الصحافة والإصلاح: نقاش الهوية والمشاركة الفلسطينية

الرابط المختصر

العرض الذي قدمه وزير البلاط الملكي مروان المعشر، (صحف 17/5) حول ابرز ملامح، والخطوط العامة لعمل لجنة الاجندة الملكية الوطنية، وبعدها مقال الوزير السابق الدكتور فواز الزعبي حول الإصلاح (صحف 14/5) فتح نقاش الاصلاح والمخاوف على الهوية وحقوق الفلسطينيين في الاردن على مصراعيه.ولقد خرج النقاش في هذه المرة عن باب الكلام "العاطفي المجامل" حول الوحدة الوطنية ليدخل في طور اكثر صراحة وجدية بما يوحي وكأن الصحف المحلية بكتابها أسقطت "تابو" (محظور) كان الحديث فيه يوقع في الشبهات.

اختار الوزير مروان المعشر على غير عادته مؤخرا جمع حشد من الصحفيين لوضعهم في صورة عمل اللجنة، ويرى مراقبون ان ما قام به الوزير جاء كمحاولة منه لتبديد الشكوك والريبة حول نوايا عملية الاصلاح والإصلاحيين في الاردن او على الاقل محاولة لجس نبض النخبة الاعلامية تجاه عملية الاصلاح واطلاق النقاش حولها.

ويبدو ان المعشر حقق مقصدا واحدا هو فتح باب النقاش على صفحات الصحف حول الاجندة دون ان يتمكن من زحزحة بعض القناعات او تبديد الشكوك.

واذا كانت الصحف ركزت في تغطيتها الاخبارية للقاء المعشر بالصحفيين على الكلام المعتاد كتأكيده على ان الاجندة "صناعة وطنية 100 في المائة"، متجاهلة التوتر الذي ساد اللقاء وطبيعة الاسئلة التي وصل بعضها حد "الاتهامية" خلال النقاش. فان كتاب الاعمدة خالفوا هذه التغطية العادية واطلق بعضهم العنان لاقلامهم فتخطوا حاجز "الكلام المعسول" لنقاش جدي في احيان، واتهامي وتشكيكي في احيان اخرى.

وفقا لصحفيين حضروا لقاء المعشر فان "الاسئلة – الاتهامات" تمركزت اساسا حول "نوايا الاصلاحيين تفكيك بنية الدولة الاردنية وتغيير هويتها الوطنية وبيع القطاع العام كخطوات ضرورية لتوطين اللاجئين الفلسطينيين نهائيا واستيعاب مخرجات الحل النهائي للقضية الفلسطينية على حساب الأردنيين".

لقاء المعشر ليس معزولا وهو ليس الحدث الوحيد الذي فجر النقاش في "الهوية الوطنية" فهذا النقاش كان حاضرا دائما في الصحف المحلية، بيد ان التطورات الاخيرة ومنذ تشكيل حكومة عدنان بدران وتجاهله لـ"عرف المحاصصة الجغرافية"، وتصريحاته لوكالة الأنباء الأردنية بانه ضم اكبر عدد من الوزراء الفلسطينيين في حكومته وقبل ذلك بيان النواب الـ46 ثم لاحقا مقال الوزير السابق فواز الزعبي اعطى النقاش مسمى واضحا وما كان يكتب ويقال مواربة اصبح واضحا وجليا.

باستثناء التغطية الاخبارية العادية فقد انفردت صحيفة "العرب اليوم" بحوار شامل مع رئيس الديوان الخدمة المدنية، مازن الساكت، في ملحقها "اليوم السابع" (16/5) خرج فيه عن المألوف معارضا برنامج الاصلاح وواصفا برامج "الاصلاح الاداري بانها تهدد انجازات الدولة"، وهو بذلك نسج على نفس منوال الكتاب الذي عارضوا البرنامج.

وقد انقسم كتاب الرأي في الصحف المحلية بين مؤيد للاصلاح والاجندة الوطنية، وهم فئة الكتاب من اصول فلسطينية اجمالا، وبين مشكك او متخوف او مشترط وهم الكتاب من اصول اردنية.

وقد وصف الكاتب محمود الريماوي في "الرأي" (19/5) بمقاله "ملاحظات حول بعض افكار" ردود الفعل على برامج الاصلاح بانها "حملة" تستهدف الاصلاح السياسي، وتتخذ لها بعض العناوين وتفكيك الدولة، التشجيع على التوطين".

