الصابون سر العلاقة بين البلقاء ونابلس

الرابط المختصر

لم تكن رائدات صناعة الصابون من زيت الزيتون الاصلي في عجلون, يعلمن وهن يباشرن العمل في بيت الصابون - احد مشاريع الجمعية الملكية لحماية الطبيعة - انهن يعملن هذا يكملن السير في طريق قديمة, كانت قد شقتها شبكة العلاقات الاجتماعية والاقتصادية, التي نشأت خلال سنوات القرن التاسع عشر ما بين اصحاب معامل الصابون في نابلس - مصابنية نابلس - من جهة, وبين جماعات من العشائر البدوية, من جهة اخرى, وهي الجماعات التي كانت تنتقل في ترحالها طالبا للماء والكلأ شرقي نهر الاردن, خاصة عشائر البلقاء البدوية, وقطعا فان مدى تأثير هذه العلاقات على ابناء العشائر لجهة التحولات الاجتماعية العميقة, وانتقالهم من الاقتصاد الرعوي الغزوي الى الاقتصاد البضاعي - من بضاعة - النقدي, وتموضعهم الديموغرافي على سيف البادية, لم يخطر على بال الرائدات السبع في صناعة الصابون - نشرت العرب اليوم بتاريخ 8 كانون اول 2007 تحقيقا عنهن -, كما ان ادارة الجمعية قطعا لم تستند الى هذه الحقائق وهي تؤسس لمشروع بيت الصابون.

اليوم لا تغيب عن بال الاردنيين طبيعة الحياة التي كان اجدادهم يحيونها في القرن التاسع عشر, رغم ان نفرا قليلا منهم هم من عاشوا سنوات قليلة في اواخر القرن التاسع عشر, ولا يزالون الى اليوم على قيد الحياة, الا ان عهد الاردنيين بشكل الحياة قبل مئة عام او اكثر ليس بعيدا, فذاكرتهم الجمعية تحتفظ بتفاصيل العادات والتقاليد وانماط السلوك التي كانت سائدة في القرن التاسع عشر, ولا زالت نسبة كبيرة منهم تحفظ قصصا وحكايات سمعوها من آبائهم واجدادهم, وتجمع غالبية المراجع التاريخية, التي تناولت شكل الحياة في الاردن خلال القرن التاسع عشر ان العشائر البدوية كانت تنتقل في حلها وترحالها بمحاذاة طريق قوافل الحج الشامي, وتؤكد المراجع ان عشائر البلقاء بشكل خاص ظلت تنتظر سنة تلو الاخرى مواسم الحج, لتسطوا على قوافل الحجاج حينما تمر من الاردن متجهة الى الاراضي المقدسة, مكة المكرمة والمدينة المنورة.

قانون الاراضي العثماني

شكلت غارات قبائل بدو البلقاء على قوافل الحج الشامي غصة في حلق عاصمة الدولة العثمانية الاسيتانه لا سيما ان تلك القوافل كانت تضم اضافة الى حجاج شمال بلاد الشام, حجاج تركيا ودول البلقان وعدد من دول الاتحاد السوفييتي السابق - ازبكستان واذربيجان وطاجيكستان... الخ-, وهي ولايات عثمانية او كانت تتحرك في فلكها, الامر الذي زاد من اهمية قافلة الحج الشامي, فقد كانت تعتبرها الاسيتانة من عناوين سيادتها الرئيسية, وأمن واستقرار طريق الوصول الى الحجاز من اولويات الدولة, لذا فان الاسيتانه حينما اصدرت عام 1858م قانون الاراضي الجديد كانت تتطلع عبر مواده الى احكام سيطرتها على المناطق التي تمر بها قوافل الحج, خاصة في مناطق شرقي الاردن, حيث كانت القوافل تتعرض للسلب والنهب كل عام.

