السكرتيرة..مساهمة فاعلة في المكتب ولكن !!
لا شك أن السكرتيرة في أي شركة أو مؤسسة هي مفتاح النجاح فيها، فهي أول وآخر –في بعض الأحيان-من تقابله في أي مؤسسة، ويحكم الكثير من العملاء والمراجعين أو حتى الشركاء المحتملين على المؤسسة من السكرتيرة التي تعمل لديها، فهي بطريقة أو بأخر ى تعد واجهة للشركة والصورة التي قد يرغب صاحبها بتقديمها للجميع من خلالها.
لذا بات الاهتمام بهذه المهنة واضحاً وكبيراً نظراً لأهميتها الكبيرة في تسيير أمور الشركات المختلفة التي تحرك بدورها الاقتصاد بالمجمل وتساهم في تطوره وتقدمه، فالحلقة في كثير من الحالات تبدأ وتنتهي من مكتب السكرتاريا الذي يمسك بخيوط الشركة كاملة.
وانضمت مئات الآلاف من الفتيات للعمل في هذه المهنة التي باتت تدرس في معاهد عالية ومتخصصة ودورات محترفة للتدريب على وسائل تكنولوجية مختلفة نظراً للدور التي تلعبه هذه المهنة في تسهيل عمل الشركات المختلفة من جهة وتعد قطاع جاذب ومناسب للسيدات خاصة اللواتي لم تسنح لهن الفرصة باستكمال تعليمهن الجامعي سواء لقلة مجموعهن في الثانوية العامة أو لتكاليف الجامعة المرتفعة، فوجدن في مهنة السكرتاريا فرصة للدخول في سوق العمل والمساهمة اقتصادياً في الدخل بشكل عام.
وهو الأمر الذي تعمل عليه اللجنة الوطنية لشؤون المرأة – ليس في مهنة السكرتاريا فحسب وإنما في كل القطاعات التي تعمل بها المرأة لدمج النوع الاجتماعي في الحياة العامة لتشجيع عمل المرأة من خلال مشروع "يدا بيد" بالتعاون مع وزارة التخطيط ووزارة العمل ومجموعة نقل.
فالهدف الأساسي للمشروع يتمحور حول تهيئة الجو العام لزيادة مشاركة المرأة الاقتصادية على المستويات التنظيمية المختلفة، مما سيساعد على المدى الطويل في عملية تمكين المرأة اقتصادياً و اجتماعيا بما يكفل قدرتها على الاستجابة للفرص المتاحة بكامل إمكانيتها.
ومهنة السكرتاريا بشكل خاص تحتاج لمثل هذا المشروع نظراً لأن نسبة النساء العاملات في هذ القطاع الاقتصادي الحيوي تقارب ال100%، إذ أنها تعد مهنة نسائية بالدرجة الأولى.
ويعتمد هذا المشروع إستراتيجية تساهم بشكل أساسي في زيادة مشاركة المرأة في سوق العمل من خلال الدعوة إلى إحداث تغيير لدى المؤسسات المشاركة في المشروع وفي المجتمع الأردني ككل. وهو أمر أساسي لمهنة مثل السكرتيرة لما رصدناه من نظرة مغلوطة تجاه هذه المهنة ومن يعملن بها من النساء إذ سيعمل المشروع على تشجيع منظمات المجتمع المدني ذات الصلة إلى المشاركة في عملية التغير هذه.
حملة يدا بيد من الممكن أن تساهم في رفع الوعي الاجتماعي عن طريق حملات كسب التأيد، والمجموعات المؤثرة و الإعلامية. وسيقوم المشروع بتطوير مجموعة من الكتيبات، والمبادئ التوجيهية المتعلقة بآليات إدماج النوع الاجتماعي، كما سيقوم المشروع بإجراء مسح لتقيم احتياجات التدريب لدى المؤسسات الشريكة وإعداد وتنفيذ خطة تدريبية لتلبية هذه الاحتياجات.ومهنة السكرتيرة من أكثر المهن بحاجة لمثل هذا الدعم نظراً للمعاناة التي تمر بها غالبية من يعملن في هذه المهنة.
ورغم أهمية هذه المهنة وحاجتها في آن وأحد إلا أن هناك العديد من العوامل التي ساهمت بتراجع هذه المهنة ودورها الأساسي في إدارة المؤسسات ونجاحها،أهمها وأقواها سيادة ثقافة "الوجاهة" في مجتمعنا الذكوري الذي لا يقبل فيه الرجال أن تزاحمهم أو تساعدهم في الإدارة سيدة مؤهلة، ولكنهم يقبلون بذات الوقت أن تكون موجودة في المكتب لغايات العرض، مما سبب النظرة الدونية تجاه هذه المهنة التي ساهمت فيها كذلك عاملات فيها أسأن إلى مفهوم السكرتيرة كمعاون ناجح لإدارة جيدة تسهم بتقدم المؤسسة.
