الصحافة والمؤتمر الصحفي لوزير الداخلية: تغطية نمطية ورقابة ذاتي

الصحافة والمؤتمر الصحفي لوزير الداخلية: تغطية نمطية ورقابة ذاتي
الرابط المختصر

ذ يعتبر المسؤول المؤتمر الصحفي أهم وسيلة للترويج لنفسه او لنشاطاته او لتمرير معلومات يريدها، فالصحافة بدورها تدرك تماما ان كل ما يقدم في المؤتمرات الصحفية، وخاصة تلك التي يعقدها المسؤولون الرسميون، هو من باب توزيع ما يعرف بالمعلومة "المجانية" وهي معلومة في عرف المهنة لا تستحق التعب كثيرا، او على الاقل تحتاج الى تدقيق ومتابعة والأخذ بالرأي الآخر.في العاشر من الشهر الجاري دعا وزير الداخلية عيد الفايز إلى عقد مؤتمر صحفي في مقر الوزارة، وقد تحدث الوزير مطولا وتناول مسائل كثيرة جدا. بينها الحديث العلاقة مع الحركة الإسلامية، وعن قوانين أقرت مثل قانون مكافحة الإرهاب وقوانين لم تقر مثل الأحزاب والانتخابات، كما وعن العلاقة مع الحركة الإسلامية وقرار تشكيل لجنة للنظر في بعض القرارات التي نجمت عن قرار فك الارتباط مع الضفة الغربية، كما وعن الوجود العراقي في الاردن، وهي مواضيع على كثرتها مهمة ايضا وتصب في خدمة الصالح العام.
في اليوم التالي نقلت الصحف مجريات المؤتمر بتفاوت، فصحيفة "الرأي" اختارت ان تنشر مجريات المؤتمر مع الكثير من التحرير، وهي استندت الى تقرير وكالة الانباء الرسمية، وفيما ركزت كثيرا على حديثه عن قوانين الاحزاب ومنع الجرائم ومراكز الاصلاح والتأهيل (السجون)، فقد اختارت ان لا تعطي القضايا الاخرى الأهمية نفسها فبدا واضحا ان الصحيفة اعادت انتاج المؤتمر مرة اخرى. هذا الى جانب ان الصحيفة نشرت وقائع المؤتمر على الصفحة الثالثة في المحليات دون أي إشارة له على الصفحة الاولى، بخلاف الصحف الاخرى، على اهمية بعض القضايا التي وردت فيه وتهم قطاعات واسعة من المواطنين.
اما صحيفة "الدستور" فهي وان كانت أشارت للمؤتمر على صفحتها الاولى الا ان تغطيتها لوقائع المؤتمر كانت مختصرة كثيرا جدا، وفضلت الصحيفة حذف الكثير من القضايا التي تحدث عنها الوزير، وتحديدا قضية تشكيل لجنة فك الارتباط، كما جاء عنوانها حول تأكيد الوزير عدم وجود خلاف بين الحكومة والحركة الاسلامية، مع ان الوزير أبدى عتبه الشديد على حركة الاخوان المسلمين لعدم توجيهها الشكر للملك الذي امر بالإفراج عن النائبين علي ابو السكر ومحمد ابو فارس، كما انتقد بعض ما وصفه "خروج بعض الأصوات خارج الطيف"، قائلا انه "لا يعني تمثيلا للحركة الإسلامية التي تتسم بالاعتدال" (الغد 11/10). وطالب الفايز الحركة الإسلامية بأن "تكون راشدة ومتعقلة وان لا تقفز ضد مصلحتها"، وتخفي هذه التصريحات التوتر بين الحركة الاسلامية والحكومة، بخلاف ما قصد الوزير او بخلاف ما ركزت عليه "الدستور".
الواضح ان مؤتمر الوزير خضع للكثير من عمليات التحرير والتدقيق في تغطية صحيفتي "الرأي" و"الدستور". فالوزير وقع في عدة زلات لسان، واطلق مواقف عدة طلب من الصحفيين عدم الكتابة عنها، كقضية الاخبار المتداولة عن طلب بناء حسينيات في الاردن وعن وجود حركة تشيّع. في المجمل كان الوزير يتحدث بأريحية كبيرة وبدون تحضير جيد، فقد حضر للمؤتمر بدون وثائق مما جعله غير قادر على اعطاء الصحف معلومات دقيقة عن الوجود العراقي في الاردن وعدد الذين حصلوا على جنسيات وقد وعد بتوفيرها لاحقا.
صحيفتا "العرب اليوم" و"الغد" كانت الصحيفتان الاكثر عناية بالمؤتمر فقد جاءت تغطيتهما الاوسع بين الصحف الاخرى، مع تركيز خاص على قضية فك الارتباط.
تبقى مسألة في قضية تقدير اهمية ما يرد في المؤتمر الصحفي، وهي مسألة متعلقة إما بمدى مهنية المحرر او المراسل او بتوجهاته السياسية، وهذا امر عكسته بشكل واضح تغطية المؤتمر، واذ ارتأت الصحف التركيز على هذا الجانب الخبري او ذاك من المؤتمر، فقد كان تقرير اذاعة عمان نت الأضعف فبدل من التركيز على الجانب الاخباري على رغم التفاوت في الاهمية ركز التقرير على وصف الوزير لطريقة تفكير الوزارة في المسألة الامنية وتحولها للجانب المجتمعي.
