضاعفا، مع زيادة الداعمين له .

 

الحرب ضد الإرهاب لن تنتهي بمجرد انتهاء الانتخابات أيها الرئيس، والبنية التحتية هي الأهم في هذه المرحلة والتي تعتمد في أساسها على الثقة بين طرفي الحوار، والتي باتت معدومة منذ أشهر،و إذا كانت كل التوقعات لا تزال تشير إلى "لا جديد" في مسألة تحسن نسبة أصوات حزب العدالة، يبقى لك الاعتماد على عنصر المفاجأة صبيحة إجراء الانتخابات المبكرة.

أضف تعليقك