الكاتب سامر خير احمد في "الغد" (20/5) يتفق تقريبا مع الريماوي ويقول في مقال له بعنوان "التعميم والتجريم في أسئلة الهوية والإصلاح والديمغرافيا": منذ بضع سنين، تزخر الصحافة الأردنية وجلسات "المثقفين" بحوارات وأسئلة الديمقراطية والإصلاح السياسي، واستتباعاتها في قضية توطين اللاجئين الفلسطينيين. وقد أفرز ذلك إصرار البعض على تثبيت مفاهيم "الثقافة الوطنية" و"الهوية الوطنية" للأردن، وتعريفها بمجموعة من المعايير والقيم التي يستوجب على المرء التزامها حتى يكون أردنياً، مما يشكل مدخلاً لنفي الانتماء للأردن عن كل من لا يلتزم بتلك المعايير، وبرهنة عدم استحقاقه لصفة المواطنة التي يطالب بها. وقد توسع الحديث عن الثقافة والهوية في الفترة الأخيرة بالتزامن مع أحاديث الإصلاح السياسي حتى بات الاثنان يمثلان معاً موضة واحدة".

الكاتب ركان المجالي في "الدستور" يعلق على المخاوف المثارة حول الهوية الوطنية في مقاله "الهوية في الزمن الصعب" ويقول: "وانا اوافق كل الذين ينبهون الى ان الهويات الوطنية مهددة ومستهدفة بخطر رسم خرائط جديدة وتمزيق وإضعاف الكيانات الوطنية القائمة، وكل هذه المخاوف والتوجسات مشروعة، لكن لا يمكن الرد على هذا التآمر الخارجي والمخاطر المتزايدة بالانكفاء والانغلاق والتعصب والحرد والانزواء، فالرد هو بالحوار الايجابي المتبادل والمتواصل".

الكاتب ناهض حتر في "العرب اليوم" كان الاكثر في الكتابة حول برنامج الاصلاح الوطني وتصريحات المعشر ومقال فواز الزعبي وهو الاكثر وضوحا في تناول الموضوع من زاوية "التحذير من مخططات تفكيك الدولة الاردنية" وحتى من مخططات اصلاح جهاز المخابرات الذي يصفه "بحزب الدولة" في غياب او في ظل فشل محاولات الدولة تشكيل حزب مدني.

يقول حتر في مقال له (18/5) ان الدكتور فواز الزعبي "كشف القطبة المخفية لبرنامج الاصلاح الليبرالي الكمبرادوري". وبالطبع فان "القطبة المخفية" بالنسبة لحتر هو "تفكيك بنية الدولة وحزبها المتمثل بالاجهزة الامنية".

الكاتبان جميل النمري في "العرب اليوم" (19/5) وياسر ابو هلالة في "الغد" كانا اكثر مباشرة في تناول مسألة المشاركة الفلسطينية وحتى اقتراح حلول لهذه المشاركة. يقول النمري في مقاله "الاصلاح السياسي والمشاركة الفلسطينية" ان الحل الاستراتيجي الذي يقترحه الدكتور فواز الزعبي "اذا كان مطروحا في المدى القريب وقبل استقرار الحل على الجبهة الفلسطينية وحسم موضوع اللاجئين وقيام الدولة الفلسطينية يتضمن بالطبع المخاطر الماثلة في ذهن الاردنيين بالنسبة للوطن البديل وفي ذهن الفلسطينيين بالنسبة للاغلاق المسبق لملف فلسطيني الشتات".

اما ياسر ابو هلاله في مقالة "الهوية في الاردن: العقبة المتوهمة امام الاصلاح" (الغد 18/5) فهو يقترح حلا "للمشاركة الفلسطينية" ويثني على مقال للكاتب الاسلامي ياسر زعاترة في "الجزيرة نت" تحدث فيه عن هذه المشاركة او "المحاصصة" في الحكومات والدوائر. يقول ابو هلاله: "في الأردن، يمكن صياغة مشروع إصلاح سياسي، يتنبه للمخاوف المرتبطة بالهوية. وأحسب أن ما طرحه الزميل ياسر زعاترة في الجزيرة نت، يشكل أساسا لهذا المشروع. فالكاتب (وهو ابن مخيم الوحدات، وكان لعهد قريب قيادي في جماعة الإخوان المسلمين، وسبق أن ترأس تحرير مجلة "فلسطين المسلمة" المقربة من حماس) لا يرى الإصلاح في زيادة تمثيل الفلسطينيين سياسيا في الحكومة ومجلس النواب. وبنظره، فالكوتا السياسية الراهنة، أي بحدود الربع، كافية. وفي المقابل، يمكن الحديث عن حقوق معيشية وخدمية، تتعلق بالجامعات ودوائر الدولة...".