سمحت الدولة العثمانية بموجب قانون الاراضي الجديد للافراد بالتملك الخصوصي للاراضي في نطاق العشيرة والقبيلة الواحدة, ومنحت العائلة الكبيرة وفقا لنصوصه مئة دونم, وخصت شيخ القبيلة مساحة من الاراضي تصل في بعض الاحيان الى ثلاثمئة دونم, وشيخ المشايخ خمسمئة دونم, وبالغت اكثر من ذلك لزعماء العشائر الاردنية, خاصة تلك التي كانت مشهورة في الاغارة على قوافل الحجيج, فمنحتهم آلات زراعية, واعفت عشائرهم المستقرة من ضريبة الاعشار لمدة ثلاث سنوات, ومن ضريبة الـ وبركو من وبر الماشية.

- لخمس سنوات, ولكنها - اي الدولة العثمانية-, امهلت مَن تمحنه قطعة ارض ثلاث سنوات لاستصلاحها وزراعتها, والا فانها تعود وتنتزعها منه, وذلك لاحكام هيمنتها عليهم, ما شكل اداة تحفيز لمعظم ابناء العشائر للانتقال من حياة الترحال الى الاستقرار في التجمعات السكانية التي اخذت تظهر على سيف البادية.

يقول استاذ التاريخ الاجتماعي الحديث والمعاصر في الجامعة اللبنانية د. محمد مراد في دراسة قدمها في ملتقى عمان الثقافي العاشر الذي عقد عام ,2002 ان مصلحة الاسيتانة التقت في تلك الحقبة مع مصالح اصحاب معامل الصابون في نابلس - مصابنية نابلس -, فالاولى كانت ترغب في توطين بدو البلقاء في تجمعات سكانية مستقرة لحماية قوافل الحج الشامي, والثانية - مصابنية نابلس - كانوا في امس الحاجة لرماد (العكو) المستخلص من نبات الَحمْض, الذي ينبت بكثرة في اودية وشعاب بادية البلقاء ومعان, ما شكل الاساس الموضوعي لنشوء علاقات مركبة بين القبائل البدوية في البلقاء مع تجار نابلس واعيانها واصحاب معامل الصابون فيها, تلك العلاقات اسست للصعود الاجتماعي لبدو البلقاء ولـ مصابنية نابلس في الدولة الاردنية لاحقا.

السكان على ضفتي النهر

لعبت الطبيعة الصحراوية شرقي نهر الاردن دورا فعالا في غياب التجمعات السكانية الكبيرة خلافا للمدن الفلسطينية والسورية واللبنانية المجاورة, فمدينة الكرك على سبيل المثال ظلت اقرب الى القرية الكبيرة منها الى المدينة الى نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين, فعدد اسرها حتى نهاية العهد العثماني لم يزد على 550 اسرة, تليها مدينة السلط بـ 480 اسرة, في حين كانت غالبية سكان المنطقة ما بين المدينتين تتوزع بين القبائل المرتحلة في الصحراء, وبين تجمعات صغيرة من مزارعي القرى التي تشكلت على سيف البادية, التي كان يتراوح عدد سكانها ما بين 30 الى 150 اسرة, في مقابل ذلك فان مدينة نابلس على سبيل المثال شهدت خلال القرن الاخير من حكم الدولة العثمانية تطورات مهمة, فالمدينة تعد لجهة موقعها المحوري قلب الريف الفلسطيني, اهم مدن الداخل الفلسطيني, فقد كان يتبع لها اكثر من 300 قرية ومزرعة, اضافة الى تحولها الى اكبر مركز للانتاج الحرفي, وبلغ عدد سكانها عام 1800 حوالي 7500 نسمة, فيما كان عدد سكان القدس 9 آلاف, والخليل 5 آلاف, وصفد 5500 نسمة, رغم ان عدد سكان المدينة ظل طوال اربعين عاما يراوح حول 8 آلاف نسمة, الا ان السنوات اللاحقة اظهرت مقدار التحولات التي طرأت عليها, ففي عام 1880 وصل عدد سكانها 12.5 الف نسمة, - 25 الف نسمة - وفي عام .1915

يفسر مراد تدني النمو السكاني في مدينة نابلس خلال العقود الاربعة الاولى من القرن التاسع عشر الى ضعف الحراك السكاني للمدينة, بينما يرجع النمو المضطرد للسكان ما بعد عام 1940 الى اندماج اقتصاد المدينة في علاقات السوق الرأسمالية التي اخذت تتكثف في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين.

