العبودية المعاصرة.. ممارسات لا تنقصها سوى الصكوك والأختام

 العبودية المعاصرة.. ممارسات لا تنقصها سوى الصكوك والأختام
الرابط المختصر

هل يمكن أن تشعر بالفخر لأن المملكة حققت ما لم يحققه غيرها من حيث تنظيف ساحتنا المحلية من أي واقعة قد تعني وجود شبهة اتجار بالبشر؟ إذا كنت تعلم أطفالك الصغار أن عصر عبودية البشر واستعبادهم قد ولى، فما عليك سوى أن تستمع إلى همس المعذبات حولك والمعذبين من الذين هربوا من أوطانهم العربية طلبا للعمل، فوقعوا فريسة أبشع أنواع الاتجار بالبشر.

أيها السادة بين ظهرانينا عبودية للبشر تحمل كامل التفاصيل الغائرة في القدم الخاصة بالاتجار بالبشر .. أما الجديد الوحيد هنا فهو أن بعضنا لا يعرف ذلك.

حكاية سارة

”هي عبودية لا تنقصها سوى سوق نخاسة و”صكوك وأختام” تثبت أن فلان أو فلانة عبد أو جارية للسيد فلان، أما الممارسة فشبيهة لتلك التي كان يعاني منها عبيد التاريخ القديم”. تقول إحدى الضحايا. المواطنة العربية ”سارة”، لا تتجاوز الـ 25 من عمرها، قررت أن تفد إلى بلاد الشام، وتحديدا إلى المملكة. وهنا تحديدا بيعت، ولكن بعقود جديدة تمكن شياطين الإنس من ابتكارها بعد انقراض عهد صكوك الاستعباد القديمة.

جاءت المواطنة العربية – ونتحفظ على جنسيتها – إلى المملكة للعمل مضيفة في أحد الفنادق، ولكنها أفاقت على كابوس انتهى بها كسجينة في ملهى ليلي بعد أن طوقها صاحبه بعقود عمل وشروط ووصولات أمانة بمبالغ ضخمة.

سارة اليوم تعمل في إحدى شبكات الدعارة بعد أن ظنت وهي تودع أهلها في بلادها البعيدة غرب الوطن العربي – وطنها أنها ستعمل – كما بنات جنسيتها – مضيفة طعام في فندق أو مطاعم أو حتى موظفات استقبال لشركة كبرى.

انتهى الحال بسارة سجينة في إحدى غرف نادي ليلي وقد ضرب حولها ”طوق أمني” يفرض عليها منع التجول سوى في غرفتها وتحت أنظار حرّاس لا يتركونها حتى لقضاء حوائجها.

سارة العربية التي تحدثت لنا من خلال وسيط، نموذج لحال عاملات أتين إلى الأردن بعقود عمل، ليجدن أنفسهن متورطات في العمل بالملاهي الليلية أو شبكات الدعارة المنظمة.

وما تتعرض له سارة ومن في وضعها من العاملات في النوادي لليلية، لا ينحصر في كونه مخالفة لقانون العمل الأردني، بل يمتد ليدخل في إطار شبه الاتجار بالبشر.

كما أشار تقرير حقوقي صادر عن المرصد العمالي الأردني في كانون أول/ ديسمبر من العام 2010.

تعريف

ويعرف برتوكول الأمم المتحدة الاتجار بالبشر بأنه ”تجنيد ونقل وإيواء أو استقبال الأشخاص من خلال وسائل التهديد أو استخدام القوة أو غيرها من أساليب الإكراه والاختطاف والتزوير والخداع وسوء استخدام السلطة أو موقف ضعف أو إعطاء أو استلام دفعات مالية أو خدمات للحصول على موافقة الشخص على أن يسيطر عليه شخص أخر من اجل استغلاله، يتضمن الاستغلال في حده الأدنى، استغلال الأشخاص للعمل في البغاء أو أية أشكال أخرى من الاستغلال الجنسي، أو الإكراه على العمل أو الخدمات؛ العبودية، أو ممارسات مشابهة للعبودية؛ الأشغال الشاقة الإجبارية، أو إزالة الأعضاء”.

توقيع تحت الإكراه

تقول سارة إنه تم إجبارها وأربع مواطنات معها على توقيع وصولات أمانة بمبالغ ضخمة، ”للتأكد من التزامنا في العمل”، ولتهديدهن عند اللزوم بالسجن.

أما السجن الذي يهددها به (سيدها) فلا يختلف كثيرا عن واقعها الذي تعيشه، والذي تصفه بـ ”سجن غير رسمي”، فإضافة إلى توقيعها على إيصالات أمانة، يحدد صاحب العمل حركتها.

