الشارع الأردنيّ يقول لا لـ"صفقة القرن"
بالتزامن مع إعلان الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب، الثلثاء في 28 كانون الثاني/يناير، تفاصيل خطّة السلام أو ما يعرف بـ"صفقة القرن"، اعتصم العشرات من المحتجّين الأردنيّين أمام السفارة الأميركيّة في عمّان، رفضاً للصفقة، مطالبين بإغلاق سفارتيّ واشنطن وتلّ أبيب في عمّان.
وهتف المحتجّون، في الاعتصام الذي دعت إليه جماعة الإخوان المسلمين: "علّي صوتك من عمّان، يسقط نهج الأمريكان... لا سفارة للكيان الصهيونيّ على أرضك يا عمّان... لا سفارة أمريكا على أرضك يا عمّان... فلسطين عربيّة... تسقط وادي عربة (اتفاقيّة السلام مع إسرائيل) تسقط". ورفضوا إعلان دونالد ترامب اعتبار القدس عاصمة غير مجزّأة لإسرائيل، وحلّ مشكلة اللاّجئين الفلسطينيّين خارج حدود فلسطين المحتلّة.
وفي هذا الإطار، قال الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلاميّ مراد العضايلة لـ"المونيتور": "أقول بوضوح لن يقبل الشعبان الأردنيّ والفلسطينيّ بالتنازل عن القدس، أحذّر الأنظمة العربيّة من المشاركة في هذه الصفقة، فالشعوب العربيّة لن تقبل بإضاعة شبر واحد من فلسطين، وستحاسب من يوقّع هذه الصفقة أو ينفّذها".
ويتوازى الموقف الشعبيّ الرافض لصفقة القرن مع الموقف الرسميّ، الذي يتخوّف من تصفية القضيّة على حساب المملكة التي تستضيف 2.1 مليون لاجئ فلسطينيّ، إلى جانب تمتّع الأردن بحقّ الوصاية على المقدّسات في القدس.
وكان الملك عبد الله الثاني، هو الآخر، أكّد بوضوح أنّه ضدّ صفقة القرن خلال زيارته لمدينة العقبة، في 26 كانون الثاني/يناير، وقال: "إنّ موقفنا معروف جدّاً ممّا يسمّى بصفقة القرن، كلاّ واضح جدّاً للجميع".
لكن هل هناك فاتورة سيدفعها الأردن، في حال أصرّ على رفض صفقة القرن؟ فهذا السؤال طرح تخوّفات في أوساط سياسيّة من أن يتعرّض الأردن إلى ضغوط اقتصاديّة من قبل الولايات المتّحدة، التي تقدّم مساعدات سنويّة إلى الأردن بقيمة 1.08 مليار دولار.
ورأى نائب رئيس الوزراء الأردنيّ الأسبق ممدوح العبادي في حديث أنّ قطع المساعدات الأميركيّة عن الأردن هو أمر مستبعد، وقال: "إنّ الأردن لن يتراجع عن موقفه الرافض لصفقة القرن، فالملك عبد الله الثاني أخذ خياره وقال كلاّ لصفقة القرن، الأردن دولة بنيت على حلق استراتيجيّ مع الغرب، والمساعدات التي تقدّم إليه تأتي ضمن عمل مؤسسيّ في أميركا، فالدعم الاقتصاديّ الأميركيّ لن يتأثّر بالرفض الأردنيّ لصفقة القرن".
أمّا المحلّل السياسيّ الدكتور عامر السبايلة فقال لـ"المونيتور": "إنّ الأردن هو الخاسر الوحيد، في حال قرّر تغيير شكل العلاقة مع الولايات المتّحدة التي تعتبر راعياً رسميّاً بالنّسبة إلى الأردن الذي يتلقّى 1.8 مليون دولار. أمّا على صعيد علاقة الأردن مع إسرائيل فهي مضطربة، لكنّ هنالك مستويات أخرى وعلاقات استخباراتيّة من الصعب أن تتضرّر بسبب وجود تهديدات مشتركة".
ولم يخلو مؤتمر ترامب-نتنياهو من رسائل طمأنة إلى الأردن في ما يتعلّق بالوصاية الهاشميّة على المقدّسات، إذ قال ترامب: "سأعمل مع ملك الأردن الرائع لضمان وصول المصلّين إلى المسجد الأقصى".
ولا تقتصر مخاوف الأردنيّين على مستقبل القدس فقط، إذ تخشى المملكة من محاولات إسرائيل ضمّ مناطق الأغوار الفلسطينيّة المحاذية للحدود الأردنيّة، وهي تعتبرها خطوة إسرائيليّة لقطع التواصل بين الأردن والأراضي الفلسطينيّة، الأمر الذي سيلحق ضرراً في المصلحة الأردنيّة من خلال قطع الطريق على أيّ محاولة لقيام دولة فلسطينيّة واضحة الحدود والمعالم، وبالتّالي عدم عودة اللاّجئين الفلسطينيّين.
وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو، خلال المؤتمر المشترك مع ترامب، أنّ "ترامب يعترف لإسرائيل بالسيادة في غور الأردن ومناطق أخرى لتتمكّن من الدفاع عن نفسها بنفسها".
وقالت المحلّلة السياسيّة لميس اندوني لـ"المونيتور": "إنّ صفقة القرن خطر حقيقيّ على الأردن، إذ بضمّ القدس والمستوطنات والسعي إلى ضمّ غور الأردن، فلن يتبقّى من فلسطين إلاّ مدن متفرّقة ولن تقوم دولة، مع رفض حقّ العودة للاّجئين الفلسطينيّين".
وفي الردّ الأردنيّ الرسميّ الأوّل على إعلان ترامب تفاصيل خطّة السلام، قال وزير الخارجيّة الأردنيّ أيمن الصفدي في بيان صحافيّ الثلثاء: "إنّ حلّ الدولتين، الذي يلبّي الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينيّ الشقيق، وخصوصاً حقّه في الحريّة والدولة على خطوط الرابع من حزيران ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقيّة لتعيش بأمن وسلام إلى جانب إسرائيل وفق المرجعيّات المعتمدة وقرارات الشرعيّة الدوليّة، هو السبيل الوحيد لتحقيق السلام الشامل والدائم".
شعبيّاً، أعلن تحالف أحزاب اليسار والأحزاب القوميّة عن اعتصام أمام السفارة الأميركيّة في عمّان يوم الجمعة المقبل، رفضاً لصفقة القرن، بينما قرّر ناشطون في الحراك الأردنيّ الاعتصام أمام رئاسة الوزراء، رفضاً لصفقة القرن ولمطالبة الحكومة بإلغاء اتفاقيّة الغاز مع إسرائيل ردّاً على إعلان تفاصيل الصفقة.