جذور علاقة نابلس بالبلقاء

تقول المصادر التاريخية ان علاقة القبائل البدوية في البلقاء مع سكان مدينة نابلس ظلت حتى نهاية الحكم العثماني محكومة لثلاثة محاور اولها مبادلة الفائض الرعوي بالحرفي المديني, وثانيها تبادل الناتج من اقتصاد الحج السنوي, وثالثها - وهو الاهم - الشراكة في الانتاج والمراكمة النقدية من خلال قلو الصابون فقد احتلت صناعة الصابون في القرن التاسع عشر محور النشاط الاقتصادي في اكثر من مدينة في بلاد الشام وكان لمدينة نابلس الريادة في هذا المجال لاسباب موضوعية, من ابرزها موقعها الجغرافي وشبكة العلاقات التي نسجها تجار نابلس مع الآخرين اضافة الى المراكمة النقدية المتوفرة عند اصحاب المصابن وسهولة الحصول على المواد الاولية, واخيرا الخبرة الفنية المتراكمة لدى المشتغلين في تصنيع الصابون.

تشير المصادر التاريخية ان القطن ظل لمنتصف القرن التاسع عشر يشكل الثقل النوعي والكمي للانتاج الزراعي الفلسطيني وفي قيام عدد غير قليل من الحرف اليدوية المرتبطة بالقطن, ولكن تفوق القطن المصري في الكمية والنوعية, والتغلغل السلعي الاوروبي بعد اتفاقية يالطا عام 1838م الى الاسواق الفلسطينية افقدا زراعة القطن في الريف الفلسطيني الميزات النسبية التي كانت تتمتع بها, ما شكل حافزا للعائلات الثرية في نابلس للبحث عن مجالات اخرى لتستمر في مراكمة ثرواتها فأخذت تستثمر رأسمالها الذي كانت تُدوره في تجارة الاقمشة في انتاج الصابون وتسويقه في الاسواق الاقليمية.

انتاج الصابون

بالرجوع الى الوثائق التاريخية فان عملية انتاج الصابون تحتاج الى كميات من رماد القلو ويورد إحسان النمر - احد ابناء نابلس- في كتابه جبل نابلس والبلقاء تفاصيل عملية انتاج الصابون ويقول: ان صُنّاع الصابون يقدرون للطبخة كميات معينة من القلو بنسبة قدرة المصبنه - اي القِدْر النُحاسية - ويخلطون هذه الكمية بعد دقها مع مثلها من الشيد, ثم يخمرونها في مخامر المصبنة لمدة 24 ساعة في الماء, ثم تخرج من التخمير, وتوضع على بسطة مفتوحة بين صانعين متقابلين يجرانها بينهما فتصبح حبوبا كالحمص ثم يصبون كمية من الماء على الحبوب فتسيل الى الاحواض ويكررون الصب تحتها الى ان يصير عاقدا ويسمى اول باب, فيُصب فوق الزيت في القدرة وهي صفيح من النحاس, يبلغ وزنها نحو طن, يوضع في قعر حلة مدورة مقصورة  بمخلوط متين من الكلس, وقطع الفخار وغيره, بحيث يستحيل نفوذ السائل منها, وتحت نحاس القدرة يكون موقد النار التي تشعل من موضع آخر في غرفة سفلية تسمى القميع, ويستمرون في الايقاد ثلاثة ايام, حيث يحرقون الجفت- تفل الزيتون - والحطب, ثم تنقل الطبخه الى الطابق الثاني, حيث تبسط وتقسم الى مكعبات ثم يصف الصابون صفوفا فوق بعضه صوامع عمودية تسمى تنانير كي يجف خلال ثلاثة ايام - انتهى الاقتباس-.

