الصم..وصول مستحيل للجامعات..

معلمون غير مدربين على تدريس لغة الإشارة
الرابط المختصر

"معلمة الحاسوب لما تشرح الحصة في المختبر، كانت توقف عند بعض الكلمات مثل كلمة (أيقونة)، تصفن وما تعرف تشرحها بلغة الإشارة، وتسألني كيف أوصلها وكيف بدهم يستوعبوها"، هذا ما قالته الإدارية المتقاعدة (قيّمة مختبر الحاسوب) هالة، في إحدى المدارس المتخصصة بتعليم الطلبة الصم التابعة لوزارة التربية والتعليم.

معلمات في مدارس متخصصة في تدريس طلبة ذوي الإعاقة السمعية (الصم) لا يُجدن لغة الإشارة، ويشتكين صعوبة توصيل المعلومات والأفكار للطلبة الصم، ما يؤثر على نجاح الطلبة في الثانوية العامة، وأهالي يطالبون بمنهج مخصص لأبنائهم الصم، بالإضافة إلى أسئلة تراعي قدراتهم.

بلغ أعداد الصم في الأردن من مختلف الأعمار نحو 182 ألفا، بحسب تقرير دائرة الإحصاءات العامة لتعداد السكان والمساكن 2015، منهم 647 طالبا وطالبة في المدارس الحكومية المتخصصة بتعليم ذوي الإعاقة السمعية.

تعينت المعلمة رنا* قبل 4 سنوات، وهي لا تملك أي خلفية للتعامل مع فئة الصم، وتقول إن دورة لغة الإشارة التي تعطى للمعلمات في المدارس تشمل كلمات أساسية غير متخصصة في المنهاج، مثل "مرحبا، كيفك، كتاب"، وهي غير كافية لتمكين المعلمة من شرح المنهج، خاصة المواد الأدبية مثل: التاريخ واللغة العربية والجغرافيا.

والتحقت في ثلاثة مستويات لتعلم لغة الإشارة وتقنياتها ودفعت من جيبها 300 دينار على كل مستوى، فيما لا توفر وزارة التربية والتعليم هذا النوع من الدورات "ولا إلهم دخل"، قالت مستنكرة.

تقول لارا (أم لطالب) إن "أغلب المعلمات في مدرسة ابني تعلمن لغة الإشارة من خلال التعامل اليومي. بالأصل ما بحكوا بلغة الإشارة، وبنعدوا على الأصابع يلي دارسين لغة الإشارة في المدرسة أو عالأقل أخذوا دورة لغة إشارة".

مساعد الأمين العام للشؤون الفنية في المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة غدير الحارس، تقول إن المجلس لمس وجود ضعف شديد في مخرجات تعليم الطلبة الصم، وخلل في كيفية تعليم المنهاج، واستراتيجيات التدريس بحيث تراعي متطلبات الطلبة الصم، وكيفية تدريب المعلمين على التدريس بلغة الإشارة. وتضيف أن المجلس اقترح على وزارة التربية والتعليم تدريب المعلمين على التواصل الفاعل بلغة الإشارة، وتوظيف الصم في التدريس وتدريبهم على تطوير استراتيجيات تعليمية. 

 

على المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة بالتنسيق مع وزارة التربية والتعليم، وضع المعايير الخاصة بالتشخيص التربوي ومعايير تطوير المناهج، وطرق تدريسها للطلبة ذوي الإعاقة في المؤسسات التعليمية، وتدريب الكوادر عليها وتأهيلهم".

مادة (19) من قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة رقم (20) لعام 2017 



 

ي

لا يعتبر تعلم لغة الإشارة شرطًا لقبول تعيين الكادر التعليمي في مدرسة حكومية للصم، ويكون التعيين وفقا لمعايير ديوان الخدمة المدنية.

وخلال السنوات الثلاث الماضية، عقدت الوزارة دورتين لتعليم المعلمات لغة الإشارة، الأولى لمديرية التربية والتعليم لمنطقة الطفيلة، والثانية للواء ذيبان، علما أن عدد المدارس المختصة بتعليم الصم يصل إلى 10 مدارس موزعة على ثماني محافظات في المملكة (العاصمة، الزرقاء، البلقاء، إربد، مأدبا، الكرك، الطفيلة، العقبة)، بواقع مدرستين في إربد ومدرستين في مأدبا. وبالنسبة للمحافظات التي لا يوجد فيها مدارس حكومية متخصصة في تعليم ذوي الإعاقة السمعية فهي: معان، والمفرق، وجرش، وعجلون.

