الصحافة الثقافية.. حرب غير شعواء تجري في الكواليس
من المرجح أن قراء الصفحات الثقافية الذين تجذبهم تلك النعومة التي تصاغ بها المواد المنشورة من شعر وقصة ورسومات، من المرجح لا يتمكنون من التعرف على ما يشبه الحرب التي تدور تدور خلف كواليس هذه الصفحات باستخدام ذخيرة خاصة ويشترك بها المبدعون من خارج الصحف والمحررون ومسؤولو أقسام الثقافة في الصحف وصولاً الى رؤساء ومدراء التحرير وربما مالكي الصحف أحياناً. وحْدُه القارئ هو الذي يتصور أن العلاقة بين هؤلاء جميعاً يسودها الهدوء والسكينة وأولوية الابداع، فيما هي في الواقع غير ذلك تماماً.
لا تخلو أية صحيفة يومية من تجربة أو أكثر مع الملاحق الثقافية المستقلة عن جسم الصحيفة، غير أنه في اللحظة الراهنة لم يصمد سوى ملحقي "الرأي والدستور"، بينما خصصت "العرب اليوم" في الأسابيع القليلة الماضية ثلاث صفحات من كل ثلاثاء، أما "الغد" التي أصدرت في فترتها الأولى ملحقاً ثقافياً اعتبر حينها حدثاً في الشكل والمضمون، فقد توقفت عن ذلك.
وأخيراً فإن صحيفة "السبيل" اليومية الجديدة مقلة نسبياً في العناية بالشأن الثقافي بالمعنى الدارج بين المثقفين.
لن نتحدث هنا عن المحتوى فهذا شأن يعتني به المبدعون أنفسهم، وسنقتصر كلامنا على الشكل وبالذات على خفايا صناعة هذه الصفحات داخل الصحف نفسها وعلى ما يتم تدواله بين كتابها ومنتجيها.
داخل الصحيفة تُعَد الملاحق الثقافية صفحات مُكْلفة مالياً وجالبة لـ"وجع الرأس" في بعض الأحيان، وعند المعنيين بالجانب التجاري والتسويقي من العمل الصحفي لا تعتبر الصفحات الثقافية "بياعة".
أما في أوساط المثقفين، ومن المنظور المالي، فتقسم الصحف الى صحيفة "تدفع جيداً" وأخرى "لا تدفع جيداً" وثالثة "لا تدفع بالمرة"، ولكن تعالوا نتعرف على هذا الدفع.
وهناك في هذا المجال تفاوت بين صحيفة وأخرى، أو بين الصحيفة ذاتها في أزمان مختلفة، فـ"الرأي" مثلاً، التي تدفع الآن بين 30 الى 50 ديناراً للمادة الواحدة بحسب "ثقل" كاتبها، كانت في فترة سابقة تدفع أكثر في الحدين الأدنى والأعلى، ثم تراجعت قبل أن تستقر على مبالغ متوسطة حالياً، والأمر دوماً وفي كل الصحف، متعلق بالمشرف على الملحق وبرئيس التحرير وموقفه من الثقافة والصحافة الثقافية.
حال المكافآت في صحيفة "الدستور" أدنى قليلاً غير أنها لا تزال تحتل المركز الثاني في الدفع، بينما اشتهرت "الغد" في سنتيها الأولتين بالدفع الجيد قبل أن تتوقف، وفي "العرب اليوم" لا تدفع الصحيفة عموماً مقابل نشر المواد الأدبية.
إن الصحافة الثقافية لا تتحدث عن أجور بل عن مكافآت، لأن عبارة "كاتب مأجور" لا تزال من أقذع الشتائم، مع أننا عندما سألنا عن كيفية تحديد الفروق في المكافآت بين الكتاب، قيل لنا أنهم في الصفحات الثقافية يستطيعون أن يميزوا بين الكتاب والمبدعين، فمنهم الكاتب "نص كُم" ومنهم "ربع كُم" ومنهم "كُم كامل" يتقاضى المكافأة الأعلى.
لكن الصراع في الصفحات الثقافية لا يتوقف هنا، فهناك صراع بين الكتاب والملاحق بحسب الانتماءات الفكرية والانتخابية، وبعض الصحف تعتبر منابر مغلقة لتيار دون غيره، ويضطر المحرر المنصف الى التنبه الى العديد من المعادلات التي تحكم عمله، وعليه أن يتوصل الى "طبخة" فيها كل النعاصر كما عبر أحد المحررين الثقافيين.
يرضى الكتاب بيوم الجمعة كيوم للمحلق الثقافي وهو اليوم الذي تعبتره الصحف يوماً ضعيفاً ولكن الكتاب والمبدعين يعتبرون أن موادهم تتناسب مع يوم كسل القراءة ويوم الاسترخاء. غير أنه علينا أن ننتبه الى أن الكلام هنا يدور عن الملاحق الثقافية فقط، ولم نتحدث عن الصفحات الثقافية والفنية اليومية التي عادة ما تكون اخبارية تتضمن تغطية للنشاطات وتعريفاً بالبرنامج اليومي أي أنها توفر اعلاناً مجانيا عن النشاطات الثقافية المختلفة، وهذه ميدان تحاول الصحف أن تبرهم بواسطته على كرمها.
يتحدد حجم الصفحات الثقافية بحسب "السياسة الورقية" أو بحسب "الوضع الورقي" للصحيفة في زمن معين، فتزيد الصفحات أو تقل أو تختفي أحياناً أو تكون ملونة حيناً وغير ملونة حيناً بحسب اولوية توزيع الورق بين أقسام الصحيفة، وحصل ذات مرة أن غيرت صحيفة ملحقها الثقافي الى الحجم الصغير (التابلويد)، وقالت إن لذلك أسباباً تتعلق بضرورات الابداع! غير ان حقيقة الأمر كانت متعلقة بنوع الورق المتوفر، بدليل أن الصحيفة عادت بعد نفاذ الكمية الى الحجم الكبير.
تتفاوت الإدارة ورئاسة التحرير في نظرتها الى الثقافة، فأحياناً يجد رئيس التحرير نفسه أمام إشادة بما نُشر تجعله "ينفش ريشه" بين رؤساء التحرير سيما وأنها عادة ما تكون إشادة نخبوية، ولكنه يغضب عندما تأتي ملاحظة سلبية توجع رأسه أكثر من الملاحظات الأخرى بسبب أنها تكون من مصدر نخبوي أيضاً.











