الشراكة والمراكمة النقدية

شكلت عملية انتاج الصابون الركيزة الاساسية للعلاقات بين بدو البلقاء وسكان مدينة نابلس عبر الاعتماد المتبادل للانشطة الاقتصادية لكن ثمة علاقة يومية ربطت بدو البلقاء بجبل نابلس ربط التبعية الاقتصادية التي كانت اقوى من قدرة بدو البلقاء على ربط اصحاب المصابن بعلاقة متشابهة وهذا ينسحب على معظم العلاقات التبادلية الاقتصادية التي تربط الجهات المالكة للمواد الاولية مع الجهات التي تمتلك المراكمة النقدية والتقنية التصنيعية وقد يكون لهذا الامر اهمية قصوى لفهم مخرجات العلاقات المتشابكة في اوقات لاحقة.

احدثت هذه الشراكة تحولات نوعية عميقة على مستوى مجتمع البادية الاردنية من جهة, وعلى الصعيد الاقتصادي الاجتماعي والسياسي لجماعة المصابن وتجار نابلس, فقد شهدت المرحلة الاولى من توسيع نشاط انتاج الصابون في النصف الثاني من القرن التاسع عشر صعودا قويا لعائلة عبدالهادي النابلسية وحلفائها, سرعان ما تحول الى نفوذ تجاري واجتماعي وسياسي بعد سيطرتهم على عدد من المصابن وبنوا غيرها فيما شهدت المرحلة الثانية إقدام تجار نابلس على انشاء مصابن جديدة وتوسيع القديمة فمع ان عدد المصابين في نابلس لم يتجاوز (13) مصبنه عام 1820 لم تكن تعمل بكامل طاقتها الانتاجية وفقا للمراجع التاريخية الا ان الامر اختلف منذ عام 1860 فقد ارتفع العدد الى خمس عشرة مصبنه ثم الى (30) عام 1882 التي استمرت تعمل بكامل قدرتها الانتاجية حتى نهاية الحكم العثماني عام .1917

توزعت عمليات انتاج الصابون بين العائلات النابلسية القوية, التي كانت تعرف بـ جماعة المصابنيه وتشير المراجع ان عائلة النابلسي اصبحت مع أفول نجم الدولة العثمانية اكبر عائلة منتجة للصابون, فقد وصلت عدد طبخاتها خلال موسم عام ,1917 فيما توزعت الطبخات الاخرى خلال نفس الموسم على العائلات الاخرى, الغزاويين (25) طبخة, الشكعويين (20) طبخة, كمال (15) طبخة, الاغوات (12) طبخة, والسيحانيين (7) طبخات, واذا ما عُلم ان حصة نابلس من صناعة الصابون في تلك السنة كانت 75% من كامل انتاج الصابون في فلسطين, وعُلم ان كامل بلاد الشام كانت تنتج ما مقداره 1100 طبخة, فان مدينة نابلس كانت تحتل الصدارة في هذا السياق بنسبة انتاج تساوي 37% من مجمل انتاج بلاد الشام, وهذا لم يجعلها فقط مركزا تجاريا في الاقليم بل تجاوزت الاقليم الى اسواق سواحل البحر الاحمر, والخليج العربي, وشمال افريقيا, والاناضول واليونان.

بدو البلقاء

ظلت قبائل بني صخر والحويطات والعدوان تُجمع نبات الحَمض ايام الصيف على شكل اكوام كبيرة ومن ثم يحرقونه ويحملون فحمه المحروق - القلو- في اكياس, وكان مصابينه نابلس يتعاقدون مع اصحاب الإبل لنقل الفحم الى نابلس بشروط مخصوصة واجره مخصوصة ايضا فـ قافلة الإبل التي تحمل القلو الى نابلس في احيان كثيرة كانت تتألف من ألف جمل وغالبا ما كانت التعاقدات شفوية وفقا للاعراف السائدة ويشير النمر في كتابه ذي الاجزاء الاربعة الى ابرز الشروط المخصوصة في هذه التعاقدات كأن يكون القلو من النوع الحلو الجيزاوي - نسبة الى الجيزة- لان النوع المالح لا يصلح لطبخات الصابون, وان يكون خاليا من التراب والشوائب وان يتم تسليمه في نفس اليوم الذي تصل فيه القافلة الى مدينة نابلس خشية من بيعه الى المنافسين, وان تأخرت القافلة فان المسؤولية تقع على الشيخ - رئيس القافلة- كما تضمنت الشروط شرطا خاصا بشيخ القافلة فمقابل التزامه الشديد مع صاحب المصبنة فانه يتقاضى عن كل جمل في القافلة خمسة قروش من العملة الاخيرة المتداولة, وعن كل مئة حمِل قفة فيها رطلا من الارز وآخر من السكر وثالثا من التمبال ومن الصابون ومن القهوة, ويتقاضى هدما - ثوب - وجزمة و طباقة حدو للفرس, و لبادة فرس - ايضا.

