العازلة.. مخيم تحت سماء أخرى

الرابط المختصر

يرفض 194 لاجئاً كردياً العودة إلى مخيم “كاوا” الذي أقامته المفوضية السامية لشؤون اللاجئين لهم في كردستان في شمال العراق مطلع 2004، مفضلين العيش في مخيم “العازلة” الواقع على الحدود العراقية - الأردنية الذي لا تعترف به المفوضية.يقيم أكراد إيرانيون في “العازلة” منذ العام 2005 ، معتمدين على مساعدات غذائية محدودة تقدمها لهم المفوضية، فيما يقتصر دور البعثة الدولية للصليب الأحمر على إمدادهم بالمياه والطبابة “المحدودة”، كما يقول جمال حسين 30 عاماً، وهو في منزلة الناطق باسم اللاجئين في المخيم، ليبقى مصدر مؤنهم قاصراً على “الشاحنات العابرة من أمام المخيم”.

يعتبر اللاجئون أن قضيتهم “سياسية إنسانية” وتتلخص بهربهم من الاستخبارات الإيرانية المتواجدة في العراق، التي “يحاول رجالها اعتقال أكبر عدد ممكن منا”، كما قال جمال.
 
يعيش في “كاوا” حالياً ما يزيد على 2000 لاجئ كردي، جُلهم أتوا من مناطق الحدود العراقية الإيرانية، حيث يعرفون بأنهم معارضون للنظام الإيراني، ليعيشوا في مخيم “طاش” الذي كان مقاماً على بُعد نحو 60 كيلومتراً من مدينة الفلوجة و12 كيلومتراً من مدينة الرمادي. وعقب احتلال العراق تم هدم المخيم وتركه معظمهم.؛ شطر من هؤلاء تمكن من اللجوء إلى دول أوروبية “شرعياً” بمساعدة المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، أو بصورة “غير شرعية”، كما حدث مع حلمي عمر المقيم حالياً في مدينة “نورداين فيستفالن” شمال الراين بعد أن كان لاجئاً في مخيم العازلة واستطاع عن طريق مهربين الذهاب إلى ألمانيا.
 
وتعود أصول اللاجئين الأكراد الإيرانيين إلى منطقة “سربيل زاها كرمنشاه” على الحدودية العراقية الإيرانية، ويلقبون بأكراد إيران. وقد هربوا من إيران في العام 1979 إلى العراق بعد الثورة الإيرانية حيث استقروا في مخيم “طاش” إلى حين احتلال العراق.
 
ويعتبر “مكتب المفوضية” في عمان أن “مكتب العراق” هو المسؤول عن ملف الأكراد الإيرانيين، “إلا أن هنالك تنسيقاً مع الصليب الأحمر إذا استدعى الأمر إسعاف حالات مرضية سيئة،” وفق المكتب الإعلامي في الأردن الذي يرى أن وجودهم على المنطقة الحدودية يشكل خطراً عليهم، “لا تستطيع أن نقدم لهم الخدمات، إضافة إلى ممانعة الحكومة الأردنية دخولهم لاجئين على أراضيها. وبذلك فالخيار المتاح لهم هو مخيم كاوا إلى حين إعادة توطينهم ودمجهم في المجتمع الكردي”.
 
قبل سنوات، شهد المخيم محاولات عدد من اللاجئين الانضمام إلى لاجئي مخيم الرويشد الذي أغلقته الحكومة الأردنية قبل سنة، إلا ان محاولاتهم فشلت أمام رفض المفوضية والحكومة الأردنية دخولهم، ليضحى “العازلة” المكان الوحيد المتاح لهم.
 
يقول جمال حسين “ المخاوف من إمكان تعرضنا لهجمات وقتل هي ما يدفعنا إلى الهرب والسعي للجوء إلى أي دولة تقبل بنا”، وهو يؤكد أنهم يتصلون يومياً بالمفوضية لمساعدتهم ومتابعة ملفاتهم، ووضعهم على أجندة اللاجئين، لكن محاولاتهم لم تُجد نفعاً “المفوضية تصر على عودتنا إلى “كاوا” ونحن لا نريد الذهاب إليه”.
 
بشير 28 عاماً، لاجئ آخر أقام في مخيم “طاش” منذ العام 1979، تعرض للانتهاك من قبل الإيرانيين، يقول: “أمضيت 27 عاماً في المنافي والمخيمات، أفضل البقاء في المخيم طيلة عمري، على أن أعود إلى العراق”.
 
وكانت منظمة “هيومان رايتس ووتش” العالمية قد أصدرت تقريراً مطلع العام 2007 تناولت فيه قضية اللاجئين في “العازلة”، لكن التقرير “لم يلق الصدى” كما يرى حسين الذي خاب أمله “فالمفوضية المسؤولة عنا لم تعطنا أي اهتمام، رغم أننا نفذنا سلسلة اعتصامات لإيصال أصواتنا إليهم لكن أحداً لا يسمعنا”.
 
سبق تقرير المنظمة الدولية تحرك قامت به المفوضية تمثل بتوزيع أوراق ،تتضمن سؤالهم عن أسباب عدم رغبتهم في العودة إلى كردستان العراق. يقول جمال حسين: “أولاً لا يمكننا بأي شكل من الأشكال العودة إلى كردستان، لأنها جزء من العراق، والعراق غير آمن على الإطلاق، ثانياً: قبل فترة أعلن المسؤول الأمني للحزب الديمقراطي الكردستاني، شكور رحيم، أنه منذ العام 1991 تم اغتيال 304 من الأكراد العراقيين المعارضين للجمهورية الإيرانية، بينهم 150 عضواً كانوا في الحزب الديمقراطي الكردستاني، ثالثاً: الأكراد الذين عادوا إلى كردستان العراق كانوا مجبرين وليس أمامهم حل آخر، بسبب خوفهم من العودة إلى مخيم “طاش” الذي أصبحت تدخله جماعات إرهابية، رغم أنهم طالبوا بدولة ثالثة تستقبلهم. رابعاً: نحن كلاجئين أكراد مشكلتنا ليست إنسانية أو مشكلة جوع أو عطش بل هي سياسية، ويجب على المفوضية أن تقبلها وتتعامل معها، خامساً: صمت المفوضية السامية عن قضيتنا مخالف للقوانين الدولية لاتفاقيات حقوق الإنسان”.
 
الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية، قامت، بالتنسيق مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، بإيجاد حل دائم للقاطنين في المخيم، عن طريق ترتيب إقامة دائمة لهم في منطقة أربيل شمال العراق، ولكن تلك المحاولات لم تفلح. وقد زارت منظمة “يونيسيف” العالمية المخيم وقدمت كميات من الأدوية والمضادات الحيوية لهم “هي في معظمها حبوب لتخفيف الآلام عن اللاجئين ليس أكثر”..على ما قاله جمال حسين.
 
في وقت مضى، أرسل اللاجئون عشرات الرسائل إلى كل من السفارة الأميركية في عمان ووزارة الداخلية الأردنية لأجل مساعدتهم إلا أنها لم تلق أي صدى.