على أي حال، فقد أثار مؤتمر الوزير الكثير من الجدل بين الصحفيين، وقد اختار بعضهم ان يمارس دور الرقيب فقام بعملية تحرير مكثفة للمؤتمر، على ان عمليات التحرير هذه وان كانت تركزت اساسا على الافكار التي قالها الوزير الا انها عند البعض لم تتناول اخطاء الوزير او زلات لسانه، فاذا كان الوزير اخطأ عندما وصف قرار فك الارتباط بالقرار الفلسطيني فصحيفة "العرب اليوم" وكذلك "اذاعة عمان نت" ابقت الخطأ على ما هو عليه دون الاشارة او حتى وضعه كما هو ووضع التصحيح بين قوسين على عادة الصحف اذا ارادت الالتزام الحرفي بنقل كلام المسؤول. ولا مانع ان تمارس الصحف عملية تحرير لكلام المسؤولين واسقاط ما تراه غير مهم، ولكن المشكلة هي في تحرير افكار الوزير كما حدث مع "الرأي" التي أعادت صياغة فكرة فك الارتباط بما تمتلكه من معلومات ولم تكتف بتحرير كلام الوزير فأعادت بذلك صياغة القضية لا الحديث.
في المقابل، فقد تفاوت اهتمام الصحف في المؤتمر، كما وتقدير اهمية ما قاله الوزير. وفيما يرى الكثير من الصحفيين المراقبين ان اهم ما ورد في مؤتمر الوزير هو ما تعلق بتعليمات قرار فك الارتباط فإن صحيفة "الدستور" تجاهلت هذه القضية تماما، الامر الذي استدركته في اليوم التالي عندما نشرت على صفحتها الاولى تصريح مقتضب جدا للوزير دون أي تفاصيل اضافية او متابعة. وتابعته صحيفة "العرب اليوم" في اليوم التالي بخبر مقتضب ايضا حول اجتماع اللجنة المكلفة بإعادة النظر في التعليمات. وقد وقعت الصحيفة بخطأ التحريري وهي تنقل كلام مدير عام دائرة الاحوال المدنية والجوازات عماد المدادحة دون ان تقوم بتعريف القارئ بصفته الوظيفية او حتى ذكر اسمه الاول.
ما يثير الشك في نقل وقائع المؤتمر او التغطية الصحفية له ان الصحف على كل مشاربها، اكتفت فقط بسرد وقائعه دون أي متابعة لاي من القضايا التي أثارها الوزير وخاصة قضية تعليمات فك الارتباط التي اثارت بدورها جدلا في الشارع واهتمت بها وكالات انباء اجنبية، خاصة وكالة "يونيتد برس انترناسينال" التي نشرت تقريرا مطولا استطلعت فيه آراء بعض المحللين السياسيين، ومنهم الكاتب في "العرب اليوم" ناهض حتر الذي جزم بأن هذه اللجنة تحضر لإعادة النظر في قرار فك الارتباط تمهيدا لدور سياسي سيلعبه الاردن في الضفة الغربية في مواجهة حركة حماس. وحتى هذا التقرير فلم ينشر في الصحف المحلية.
على ان الغريب ايضا ان لا احد من معلقي الصحف وكتابها على كثرتهم تطرق لأي من القضايا التي اثارها الوزير على اهميتها وعلى ما عرف عن كتاب الصحف من التعليق على امور اكثر بساطة من هذه، فهل في الامر سر ما؟، ربما ولكن بعض العارفين ببواطن الامور يعتقدون ان جهة ما من الجهات العديدة التي تتدخل في عمل الصحافة طلبت من البعض او هي "مانت" على البعض عدم إثارة الموضوع و"تكبيره".
في أي حال فقد عكست تغطية الصحف للمؤتمر الصحفي عدة قضايا، منها نمطية تعامل الصحف المحلية مع المؤتمرات الصحفية من خلال سرد وقائع المؤتمر مع الكثير من عمليات التحرير والرقابة، كما وتفاوتت تقديرات أهمية القضايا المثارة، اضافة الى عدم المتابعة وعدم اخذ الرأي الاخر كما هو الحال مثلا مع الحركة الاسلامية التي انتقدها الوزير بشدة او الاحزاب التي لها رأي في ما قاله الوزير حول قانون الاحزاب او حتى متابعة موضوع التجنيس وموضوع التواجد العراقي الذي يكاد يكون احد المجاهيل المنسية في وسائل الاعلام.
دأبت الحكومة عندنا على عقد المؤتمرات الصحفية بكثرة، وأهمها المؤتمر الصحفي الاسبوعي للناطق باسم الحكومة ناصر جودة، وكل هذا يجري تحت مسمى الشفافية وحق الصحافة في الحصول على المعلومات، ولكن أي متتبع للإعلام يدرك القصد من وراء هذه المؤتمرات وهو ببساطة الترويج لمواقف الحكومة، وهذا حقها بالطبع، ولكن من حق الصحافة وواجبها، ليس فقط سرد ما قاله المسؤول كي لا تتحول الى مجرد ناقل او وسيلة دعائية بل البحث عن الجديد والمفيد، وفرز الخبر والمعلومة عن الترويج والدعاية، ومتابعة وتقصي ما خفي او ما أريد إخفائه او ابرازه كما وعدم تجاهل الرأي الآخر.
والصحافة المهنية دائمة البحث عما وراء القصد او ما وراء الخبر، لذلك فان لتغطية أي مؤتمر صحفي قواعد مهنية، ومع ذلك فقد درجت العادة لدى الكثير من صحفنا على استسهال تغطية المؤتمرات الصحفية من خلال سرد مجرياتها دون التمييز بين المهم والاهم في المؤتمر، ودون أي متابعة، وهو الأمر الذي يريده صاحب المؤتمر الصحفي بالضبط.

أضف تعليقك