ويورد الرحالة بوكهارت العلاقات المتبادلة بين بدو البلقاء خاصة بني صخر ومصابنية نابلس بادق التفاصيل فيقول كان شيخ عرب العدوان يقتطع لنفسه خمسة قروش عن حَمِلْ وقرشين لكاتبه, وقرشين لعبده, وتستوفي بلدية السلط قرشا عن كل حَمِل ويوزع المكس الذي تتقاضاه البلدية على منازل البلدة, وتبلغ كمية رماد الصابون الذي يجلبه البدو كل عام نحو ثلاثة الاف حَمِلْ وكان التاجر النابلسي يحضر في الخريف الى السلط, وينزل في منزل احد الاهالي, وفقا للاعراف المستقرة, ويتحمل جميع النفقات اثناء اقامته, وهو فضلا عن هذا ملزم باطعام سائر الغرباء الذين يصلون الى السلط في فترة وجوده, ويقدم هدايا كثيرة عند مغادرته المكان, وغالبا ما يقيم في بيت مختلف كل عام, لتعميم المنافع الناشئة عن زيارته- انتهى الاقتباس-.

الصعود الاجتماعي

الشراكة بين بدو البلقاء وجماعة المصابنية في نابلس احدثت فائض قيمة متحصلا من تصنيع والاتجار بالصابون تراكم نقديا وعلى شكل اراض وعقارات لدى مصابنية نابلس, وبالتالي نفوذا اجتماعيا وسياسيا في الاردن وفلسطين على السواء, فوفقا للمراجع التاريخية فان انتاج الصابون والاتجار به يراكم ارباحا مجزية, فقد كانت كل طبخة تحقق ربحا صافيا نحو 35 الف قرش, ما جعل صاحب المصبنة او التاجر الواحد يحقق مئات آلاف القروش كل عام, فأطلق على هؤلاء طبقة الخواص والمرابين وهي الطبقة التي ظلت تقتسم الاراضي بين افرادها, وكانوا يشتغلون اضافة الى عملهم بالتجارة والصناعة, باقراض الاموال, وكان الفلاحون في القرى المجاورة لنابلس دائمي الشكوى من ظلم مرابي نابلس, وتقدر وثائق تاريخية ان عائلة عبدالهادي كانت تمتلك اكثر من 60 الف دونم, وتشير انه برزت في اواخر العهد العثماني 144 عائلة في فلسطين تمتلك اكثر من اربعة ملايين دونم, فيما يمتلك باقي الشعب الفلسطيني مساحة مساوية من الارض, ومنها عبدالهادي 60 الف دونم, الجيوسي في طولكرم 24 قرية, الحسيني في القدس 50 الف دونم, الناجي الفاروقي في الرملة 50 الف دونم, الشوا في غزة 100 الف دونم, ابو خضرا في يافا وغزة 30 الف دونم.

تمكنت العائلات النابلسية من المراكمه النقدية ومن الاتجار والربا من امتلاك مساحات شاسعة من الاراضي الزراعية على ضفتي نهر الاردن, كما تملكوا اراضي عبر الشراء المباشر من السكان شرقي النهر, وعبر تسجيل عدد كبير من صغار الملاكين اراضيهم باسماء افراد من العائلات النابلسية تهربا من رسوم التسجيل والافراغ, وبوساطة عقود السلم, وهي عقود الديون بين المرابين وصغار الملاكين, فعند عجز المدين عن السداد يسجل المرابي الارض المرهونة باسمه, وجراء تملك عدد من العائلات النابلسية لمساحات شاسعة من الاراضي على ضفتي نهر الاردن, وفي مناطق التقاطع الفلاحي - البدوي الداخلية, تمهدت الطريق امامهم للصعود الاجتماعي في نابلس وفي البلقاء على السواء, ولاحقا في فلسطين والاردن, فقد تبوأ عدد كبير من ابناء نابلس مناصب مرموقة في الاردن ومن ابرز عائلات نابلس الحنبلي والحسيني والقدومي وشموط وكمال وعرفات والقادري والصالح وطوقان وقمحاوي وخياط والعاطي وكنعان والنابلسي والقطب والبشتاوي يعيش وعاشور والتكروري طبيله والعاصي والحاوي والكخن وهدهد والمعاني ومرمش والطاهر وتفاحه وخماش وزيد وهاشم.