 

ضعف الإشراف

تقول خبيرة ومدربة لغة الإشارة صفاء دبش، إن لغة الإشارة متجددة، لذلك يجب على المعلم المتقن للإشارة تجديد معلوماته الإشارية بشكل مستمر، ويلتحق كل 6 أشهر تقريبا في دورة تدريبية.

وانتقدت دبش عملية الإشراف من قبل وزارة التربية والتعليم، وتصف مشرفي الحصص الذين يقومون بتقييم أداء المعلم بأنهم غير متقنين للغة الإشارة، وهذا ما أكدته مديرة مدرسة الرجاء لتعليم المعاقين سمعيا، حنان المغربي.

بحسب وزارة التربية والتعليم، يُعين المعلم متخصصا في مادة، وليس لديه دراية في التعامل مع الطلبة ذوي الإعاقة السمعية، ولم يأخذ مساقا يتعلق بتدريس الطلبة ذوي الإعاقة السمعية، ولم يتعلم لغة الإشارة الأردنية، ولا يوجد تدريب ما قبل المهنة من قبل مديرية التربية والتعليم والوزارة، على التواصل مع الطلبة داخل الغرفة الصفية. وعن كيفية تعلم الكادر التعليمي لغة الإشارة الأردنية، فيتم من خلال الطلبة ذوي الإعاقة السمعية أنفسهم، أو من خلال قيام المعلمين الصم بتقديم المساعدة للكادر التعليمي داخل الغرف الصفية عند شرح المنهاج، وفق الوزارة.

 

 أسئلة الثانوية العامة لا تراعي الطلبة الصم

بعد محاولتين لتقديم امتحان الكيمياء، نجحت عبير من فئة الصم في الثانوية العامة فرع التغذية بمعدل لا يؤهلها لدخول الجامعة، لذلك قررت الإعادة للمرة الثالثة لرفع معدلها.

ترجع والدتها سبب تدني معدلها وإعادة امتحان الكيمياء، إلى عدم وضع أسئلة خاصة تراعي احتياجات فئة ذوي الإعاقة السمعية. وتقول إن أسئلة الطالب الناطق نفسها للطالب الأصم، فهي لا تستطيع فهم الأسئلة التي فيها "حيل ولف ودوران"، وغير قادرة على التعبير في الأسئلة الإنشائية مثل الطالب الناطق.

نجح 71 طالبا وطالبة من أصل 135 من ذوي الإعاقة السمعية تقدموا لامتحان الثانوية العامة. وبعد التواصل مع أربع مدارس، كانت معدلات غالبية الناجحين فيها لا تؤهلهم للقبول في الجامعات.

توضح رنا* (معلمة رياضيات)، أن الطلبة من هذه الفئة غير قادرين على التعبير مثل الطلبة السامعين، لأن أي جملة تشرح بلغة الإشارة لا تتبع ترتيب الجملة نفسها في الكلمات المنطوقة، لذلك، تعبير الطالب بأي جملة سيكون بغير ترتيبها الصحيح، وهذا يتطلب أن تكون الأسئلة مباشرة.

ترد مساعد الأمين العام للشؤون الفنية في المجلس الأعلى لحقوق الاشخاص ذوي الاعاقة، غدير الحارس، أن المشكلة ليست في الأسئلة، وإنما في تدني مستوى تعليم طلبة ذوي الإعاقة السمعية، "الطلبة لا يقدرون على قراءة الأسئلة بالشكل الصحيح ولا فهم السؤال ولا الكتابة، إذ أن مهاراتهم الأساسية وتعبيرهم يجب على الأقل أن يكون مفهوما لدى مصحح الامتحان".