ويتابع: "عندما نحافظ على هوية الدولة نعطي الأردني من أصل فلسطيني حقين؛ حق المواطنة وحق العودة. أما من يريد أن يتنازل عن حق العودة، بدعوى حق المواطنة، فهذه جريمة تخالف الدستور والقانون، وقبل ذلك الأخلاق والشرف.

وباسم الأجندة الوطنية لا يجوز التسلل إلى مواقع محرمة كهذه، بل لا بد باسمها من تطمين الناس على هويتهم، كما فعل الدستور أولا، والميثاق الوطني ثانيا. فالهوية إطار الإصلاح لا نقيضه... وللحديث صلة".

وفي مقابل من كتبوا حول "مخاوفهم" من الاصلاح والاجندة الوطنية والاهداف "الخفية" لـ"الليبرالين الاصلاحيين" وهم كثر، منهم "فهد الخيطان، ناهض حتر، ياسر ابو هلالة، سميح المعايطة، راكان المجالي واخرون"، هناك من اتخذ موقفا مؤيدا بشدة كان ابرزهم "عريب الرنتاوي، خالد الزبيدي، ابراهيم سيف"، الا ان حسن البراري كان اكثر وضوحا وهو يتناول مخاوف "التفكيك والتوطين"، وهو كتب في "الغد" (21/5) يقول في مقال له "الليبرالية وقوى الشد العكسي": "أما مقولة أن تبني وجهات النظر الليبرالية، التي تضمنتها مقالة الزعبي، سيؤدي الى توطين الفلسطينيين، وتفكك الهوية الاردنية والدولة فهذا كلام أقل ما يمكن وصفه بالضعف والتحريض. فالهوية ليست معطى ثابتا، وانما نتيجة حراك اجتماعي وسياسي واقتصادي، قابل لإعادة التشكيل. والحديث عن الهوية الوطنية الأردنية بهذا الشكل ينطوي على مفارقة تاريخية. وفي العولمة الاقتصادية فإن مستقبل الدولة الوطنية، كتشكيل اجتماعي، ليس مستقرا، ولا توجد خطورة تفكيك بنية الدولة، وكأنها كيان إذا ما فكك لا يستطيع الحركة".

الكاتب محمد ابو رمان "الغد" (18/5) تميز في تناوله لطبيعة النقاش المفتوح والاطراف المتحاورة، وهو يقول في مقاله بعنوان "الاصلاح والمعادلة الداخلية": "وللأمانة، فإن القوى السياسية الأردنية الرئيسة المختلفة لا ترفض الإصلاح، ولا تتنكر له، كما لا تطالب بتجميد العملية الديمقراطية، ولا تحبذ التضييق على الحريات العامة وعلى انفتاح الحياة السياسية، والمسألة ليست تشكيكا بأهمية الحكومة التكنوقراطية ومشروعيتها ومطالب النمو الاقتصادي..!. إنما هناك "معضلة" يقف نقاش الإصلاح السياسي عندها، ولا يتجاوزها، وهي العلاقة الأردنية- الفلسطينية؛ فإلى الآن لا يوجد حوار وطني هادئ ومتزن يطرح هذه القضية بموضوعية ويقدم مقاربة بهذا الخصوص، بل هناك فقط اتجاهات يمينية إقصائية متبادلة تعرض الموضوع في إطار من التشنج والاحتقان. أو تتحول هذه العلاقة لتصبح بمثابة "المسكوت عنه" المؤثر في بنية الحياة السياسية الأردنية وتدور حولها العديد من القضايا دون محاولة الاقتراب منها والعمل على معالجتها والتعامل مع انعكاساتها على المناحي المختلفة في الحياة".

النماذج التي استعرضناها سابقا تعطي صورة قريبة وشبه واضحة عن طبيعة النقاش الدائر في الصحف المحلية اليومية حول الاصلاح والهوية الوطنية، واذا كان هنالك من جديد في هذا الجدل فهو اصبح اكثر وضوحا او بات يحمل مسمى واحدا هو "اشكالية الهوية الوطنية والمشاركة الفلسطينية" كما اظهر هذا الجدل وبشكل جلي الفرز بين كتاب الرأي، وهو فرز مرتبط اساسا لا في افكار الكتاب بقدر ارتباطه "بالاصول والمنابت".

أضف تعليقك