الصحافة تحرق البخور لأمانة عمان

الرابط المختصر

عقد مجلس أمانة عمان اجتماعه الشهري في الثلاثاء الماضي (14 شباط) بحضور ممثلين عن وسائل الإعلام المحلية، ولكن أي جدوى من حضور هؤلاء ومن هذه الشفافية طالما ستخرج الصحف في اليوم التالي بخبر موحد ومنقول بشكل شبه حرفي.ما يحدث في اجتماع مجلس أمانة عمان اكبر بكثير مما تصوره الصحافة للمواطن، فالاجتماع الشهري الذي يعقده المجلس ويناقش فيه الأعضاء القرارات والمشاريع والشكاوى وكل ما يهم العاصمة وسكانها لا تزيد مدة انعقاده على الساعة فقط.



وفي حين يدير الأمين العام الاجتماع بطريقة شبه "عشائرية"، أو كجلسة "أصدقاء متحابين متفاهمين"، يبدو أن الأعضاء يشاركون في الاجتماع بدون أي تحضير سابق فتبدو الاعتراضات خجولة ومتفرقة وغير مؤسسة على وجهة نظر مقنعة، وفي أحيان كثيرة يتجاوز الأمين هذه الاعتراضات بدون أية مناقشة حقيقية وجدية أو تسجيل وتوثيق.



خلال الجلسة الأخيرة ناقش بعض الأعضاء، أو قدموا اعتراضات، على مشاريع أو مقترحات لم تجد طريقا لها في تقارير الصحفيين، أو لم تجد أي اهتمام حقيقي بها على رغم ما فيها من أهمية وما لها من حساسية.



في مداخلة لها اعترضت عضو المجلس سامية السلفيتي على زيادة مليون دينار على مخصصات متحف الأطفال الذي يتم إنشاؤه في وسط عمان لتصبح هذه المخصصات خمسة ملايين دينار، وقد أشارت السلفيتي إلى عدم جدوى إنفاق كل هذا المبلغ في متحف واحد فيما يمكن إنشاء عدة مشاريع للأطفال في عدة مناطق. كما أشارت السلفيتي إلى أنها كانت اعترضت على المشروع أيضا لأنها توقعت أن كلفته سترتفع أكثر مما هو مرصود وكل هذه النفقات على المتحف لا تتناسب واحتياجات العاصمة.



ولكن اعتراض السلفيتي مر دون أي نقاش حقيقي فقد تجاوزه الأمين العام ولم تشر إليه الصحف، باستثناء إشارة مجزوءة في "الغد" (15/2). وعلى العكس فقد تغنت الصحافة طويلا بمشروع متحف الأطفال في السابق وصورته على انه من أهم الانجازات، دون أي تحقيق في جدواه أو في مدى تناسب كلفته مع أهميته وأولويته أو خدماته التي سيقدمها فعلا لأطفال البلد.



العضو خميس عطية طرح اقتراحا، أو هو أعاد التذكير، بضرورة إعادة النظر في نظام الأبنية والسماح ببناء خمسة أو ستة طوابق، مذكرا بارتفاع أسعار الأراضي والظروف الاقتصادية التي يمر بها المواطن، وان هذا الاقتراح لو تم الأخذ به فسوف يسهم في تخفيض أسعار السكن على الموطن. ولكن هذا الاقتراح تجاوزه الأمين العام مرة أخرى وأشارت له صحيفتي "الرأي والغد" بطريقة أيضا مبتسرة دون أية متابعة على رغم أهميته للمواطن.



وفي مجال آخر اعترض عضو المجلس خالد الكردي على اقتراح قرار تخفيض أسعار أجرة المتر المربع من محال مخامر الموز ومساواتها مع أجرة المحال الأخرى. وقد برر العضو رفضه القرار بأن الموز من الزراعات التي تستهلك الكثير من المياه وليس من المناسب تشجيع هذه الزراعة على حساب زراعات أخرى، ومع ذلك فإن هذا الاعتراض مر أيضا ولم تقم أي صحيفة بالإشارة له أو متابعته.



لكن هناك ما هو أكثر جدية أيضا، فقد مرت الصحافة سريعا عن تخصيص الأمانة لمبلغ 489 ألف دينار لشراء أشجار ونباتات زينة من ايطاليا، ولم تتساءل الصحف عن جدوى شراء هذه النباتات وتخصيص هذا المبلغ الضخم ولا عن مدى كلفة العناية بهذه الأشجار أو مدى ملاءمتها لأجواء الأردن، أو ما إذا توفر بدائل محلية رخيصة لها.