تحولات عميقة في البادية

الفائض النقدي الذي احدث تحولات كبيرة لدى سكان نابلس, ودفع بعضهم للانتقال للسكن خلال القرن التاسع عشر في مدينة السلط, ليكون بالقرب من مادة اولية مهمة لصناعة الصابون في نابلس, هو نفسه الفائض الذي احدث تحولات عميقة في بنية الجماعة البدوية على اكثر من مستوى اقتصادي, اجتماعي, سياسي, وثقافي, وكان الانفتاح على العلاقات النقدية التي كانت غير سائدة لديهم, اول اشكال التحولات, ومع هذا الانفتاح تحول نمط الاقتصاد البدوي ذو الطبيعة الرعوية الغزوية الى الاستقرار في قرى زراعية, والانخراط في اقتصاد زراعي حرفي, جزء منه قائم على المبادلة النقدية في اسواق القصبات والمدن المجاورة.

كان من نتائج الانخراط في النمط الاقتصادي الزراعي الحرفي ان نسج عدد من شيوخ عشائر البلقاء شبكة واسعة من العلاقات التجارية مع اسواق نابلس والخليل والقدس ودمشق وبيروت, واصبحوا وسطاء بين التجار وبين فلاحي وبدو الريف الزراعي في جبال نابلس والبلقاء, وبدأت ملامح التحولات العميقة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر بصدور قانون الاراضي العثماني وزيادة الطلب الخارجي على السلع الزراعية, وتطور وسائط النقل والمواصلات, وفي مقدمتها بدء الدولة العثمانية شق خط سكة حديد الحجاز, كل هذه التطورات كانت لها التأثير الاكبر في استقرار البدو وتوطنهم في العديد من القرى الزراعية, وظهور الاقتصاد البروفنسيالي - اي دينامية الحراك المدني للمدن الزراعية - مثل مدينة نابلس, وتسريع اندماج الريف الزراعي البدوي في ثقافة تلك المدن وقوانينها.

قيس ويمن

شكل تراكم الدين على الجماعات الفلاحية البدوية, وحاجة هذه الجماعات للخدمات المتوفرة في المدينة, الاشتراطات التي ظلت تضمن استمرار تبعية هذه الجماعات لتحالف جماعة المصابنية النابلسية مع شيوخ العشائر, ومع مطلع القرن العشرين بلغت سيطرة هذا التحالف حدا كبيرا, وتنوعت اشكال تبعية فلاحي وبدو الارياف بأعيان نابلس ووجهائها, وشيوخ العشائر في البلقاء ولم تبق مقصورة على النواحي الاقتصادية والاجتماعية بل تعدتهما الى السياسية فانخرطت الجماعات الفلاحية البدوية في الاحلاف السياسية التي كانت تقسم نابلس بين قيسي ويمني وتوحدت اربع عائلات من اصحاب المصابن في حلف قيسي هي النمر والجيوسي وقاسم الاحمد وعبدالهادي, في حين ضم الحلف اليمني عائلتين اساسيتين هما طوقان وجرار.

شكل بدو البلقاء المركز الرئيسي في هذين التحالفين, وكانت النتائج وحسم الصراع يعتمد على حجم القوة المقاتلة لدى طرف من الطرفين, اي على البدو, وهكذا على قاعدة الشراكة في طبخ الصابون, حدثت جملة من التحولات العميقة اصابت التشكيلات البنوية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية لطرفي الشراكة - بدو البلقاء - ومصابنية نابلس.0