وعلى الرغم من إعفاء الطلبة الصم من موضوع التعبير "الإنشاء" في مادتي اللغتين العربية والإنجليزية ومنحهم 30 في المئة زيادة على وقت الامتحان، إلا أن مديرة جمعية رعاية الصم والبكم في المفرق انتصار شديفات، تروي لنا ما حصل معها خلال عام 2021 عندما كانت مترجمة لغة إشارة لامتحانات طلبة الثانوية العامة. تقول إنها أخبرت الشخص المسؤول من الوزارة أن الطالب الأصم معفى من موضوع الإنشاء لكنه نفى واتصل للتأكد من الوزارة فأجابوا: "خليه يكتب". وتضيف: "حصل هذا بسبب الترهل الإداري، ولا يوجد على دفتر الإجابة إشارة تبين أن صاحب هذا الدفتر من فئة الصم".

 

لا يوجد منهاج متخصص لغاية الآن 

بصوت يائس تقول سلام عادل، أم لطالبة صماء: "بنتي كيف بدها تنجح بالتوجيهي والمعلمة بتواجه صعوبة بإعطاء المنهاج، والكتاب كبير ما بناسب طالب ضعيف السمع لأنه قدراته محدودة وأغلب الطلبة ما أخذوا جلسات تأهيل نطق".

يجب أن تطرأ تعديلات على المناهج، ومنها ترتيب الوحدات من الأسهل إلى الأصعب واستخدام اللوحات البصرية والتخفيف من المصطلحات العلمية الصعبة أي تبسيط المادة، تطالب مديرة مدرسة الرجاء لتعليم المعاقين سمعيا حنان المغربي.

وبالنسبة للمعلمة نداء، فلم يكن أمامها خيار -بعد عدم الاستجابة لمطالبها بتغيير المناهج-، سوى استحداث منهج يناسب الطالب الأصم لطلبة المدرسة التي تعمل بها، وإرفاق مواده بالصور لحاجة هذه الفئة للصور المرئية أكثر من الكلام المكتوب لكن أخبروني: "بصير عليكي قضية"، كما تقول.

 

تستبعد وزارة التربية والتعليم وضع منهج خاص للطلبة ذوي الإعاقة السمعية تلافيا للتمييز واحتراما لحقهم في المساواة وتكافؤ الفرص. وترى أنه يجب التركيز على بناء قدرات الكادر التعليمي في توظيف لغة الإشارة الأردنية في شرح المناهج، بحيث يتلائم في الحصول على المعلومات أسوة بغيرهم من الطلبة.

 

وحصل المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة على منحة بقيمة 200 ألف دينار أردني من الوكالة الكورية لتقييم واقع الطلبة الصم في المملكة، على أن تنفذ الدراسة بعد النصف الثاني من عام 2022 لتحديد المشكلة ووضع خطة علاجية. 

ومن خلالها سيدرس المجلس المناهج وكيفية تدريسها واستراتيجيات التعليم التي يتم استخدامها وتدريب المعلمين على التواصل الجيد بلغة الإشارة، ومن ثم سيضع المجلس خطة للنهوض بواقع تعليم الطلبة الصم. 

 

فروقات مختلفة وأسلوب واحد

تضع المعلمة الطلبة الأكثر طولا في الخلف دون مراعاة درجة ضعف سمعه، لأن المدرسة تعتمد التقرير الطبي الذي يؤكد أنهم من ذوي الإعاقة السمعية والنطقية دون الكشف عن قدرات الطلبة.

لذلك تستنكر آسيا ياغي، رئيسة جمعية "أنا إنسان" لحقوق المعاقين، قلة استخدام الأساليب للكشف عن الطلبة الذين لديهم ضعف سمع أو صعوبة نطق، فلا يوجد كشف قبل الدخول إلى المدرسة لتمييز الفروقات الفردية لتستخدم المعلمة أساليب تربوية فردية حسب احتياج كل طالب.

 

"يشترط لممارسة التشخيص التربوي وتدريس الأشخاص ذوي الإعاقة بأساليب  التربية الخاصـة اجتياز متطلبات التـدريب التي يضعها المجلس بالتنسيق مع وزارة التربية والتعليم والحصول على شهادة معتمدة، وفقا لتعليمات يصدرها وزير التربية والتعـليم لهذه الغاية".

المادة (20) من قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة رقم (20) لعام 2017