تقول: ”هو من اختار مكان إقامتي ، وهو من يسمح أو يمنع ذهابي إلى أي مكان بل عيّن لي مرافقا ليرصد تحركاتي وحتى قضاء حاجياتي”.

وإمعانا من صاحب العمل في الرقابة على سارة وزميلاتها فانه منع إي وسيلة الاتصال عنهن، وحصرها في الاتصال مع ”زبائن الرغبة” على أن تتم من خلال الحراسة، حسب ما تقول.

مخالفة قانونية

المفارقة أن كل ما يجري لهذه الشابة العربية وزميلاتها في الأردن ”البلد العربي”، يخالف قانون العمل الأردني، الذي لا يلزم في المادة 17 العامل بعمل يختلف اختلاقا بينا عن طبيعة العمل المتفق عليه في عقد العمل.

كما يعاقب القانون في المادة 12 صاحب العمل الذي يجبر العامل الوافد على القيام بعمل يخالف تصريح العمل الممنوح له، وبغرامة مالية لا تقل عن 200 دينار ولا تزيد عن 500 دينار عن كل عامل، وتتضاعف الغرامة حسب التكرار.

ولكن هل كانت المملكة تفتقر يوما إلى القوانين والأنظمة والتشريعات؟ إن كنا نتحدث عن التشريعات فعبر مرآتها يمكن وصف المجتمع بالفاضل.. ولكن هذا صحيح!

من سجن إلى سجن

لدى سؤال سارة عن إمكانية إنقاذ نفسها عبر ترك العمل، أو الهرب منه؟ استبعدت ذلك. وقالت: جوازي محجوز وأنا محاصرة ومطاردة ”بوصولات أمانة”، وعقود عمل ستنقلني من السجن غير الرسمي إلى السجن الرسمي.. لا أستطيع أن أدافع عن نفسي وأريد من المؤسسات الرسمية والأهلية في الأردن إنقاذي.. ألست عربية.. ألست إنسانة.. أليس محرما في الأردن استبعاد البشر؟

الحقوق صارت ترفا

سارة وزميلاتها محرومات أيضا إضافة إلى إجبارهن على العمل بشكل مخالف لعقودهن، من جميع حقوقهن التي كفلها القانون، إذ لا يتمتعن بتأمين صحي أو ضمان اجتماعي، كما يتم إجبارهن على ساعات عمل طويلة وحرمانهن من العطل. ولكنها تقول: ”عند استعبادك ستكون مطالب التأمين الصحي والضمان الاجتماعي ترفا ليس في محله.. فأنت محرومة من إنسانيتك أساسا.

ولروز حكايتها

حال سارة لا يختلف كثيرا عن حال روز المواطنة العربية التي تحمل جنسية جارة لجنسية سارة. روز البالغة من العمر 30 عاما جاءت للعمل موظفة استقبال في فندق فلحقها ما لحق سابقتها، غير أن ”روز” تزيد على كلام زميليها بكشفها عن تعرضها المتكرر لعنف لفظي وجسدي وتحرش جنسي، مستمر.

هي وقائع يؤكدها تقرير صادر عن النقابة العامة للعاملين في الخدمات العامة والمهن الحرة، والذي أكد ”إن بعض هذه النوادي تشهد انتهاكات، من بينها حجز الوثائق الشخصية للعمال والعاملات ”جوازات السفر” بهدف إجبارهم على ممارسة أعمال مخالفة لعقودهم، وعدم التزام أصحاب العمل بدفع الأجور، وتعرض العاملات للاعتداءات الجسدية، إضافة إلى تبادل الكفلاء من أصحاب العمل للعاملات بطرق غير قانونية”.

احصائيات

ولا توجد إحصائيات رسمية لعدد العاملات الوافدات في النوادي الليلة، فيما يشير تقرير النقابة العامة والمهن الحرة إلى وجود 18 ألف عاملة في قطاع الخدمات السياحية أغلبهن من جنسيات عربية وأجنبية.

ووفق دراسة أجرتها الخبيرة في مكافحة الاتجار بالبشر نهال فهمي ونشرت في الأول من تشرين الأول/ أكتوبر من العام 2010، فإن قضايا الاتجار بالبشر تتوزع في المنطقة العربية بين 10٪ ضمن فئة الاستغلال الجنسي، و90٪ عمالة قسريه.

عملية معقدة

وتقول مديرة مركز ”تمكين” ليندا الكلش إن عملية الاتجار بالبشر ”عملية معقدة وتتشابك مسبباتها بكثير من العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مؤكدة أن أكثر المعرضين لها هم من النساء”.

