الصحافة والزراعة: تغطية "مناسباتية" متراجعة

الصحافة والزراعة: تغطية "مناسباتية" متراجعة
الرابط المختصر

إذا كان الأردن يعد من البلدان الزراعية فان الزراعة حالها في الإعلام كحالها في برامج الحكومات المتعاقبة في تراجع مستمر.

إذا كان الكاتب طارق مصاورة في مقال له بالرأي (5/2) يقول بان الزراعة "مقتلنا ومنجاتنا" مؤكدا على اولوية الزراعة واهمتيها، منتقدا الحكومات لمتعاقبة والسلوك الاجتماعي ازاء العمل الزراعي، فان ما نسيه الكاتب هو دور وسائل الاعلام في تسليط الضوء على مشاكل الزراعة في الاردن، وما اكثرها، وفي خلق وعي جماعي يعيد الى الاذهان هذه الاهمية التي يتحدث عنها لهذا القطاع الحيوي، ويحاول تغيير الثقافة الاستهلاكية السائد واحتقار العمل اليدوي عامة، والزراعي خاصة.
اذا كانت التوجهات الاقتصادي للبلاد ادت الى تراجع دور الزراعة في الاقتصاد بشكل مضطرد حيث لم يسهم هذا القطاع باكثر من 0.2% من اجمالي الناتج المحلي الاجمالي خلال العام الماضي، فانه يقع على عاتق وسائل الاعلام المحلية الدور الاكبر في تحريك عجلة العودة للارض. بيد ان ما يحدث مع وسائل الاعلام، وخاصة الصحف اليومية، لا يشير الى أي دور ايجابي في هذه العملية.
المتابع للتغطية الصحفية لقضايا الزراعة يلحظ بشكل لا تخطئه العين مدى تراجع هذه التغطية لحساب قطاعات اخرى، ففيما تحظى شركة خليوي واحدة في البلاد بـ 340 خبرا في أهم صحيفة يومية بالمملكة -نقصد صحيفة "الرأي"- خلال ثلاثة شهور، حظيت الزراعة بأقل من 200 خبر خلال نفس الفترة.
اما عند صحيفة "الغد" فالحال كان أسوا فمنذ 1/1/2007 وحتى 19/2/2007، نشرت الصحيفة اقل من 80 خبرا تتعلق بالزراعة بشكل عام، فيما نشرت 320 خبرا عن نفس شركة الخليوي.
ويظهر هذا الرقم مدلولات عميقة من ناحية تغليب القطاعات الخدمية وسيادة وتأثير الشركات المعلنة على عمل وسائل الإعلام على حساب قطاع كان لوقت قريب اهم قطاعات الاقتصاد واكبر المساهمين في الناتج المحلي والثروة القومية للبلد.
على أي حال، فان الرقم هذا قد يظهر للبعض اهتماما بسبب كثرته العديدة والحال فان الامر ليس كذلك، فالكثرة العددية لم تأتي بسبب ان الصحف نشرت تحقيقات او تقارير استقصائية او مقابلات او استطلاعات رأي او أي عمل وجهد اعلامي ومهني مميز يسلط الضوء على مشاكل الزراعة وانما كانت في اكثر من 89% منها تغطية خبرية برتوكولية في اغلبها، لنشاطات وتصريحات مسؤوليين او بيانات صادرة عن جهات معنية وارسلت عبر الفاكس او البريد الالكتروني.
تعاني الزراعة في الاردن من مشاكل لا حصر لها غير ان اغلب مشاكلها ناجم عن سوء تخطيط حكومي او توجهات اقتصادية معينة يفرضها متنفذين واصحاب مصالح ولوبيات اقتصادية ان لم نقل حيتان اقتصادية، فمشكلات من نوع التسويق ودعم المزارعين وحل مشاكل الاقراض الزراعي والعمالة، بما فيها العمالة الوافدة وعمال المياومة، وغياب دور وزارة الزراعة وإستراتيجية زراعية واضحة ومحددة، وتحديد الاراضي الزراعية ومنع استخدامها لاغراض اخرى، والسماح ببناء اكثر من اربع طوابق في مدينة عمان والمدن الاخرى ما ادى الى توسع افقي بالمدن الاردنية على حساب الارض الزراعية لافادة اصحاب الاراضي وشركات المقاولات وغيرها، كلها مشاكل ناجمة ليس عن شح موارد البلد بقدر ما هي ناجمة عن سياسة اقتصادية عمادها سيادة الاقتصاد الخدمي واحيانا كثيرة المحسوبيات والفساد. ولكن ما هو مهم في الامر ان الاعلام غائب عن هذه المشاكل الحقيقية وتخلو الصحف تماما من أي تحقيقات او تقارير حقيقية عن كل هذه المشاكل.
ما هو اسوا بكثير من التغطية الاعلامية المتراجعة او المتدنية، كما ونوعا، لقطاع الزراعة في الاردن، هو كتاب الاعمدة او الرأي فهؤلاء على كثرتهم لا يوجد بينهم أي كاتب متخصص بشؤون الزراعة كقطاع اقتصادي قادر على تناول مشاكله بين حين واخر، كما لا يوجد اهتمام مطلقا لبقية الكتاب في هذا القطاع فخلال اكثر من شهرين لم نعثر على اكثر من اربع مقالات عن الوضع الزراعي في البلد وبعضها كتب بسبب مناسبة. فمقال لفهد الفانك في "الرأي" بتاريخ (16/2) بعنوان "اسعار الخضروات بين المستهلك والمنتج" تطرق فيها الكاتب لقطاع الزراعة جاء بسبب ما يتردد من شكوى المستهلكين من ارتفاع الاسعار ومحذرا الحكومة من التدخل في السوق.
اما مقال طارق مصاروة "الزراعة مقتلنا ومنجاتنا" (الرأي 5/2) فقد أتى بعد اجتماع الملك مع المعنين في قطاع الزراعة بتاريخ 2/1. وفي الصحف الاخرى ليس للزراعة نصيب، اذ ان السياسة هي المفضلة دائما على تناول قضايا البلد الحيوية.
ومهما يكن من امر، فان غياب الاعلام عن مشاكل الزراعة، يعود الى عدة اسباب، اولها ان وسائل الاعلام تلهث دائما خلف اجهزة الدولة، تغطية وتعقيب ومتابعة، ولا زالت عاجزة عن اثارة القضايا وتسليط الضوء عليها لتحريك المسؤولين وصناع القرار، ووسائل العلام لا زالت عاجزة ايضا عن تعميق تناول القضايا حتى عندما تثار من جانب ما، كما حصل مثلا مع الاجتماع الزراعي للملك الذي مر دون أي مناقشة وتغطية حقيقية من قبل وسائل الاعلام التي اعتقدت ان من الكافي تغطية اخبار الملك وتسليط الضوء عليه؟. اما وسائل الاعلام فهي خاضعة ايضا لتأثير كبير من المعلنين وكون قطاع الزراعة من المزارعين وعمال المياومة وفقراء الاغوار وآلاف النساء العاملات في الاغوار لا يملكون ما تملكه شركات الخلوي او الفنادق او غيرها فلن ننتظر عدالة في تغطية مشاكلهم مقابل تغطية نشاطات فرق ومسؤولين ومبادرات الخير القادمة من شركات أمعنت في افقار الاردنيين وفي تسليع فكرهم وتشييء حياتهم.

أضف تعليقك