الصحفيون الإلكترونيون ضحايا القانون ونفوذ النقابة المغلقة

لب المشكلة: دمج مالكي الإعلام مع الصحفيين
داود كتاب
الرابط المختصر


خلفت الثورة الرقمية فرصة فريدة للصحفيين، حيث أتاحت لكل من عمل في مهنة المتابعة أن يصبح مالكًا ومستثمرًا في صناعة الإعلام، وليس مجرد موظف لدى مؤسسات إعلامية كبيرة. وبما أن الإعلام الرقمي لا يتطلب تكاليف مطابع أو استوديوهات أو أجهزة بث، فقد أصبح لكل صحفي فرصة لإنشاء مؤسسته الخاصة.

خلال العقدين الماضيين، شهدنا جيشًا من الإعلاميين ينشئون مواقع إخبارية ويديرونها بمساعدة محدودة، غالبًا تقتصر على خبرة تقنية لتصميم الموقع وتنظيمه وحل بعض المشكلات التقنية. هذا التطور له إيجابيات كبيرة، أبرزها منح حرية أكبر للإعلاميين الذين كانوا محاصرين في مؤسسات هرمية يرأسها أشخاص يركزون على البقاء في مناصبهم بدل تطوير مؤسساتهم الإعلامية بنوعية وكمية الأخبار الصادقة والمعلومات المفيدة للمجتمع.

الإعلاميون الذين تحولوا أيضًا إلى مستثمرين وفروا كمًا كبيرًا من المواد الإعلامية والإعلانية التي لم تكن متاحة سابقًا، مما دفع الدولة الأردنية للتدخل تحت حجة تنظيم الإعلام الجديد، في محاولة للسيطرة أو الحد من الانطلاقة التي شهدها المشهد الإعلامي.

بدلًا من دعم وتشجيع المستثمرين الجدد وتحفيزهم على تطوير مواقعهم، حاولت الدولة الأردنية هندسة هذا الإعلام الجديد من خلال ربطه إجبارًا بمؤسسة شبه حكومية تعتمد على تنظيمات نقابية مغلقة، شبيهة بما كان يحدث في الاتحاد السوفيتي سابقًا. للعلم، نقابة الصحفيين الأردنيين كانت آخر مؤسسة عالمية مرتبطة بالاتحاد السابق للنقابات الشيوعية.

بدأت محاولات السيطرة باعتبار المواقع الجادة صحفًا إلكترونية تخضع لنفس المعايير المطبقة على المؤسسات الصحفية الورقية الكبيرة، التي تملك الميزانيات والمطابع والموظفين والدخل الإعلاني. هذا الأمر فرض على كل ناشط إعلامي أسس موقعًا إلكترونيًا أن يسجل شركة ربحية، حيث لم يسمح القانون بأن تكون الصحف الإلكترونية مملوكة لمؤسسات غير ربحية أو جمعيات خيرية. كما أصرّت الجهات الرسمية على أن يكون رئيس التحرير عضوًا في نقابة الصحفيين الأردنيين لمدة لا تقل عن أربع سنوات، رغم أن النقابة رفضت مرارًا تسجيل صحفيين يعملون في هذه المواقع، بحجج مختلفة.

وجاءت الضربة القاسية بعد مرور أكثر من عقد على التعديل القانوني الذي اعتبر أكثر من مئة موقع إلكتروني صحيفة، إذ طالب كل تلك المواقع بدفع ما لا يقل عن ألف دينار، وعلى أثر رجعي لمدة 12 سنة، للنقابة التي لم تساعد يومًا المستثمرين في المواقع الإلكترونية أو تخفف الضغوط عنهم، خصوصًا مع تشريع قانون الجرائم الإلكترونية، الذي جرّم العمل الصحفي الإلكتروني، في حين وفر قانون المطبوعات والنشر حماية للصحافة الورقية، تماشيًا مع دعوة جلالة الملك في 2008 بعدم جواز توقيف الصحفي على ما ينشره.

لب المشكلة التي نواجهها الآن، والتي تشكل أساس الاحتجاج الضخم الذي نشهده برفض 85 موقعًا إلكترونيًا للإجراءات التعسفية للنقابة، هو الخلط بين الصحفيين ومستثمري المواقع الصحفية. لقد انتقل أكثر من مئة صحفي إلى مواقع يمتلكها مستثمرون إعلاميون، وعلى الدولة حمايتهم من تعسف نقابة يجب أن ينحصر دورها في حماية الصحفيين، لا ابتزاز أصحاب الصحف الإلكترونية.

قد يتطلب ذلك تشريعًا جديدًا يحد من تغول نقابة الصحفيين على المستثمرين في الإعلام، ويسمح للمستثمرين بالعمل المستقل عن نقابة يهمها، حسب قانونها، الدفاع عن أعضائها فقط. البند الذي يطالب المؤسسات الإعلامية بالتبرع بنسبة 1% من دخل الإعلانات يمثل مخالفة دستورية ومنطقية؛ صحيح أن النقابة بحاجة إلى دخل، لكن يجب أن يكون من رسوم أعضائها المؤمنين بعملها، لا مفروضًا على المؤسسات الإعلامية التي يجب أن يحميها قانون الاستثمار.

لقد حددت حملة التحديث الاقتصادي التي قادها جلالة الملك الاستثمار كآلية هامة لتحسين الاقتصاد وتقليل البطالة، ولكننا لا نزال خاضعين لقوانين إجبارية عضوية نقابة مغلقة،  توفر دخلًا للنقابة من خلال إجبار المستثمرين، وفي الوقت نفسه تعتبر أن كل من يعمل في الصحافة هو دخيل على المهنة لأنه ليس عضوًا في نقابة فقدت بوصلتها، وبدت تتغول على أموال المستثمرين بدل التركيز على تشجيع العضوية والدفاع عن الصحفيين.

الكاتب صحفي ومستثمر في المجال الإعلامي في الأردن