الصفحات الخاصة بالقراء.. شيء من الدلال
لم تتوقف الصحف يوماً عن اعلان عنايتها بالقارئ، وهي دوماً تحرص على مخاطبته بلقب "عزيزي" أو "عزيزنا" أو "أعزاءنا". ولكنها والحق يقال لا تهدف من ذلك الى تحقيق المزيد من النسخ المباعة، فهي لا تعتمد في دخلها على نسبة بيع الصحف للقراء الفرادى، غير أنها تعرف أن الطريق الى قلب المعلن يمر عبر القراء.
طيلة تاريخها، ظلت الصحف تتفهم سيكولوجيا القارئ لجهة أنه لا يقبل أن يكون متلقياً فقط، وبأنه بحاجة لأن يفصح عن رأيه فيما يقرأه. وقد خصصت له على الدوام قسماً من مساحاتها.
لكن الأمر في الحياة الداخلية للصحف يختلف بعض الشيء، فصفحة القراء هي الأقل حظاً بين باقي الصفحات، والقراء من جهتهم لا يفضلون أن تنشر مراسلاتهم في صفحة القراء، وإذا وصلت للصحيفة رسالة من شخصية مهمة، فعلى المحرر أن ينتبه الى ضرورة عدم نشرها في صفحة القراء. وهي إذا فعلت ذلك عن سبق اصرار، فسوف يفهمها مرسل الرسالة على أنها استهانة به. ومن الضروري الاشارة هنا الى أن هذا الموقف لا يشكل تقليداً لدى الصحف العالمية العريقة التي تعتبر زاوية رسائل القراء الى المحرر من أهم المواد وتضعها في موقع كثير الأهمية.
غير أن الصحف المحلية أخذت تبدل من الأسلوب التقليدي في التعامل مع ما يأتيها من القراء، ليس بالضرورة لجهة منحها مكانة أعلى، بل قد يقتصر التغيير على الجوانب الشكلية.
تعالوا بنا نتفحص الصحف اليومية الأردنية من هذه الزاوية:
صحيفة "السبيل" التي دخلت حديثاً الى عالم اليوميات، اختارت فيما يبدو أن تبدأ المشوار من أوله، فالصحيفة تعطي صفحة كاملة من صفحاتها الاربع والعشرين للقراء، ولكنها في الواقع تحولت الى صفحة مقالات للكتاب الأقل حظاً، وهي وضعت عنوانا مناسباً لها هو "مساحة حرة" كتبت في اعلاها العبارة التالية: "نستقبل مقالاتكم وآراءكم ومشاركاتكم يوميا على العنوان التالي"... أما إذا وصلت الى الصحيفة شكوى أو رد، فإنه سيجد مكانه ولكن خارج هذه الصفحة.
صحيف "الغد" أدخلت تعديلا جوهريا على طبيعة آراء القراء التي تنشرها، فهي أخذت تختار من التعليقات التي تردها على موقعها الالكتروني وتجري عليها بعض التحرير وتنشرها على الورق في اليوم التالي،، ولكنها تشترط للنشر الورقي أن تكون التعليقات موقعة بأسماء حقيقية ومرفقة بالعناوين الالكترونية. إنها تريد أن تعطي مكافأة ورقية لبعض المعلقين الالكترونيين، لكنها تعطي مكافأة أخرى لهم جميعاً، إذ تعرض يوميا ثلاث قوائم تضم الموضوعات الأكثر قراءة والأكثر تعليقا والأكثر ارسالا بحسب تفضيلات متصفحي الموقع الالكتروني في اليوم السابق.
صحيفة "الرأي" تتمتع بقدر أكبر من المرونة في المساحة التي تخصصها للقراء، فهي تمكّن بعضهم من نشر مقالات بمواضيع مختلفة على مساحة نصف صفحة يومية تقع في الجزء السفلي من صفحة المقالات، لكنها في المناسبات أو في "الحملات الصحفية" توفر المزيد من المساحة للقراء، فتضيف صفحة أو اثنتين لتتسع الى سيل المقالات والتعليقات التي تخص المناسبة.
"العرب اليوم" خصصت صفحة بعنوان "صباح الخير يا بلد"، وقد وضعت عبارة في اعلاها تقول "لايصال مساهماتكم، آرائكم، شكاواكم واستفساراتكم الى هذه الصفحة يرجى الاتصال على الهاتف والفاكس التالي"، والصفحة هنا شبيهة بصفحة زميلتها "السبيل" حيث تحوي الأشعار والخواطر والمقالات وبعض الصور. لكن "العرب اليوم" كانت قبل سنوات خصصت زاوية لتلقي وعرض قضايا الناس يكتبها الصحفي نبيل غيشان، ولكنها تحولت مع الزمن الى مقالة رأي خاصة بكاتبها رغم أنها لا تزال للآن تحمل رقم التلفون الشخصي لغيشان مع عبارة "للاستماع لقضاياكم".
صحيفة "الدستور" هي الوحيدة التي خصصت زاوية لنشر قضايا القراء ولي مقالاتهم ووضعت للزاوية عنوانا هو "الى المحرر"، تنشر فيها رسائل قراء حول قضايا أو شكاوى عامة. غير ان الصحيفة في موقع آخر رحبت بمساهمات القراء الذين سوف لا تُذكر أسماؤهم، ففي أسفل زاوية بعنوان "السنارة" خاصة بالتسريبات أو الأسرار والأخبار الحساسة، وضعت رقم فاكس لمن يريد أن يساهم في تحريرها.
لكن عموماً يلاحظ أنه ومع هذا الاهتمام الظاهر بالقراء، إلا أن مسيرة الصحف تميزت بالبخل المتزايد في المساحة المخصصة لهم. ولا تحب صحف اليوم أن تتذكر أن أول صحيفة في الدنيا صدرت بأربع صفحات فقط ومع ذلك كانت تترك صفحة كاملة فارغة كمساحة بيضاء تتبرع بها للقارئ كي يتمكن من تسجيل ما يشاء من ملاحظات، بينما هي اليوم ورغم تزايد صفحاتها تشكو ضيق الحيز المتاح أمام القارئ العزيز.











