فيما يكشف مدير التدريب المهني في إدارة البحث الجنائي الدكتور مهند دويكات عن تحويل العديد من ضحايا الاتجار بالبشر إلى القضاء، من ضمنهم عاملات منازل و عاملات في نوادي ليلية ومتورطين في بيع كلى.

تزايد

واستنادا إلى الإحصائيات الرسمية فإن قضايا الاتجار بالبشر تتزايد في الأردن بينما تعامل قسم الاتجار بالبشر مع 14 قضية اتجار بالبشر خلال العام 2009 ارتفع العدد إلى 22 قضية خلال العام 2010، توزعت بين ببيع الكلى والعاملات بالمنازل وببيع أطفال، كما تعامل مع 76 حالة لم ينطبق عليها اتجار بالبشر كالتهديد تهديد و حجز جواز السفر.

ووقع الأردن على الاتفاقية الدولية لمكافحة الجريمة عبر الوطنية ”باليرمو”، كما صدر القانون الأردني لمكافحة الاتجار بالبشر في العام 2009، بعد الانضمام إلى البرتوكول الاختياري المتعلق بمنع وقمع ومعاقبة جريمة الاتجار بالبشر.

تجارة عقود العمل

ولا تنحصر جريمة الاتجار في البشر في العاملات في النوادي الليلية أو النساء بل تمتد لتشمل فئات أخرى. على حد وصف الخبراء أينما وجدت العمالة الوافدة نخشى من وقوع ضحايا لتلك التجارة من خلال عصابات تجارة عقود العمل.

ضريبة التحرير

يقول عامل وافد يعمل في إحدى كفتيريات عمان إنه دفع ألف دينار للحصول على تصريح للعمل يمكنه من القدوم للعمل في الأردن. وقدم الشاب برفقة شقيقه وأبن عمه الذين دفعوا المبلغ نفسه ثمنا للدخول إلى الأردن بهدف العمل، تحت مسمى تصريح عمل.

ويكمل إضافة لثمن العقد يضطر العامل الوافد في بعض الأحيان لدفع مبلغ من المال لصاحب العمل الذي استقدمه، حتى يمكنه من الانتقال لعمل أخر أكثر دخلا.

ويقدر المبلغ الذي يطلق عليه ” قيمة التحرير” – حتى الاسم يدل على الاتجار بالبشر- ما بين 500 – 1000 دينار، حسب طبيعة القطاع الذي سينتقل العامل للعمل فيه.

خيارات مرة

ويقع العامل الوافد بين البقاء في الأردن بصورة غير شرعية وما يعنيه ذلك من خيار تحمل الغرامات المالية الناتجة عن إقامته غير القانونية بعد انتهاء تصريح عمله، آو السقوط مرة أخرى في دوامة التجارة من خلال دفع مبالغ مالية لجهات تمتهن إصدار تصاريح العمل.

”محمد” عامل وافد مضى على وجوده في الأردن عام ونصف، ويعمل من دون تصريح بعد أن انتهى تصريح عمله ولم يجد من يجدده. يقول الشاب الذي لا يتجاوز عمره الـ 24 عاما: ”لا أشعر بالأمان حاليا لأن عقد العمل انتهى، ويحتاج لتجديد ولا يوجد من يجدده، وقد بدأت الغرامات تتراكم، وأصبحت أهرب من أي وجود أمني قريب مني”. وبحسبه فقد جاء للأردن بعقد عمل عن طريق وسيط من جنسيته كلفه ما يقارب 800 دينار أردني.

وتشتكي العمالة الوافدة من حجز بعض أصحاب العمل جوازات سفرهم، كطريقة لضمان عدم هروب العمال من أماكن عملهم، وإلى جانب عقود العمل الظالمة يتعرض العامل الوافد لعدد من الانتهاكات، وتتمثل بازدحام المقيمين في المساكن المخصصة لهم، وعدم مراعاتها لأبسط شروط الصحة، كما تحرم الغالبية العظمى من العمالة الوافدة من التأمين الصحي والضمان الاجتماعي.

تجارة عقود العمل تندرج تحت بند الاتجار بالبشر وفقا لقانون الاتجار بالبشر الأردني الذي ينص على ”أن استقطاب أشخاص أو نقلهم أو إيوائهم أو استقبالهم بغرض استغلالهم يعتبر جريمة اتجار بالبشر”. فهل يبدو أن هذه النصوص تخيف ممارسي استعباد البشر؟

الآن يمكن أن نتوقف قليلا ونقول أننا فخورون بأنفسنا لأن مواطنا عربيا أو أجنبيا قرر العيش بين ظهرانينا هو آمن على نفسه وماله؟

أعد هذا التقرير بدعم من