الصحافة والنواب.. فتح دفاتر "ليست" عتيقة كثيراً

الرابط المختصر

عند وصول خبر المشاجرة التي جرت في مجلس النواب بين النائب عبدالرؤوف الروابدة وأنصاره، والنائب حمزة منصور وأنصاره، لم تحتر الصحف اليومية كثيراً، فهي لم تكن بحاجة سوى إلى الرجوع قليلاً إلى الوراء واستعادة اللغة والمفاهيم التي توقفت عندها لمدة أشهر قليلة مضت، ولكن بالطبع فإن كل صحيفة عادت بطريقتها الخاصة.


صباح الخميس وهو اليوم التالي مباشرة للمشاجرة، صدرت الصحف بمانشيت رئيسي
لكل منها حول الموضوع احتل أغلب النصف العلوي للصفحة الأولى، غير أنه في
التفاصيل سوف نلاحظ بعض الفروقات.

 

ثلاث من الصحف هي "الغد" و"العرب اليوم" و" الدستور" اختارت عنواناً يشير
إلى المشاجرة نفسها، الأولى منها اختارت تسمية "طوشة" والثانية اختارت
تسمية "عراك وشتائم" أما الثالثة فقد فضلت تسمية "مشاجرات عنيفة"، ولكن
الصحيفة الرابعة أي "الرأي" اختارت للموضوع عنواناً آخر مختلفاً كلياً،
فهي نشرت عنواناً رئيسياً يقول: "الروابدة: الأردن دفع أغلى الأثمان من
أجل فلسطين دون منة أو ادعاء"، وهي عبارة مقتطفة من كلمة أحد طرفي الخلاف،
يضاف إلى ذلك أن كل الفقرات المنشورة على الصفحة الأولى هي أيضا مقتطفة من
نفس الكلمة، وهو ما يعني من الناحية الصحفية اصطفافاً مع أحد الطرفين، وهو
استنتاج تعززه المتابعة الداخلية التي عرضت أيضاً جزءاً كبيرا من كلمة
الروابدة فيما اكتفت ببعض العبارات من كلمة النائب حمزة منصور، وحتى
العناوين الفرعية كانت تميل لنفس الطرف، فقد جاء احدها بصيغة: "الروابدة
منتقدا بيانا يدين الوطن" بينما عنونت كلام الطرف الآخر بعبارة: "ومنصور
يرد".

 

صحيفة "الغد" الوحيدة التي نشرت النص الكامل لكلمة الروابدة إلى جانب اغلب
نص البيان الذي احتج حوله الروابدة وهو بيان "لجنة حماية الوطن ومجابهة
التطبيع"، وخصصت للتفاصيل صفحة داخلية كاملة تقريباً.

 

"الدستور" كانت أقل الصحف في حجم المساحة المخصصة للموضوع، لكن الملاحظ
أنها إلى جانب "الغد" أوردتا بعضاً من الشتائم التي استُخدِمَت في
المشاجرة، غير أن كلاً من الصحيفتين أوردت صيغاً مختلفة لتلك الشتائم، ثم
أن "الدستور" نشرت النص الحرفي لشتائم فريق فيما اكتفت بوصف شتائم أخرى
بأنها "قاسية".

 

أما صحيفة "العرب اليوم" فلم تخف غضبها مما جرى واختارت عناوين تتضمن
حكماً وتقييماً، فقد نشرت العنوان التالي: "مجلس النواب ينهي دورته
الثانية بالإساءة للوحدة الوطنية" واعتذرت عن إيراد نصوص أي من شتائم
الفريقين.

 

من جانب آخر، وبالنظر إلى أن الصّوَر في مثل هذه الأحداث تعتبر مادة مهمة
وجذابة، فقد نشرت ثلاثٌ من الصحف هي (الرأي والدستور والعرب اليوم) أكثر
من صورة للنواب من وضعية الاشتباك، فيما لم تنشر "الغد" سوى صورة هادئة
قالت أنها لنقاش النواب قبل بدء المشاجرة.

 

وكما كان متوقعاً فإن الأمر كان ميداناً لمتابعات مقالات الكتّاب، رغم أن
الكاتب جميل النمري في "الغد" أفصح عن فضوله وزملائه لأن المشاجرة حصلت في
آخر جلسات الدورة الحالية للمجلس وهو ما لم يمكنهم من متابعة كيف كانت
ستسير الأمور.

 

ورغم أن المشاجرة حصلت مساء في وقت يكون فيها الكتاب قد أرسلوا مقالاتهم،
فإن الكاتب محمد ابو رمان في "الغد" كان الكاتب الوحيد الذي تمكن من نشر
مقالته في صباح اليوم التالي، ولهذا ربما كانت مقالة سريعة بعض الشيء قام
بعدها بكتابة أخرى أكثر عمقاً وتحليلاً لما جرى، فهو قرأ موقف الطرفين من
خلال تتبع ما وراء الكلام الذي قيل، فهو يرى أن الموضوع الذي أثار النائب
الروابدة لم يكن موضوعا جديراً بمثل هذا الشجار، لكنه يعزو الأمر إلى
احتمال عودة السياسات الرسمية تجاه الحركة الإسلامية إلى سابق عهدها، كما
يعزوه إلى محاولة "الحرس القديم" العودة إلى مطبخ السياسة من باب قدرته
على التصدي السياسي للإسلاميين.

 

غير أن القاسم المشترك بين باقي الكتاب كان اعتبار أن ما جرى فيه تشويه أو
مزيد من التشويه لصورة المجلس النيابي ككل، فالكاتب فهد الخيطان في "العرب
اليوم" كتب بأن النواب الذين يفترض أن يكونوا نخباً وأن يكون خطابهم
الأرقى وطنياً وأخلاقيا وسياسياً، بدا وكأنهم جزء من جمهور المشجعين في
الملاعب بلغتهم النابية وانحيازاتهم الاقليمية والجهوية القاتلة" ولفت إلى
أن مشهد الطوشات أظهر المجلس منقسما حول قضية كان الشارع موحدا حولها.

 

الكاتب جورج حداد في "الدستور" خاطب النواب بأن "زمن أول حوّل" ووصف ما
جرى في المجلس بأنه "غثبرة" وهي –بحسب قواميس اللهجات- كلمة عامية تعني
اختلاط الأصوات بما يفوق الضجيج. وقال حداد أنه ليس غريبا حصول نزاع
بالأيدي والألسنة بل الغريب هو التمادي في فقدان النظرة الشاملة الدقيقة
لجوهر موضوع الخلاف.

 

سميح المعايطة في "الغد" أكد من جهته على ما حصل من تشويه لصورة المجلس
الذي كما يقول الكاتب "فشل في أن يقدم النموذج الايجابي في الحوار
والخلاف" ولفت المعايطة إلى الضرر المتحقق من "مشاهدة الأردنيين نوابهم
سريعي الغضب وشتائمهم قريبة من ألسنتهم وأيديهم مستعدة للضرب".

 

لكن الملاحظ بشكل يدعو للتساؤل هو أن "الرأي" وهي الصحيفة التي اصطفت
بإصرار في اليوم الأول لصالح فريق، سكتت فيما بعد هي وكتابها عن المتابعة
للحدث، فلم تنشر الصحيفة أية مقالة وهي التي تضم كتاباً اشتهروا باندفاعهم
الجماعي أحياناً نحو الخوض بمثل هذا الموضوع.