ولم تتساءل الصحف ما إذا كان منطقيا أن تقوم الأمانة بتخصيص نصف مليون دينار لأشجار زينة مستوردة في الوقت الذي تعاني فيه مناطق عديدة في شرق العاصمة من تدني الخدمات وفي وقت نجد فيه مطالبات بتعبيد أو تصليح شوارع أو تدني خدمات الأمانة في مناطق أخرى أو في الوقت الذي تبحث فيه الحكومة عن زيادة مداخيلها عبر رفع أسعار المشتقات النفطية وعبر زيادة الضرائب على المواطنين؟.



كما لم تتساءل الصحافة عن مدى جدوى تخصيص مبلغ 363 ألف دينار لإنشاء نظام تحكم مركزي للإشارات الضوئية، بل أن الصحافة لم تقم بأية عملية إيضاح لهذا المشروع.



وتجاهلت الصحف مداخلة أخرى لأحد الأعضاء اعترض فيها على إحالة عطاء الأطاريف والأرصفة لشركة محلية للمرة الثانية.

وعلى أي حال، فإن مشاريع الأمانة مهما كانت لم تخضع يوما لمساءلة الصحف، والمتابع للصحافة المحلية لا يجد سوى أخبار منقولة عن الأمين العام أو بينات الأمانة دون أي تحقيق جدي في أهمية هذه المشاريع ومدى ملاءمتها لحاجة البلد ولا عن مدى كلفتها الحقيقية أو الحاجة لها. ومن المستحيل مثلا العثور على أية مادة تحقيقية في الصحف حول مشاريع مثل "جسر عبدون" الذي تزيد كلفته على 18 مليون دينار أو أكثر، وهو مشروع تأخر إنجازه عن الوقت المقرر ولا يعرف المواطن، دافع الضرائب، مدى الحاجة لهذا المشروع التجميلي وما إذا كان ممكن تنفيذه بطريقة أخرى أقل كلفة وأسرع وقتا ولا تنقصه الجمالية أيضا.



وإذا كنا هنا لا نشكك في مدى صدقية مشاريع الأمانة والقائمين عليها ونزاهتهم، مع أن للنائب رائد قاقيش وجهة نظر أخرى حيث قدم عدة استجوابات في مجلس النواب لامين العاصمة ملمحا إلى وجود "فساد" في مشاريع الأمانة، فإن الصحافة هنا لم تبدي أية حماسة في لعب دورها الرقابي على خطط ومشاريع الأمانة بل وانحازت ضد النائب إلى جانب الأمانة.



والغريب أن الصحافة التي تساءل الحكومة بكل أجهزتها، بما في ذلك الأجهزة الأمنية التي لم تسلم من سهام النقد بعد التفجيرات الإرهابية، تلتزم الصمت عندما يتعلق الأمر بالأمانة ومشاريعها، بل والأخطر أنها تقدم مشاريع الأمانة على أنها إنجازات كبيرة أو "منة" من مجلس الأمانة والأمين بدون أي تحقيق جدي في مدى جدواها. وهو ما يطرح علامات استفهام على مدى استقلالية الصحف ومدى مصداقيتها، بخاصة أن المواطن يلحظ أن عدة مشاريع نفذتها الأمانة لم تكن بالمستوى الذي تم تصويره، مثل بعض الأنفاق التي لم تحل أزمة مرورية كما كان مرجو منها.



تكاد أمانة عمان التي تزيد ميزانيتها عن 143,5 مليون دينار للعام الحالي، تجنى جميعها من الضرائب التي يتحملها سكان العاصمة، تكاد هذه الأمانة تتحول إلى جهة محصنة وبعيدة عن النقد والمساءلة في ضوء صمت الصحافة أو عدم موضوعيتها في تناول قضايا الأمانة بخلاف دور الصحافة تجاه كل مؤسسات الدولة الأخرى.



التغطية الإعلامية المتشابهة والبرتوكولية والمجزوءة لاجتماع مجلس الأمانة المشار إليه ليس سوى عينة عن طريقة تعاطي الصحف المحلية مع الأمانة، ومع مشاريعها وقراراتها.



ولكن لا يوجد سر في الأمر، فالأمانة هي من اكبر المعلنين في الصحف وهي من اكبر المشتركين أيضا، ولكن أليست الحكومة هي اكبر معلن في الصحف أيضا ومع ذلك تتعرض للنقد والمساءلة؟ نعم، ولكن الأمانة تمتلك وسائل أخرى للضغط أو لاستمالة الصحف والصحفيين، فتحت عناوين شتى مثل إصدار المجلات وإقامة الندوات وإصدار الكتب والتوظيف للإعلاميين وأقاربهم استطاعت الأمانة أن تستميل عددا كبيرا من الصحفيين، وسعيد هو الصحفي الذي يتم اختياره لتغطية أخبار الأمانة.

أضف تعليقك