"شقفة" سكرتيرة
وانطلاقا من ذلك رسخ في ثقافة المجتمع المحلي، أن السكرتاريا مهنة من لا مهنة لهن، وهو أمر خاطئ لا يتناسب مع الواقع العملي لهذه المهنة التي تختصر بمؤهلات السكرتيرة المطلوبة، بحسب مئات الإعلانات المنشورة في الصحف: إجادة الطباعة واستخدام الكمبيوتر وحسن المظهر في غالب الأحيان، مقابل أجر بسيط بغض النظر عن حجم العمل أو ساعاته.
تقول مها، 25 سنة، سكرتيرة لدى طبيب "مهنة السكرتيرة عبارة عن مأساة. في الخارج تدرس هذه المهنة بالجامعات، وهنا تعطى على شكل دورات عاليه. والمجتمع يقول" ما هي شقفة سكرتيرة"!
في العادة، لا يعترف رب العمل للسكرتيرة بما تبذله من جهد في ساعات العمل الطويلة وظروفه الصعبة مهما كانت خبرتها ومؤهلاتها، فهو لا يقيس أجرها إلا بالمقارنة مع نظيراتها، أو بالصورة النمطية الشائعة عن هذه المهنة بوصفها "فائضة عن الحاجة".
ومها تمثل دليلا على هذه المعاناة، تقول "اعمل في المكتب منذ 6 سنوات، وراتبي 130 دينارا. أول ما تسلمت العمل كان راتبي 90 دينارا، هذا ليس عدلا، واحمل شهادة توجيهي ودورة من المعهد البريطاني. انا دائما ملحوقه بالراتب، وبعد هذه الخدمة يجب أن يكون راتبي 180 دينارا مقابل التعب الذي ابذله ".
فادي محام 33 سنة يقول لا أجد أنه من الواجب أن ادفع راتب مرتفع لسكرتيرتي حتى لو كانت ذات خبرة فعملها يقتصر على حفظ الملفات ومهام إدارية أخرى بالإضافة إلى استقبال العملاء ولذلك يهمني أن تكون سريعة البديهة وشكل مقبول وذات اهتمام عالي بالنظافة "
فادي يعبر عن آراء الغالبية في محاكمتهم لظاهر المهنة ويتناسون أن أنجح الشركات تديرها عملياً سكرتيرات ناجحات رفدن المؤسسات بجهد ومساهمة كبيرة نابعة من خبرة علمية في معاهد ومدارس متخصصة أو عملية في حقل العمل نفسه.
واجهة المكتب
وتواجه السكرتيرة تحديات أخرى في عملها، واحد منها هي التعامل معها بازدواجية: فكثيرون في مكان العمل يعتبرونها أقل الموظفين شأنا، وبذات الوقت هي "واجهته"، تقول مها"مهامي هي الرد على الهاتف والاستقبال، ويجب أن استوعب كل الناس، لان الزبون على حق، كما يقال دائما ".
وضغط العمل وواجهته المتمثلة بصورة السكرتيرة لدى كثير من أصحاب العمل تبرز أيضاً لدى علاء صاحب شركة إقليمية في العقد الرابع من العمر متزوج ولديه أطفال و يعتمد على سكرتيرته بشكل كبير في شؤون العمل وغيرها، يقول"بالنسبة لي السكرتيرة يجب أن تتمتع بمواصفات ممتازة في المظهر وطريقة الإدارة وحسن التصرف فهي واجه العمل لدي ولا اعتمد على المؤهل العلمي، فما يهمني مدى ثقة العملاء في عملي التي تعززه في كثير من الأحيان السكرتيرة لدي ومدى نشاطها وتقبلها لضغط العمل وأي مهمة تطلب منها تنفذها بنشاط دون تذمر، ولا أخفي عليك أنني أعتمد على وجودها في كثير من الصفقات حتى لو لم تساهم فعلياً في إتمامها".
ويضيف" ما قلته نابع من تجربة فمن تعمل لدي كسكرتيرة مكتب لا تملك شهادة ولكن تملك مؤهلات إدارية جيدة ومظهراً ملفتاً وهذا لا يعتمد على العمر وإنما على الشكل ويأتي المضمون لاحقاً، لأنني أعتمد عليها بشكل كبير حتى في أمور عائلية بسيطة مثل حجز المطعم لمناسبة عائلية أو اختيار هدية لزوجتي فأنا مشغول أغلب الأحيان، ولذلك أفضل أن اسميها مديرة لمكتبي أكثر من سكرتيرتي".
أما سكرتيرته منى 35 سنة، وبمقابلة منفصلة وهي تماماً كما وصفها من ناحية المظهر وسلاسة التعامل، أظهرت امتعاضاً واضحاً من الاعتماد عليها في شؤون الأسرة" فالمنطق يقول انه خارج حدود واجباتي"
سكرتيرة وكاتمة أسرار...وزوجة أحياناً
وهذه الصورة في العلاقة بين المدير وسكرتيرته تبرر الإشاعات التي نسمعها باستمرار عن ارتباطهما بعلاقة عاطفية تصل إلى الارتباط في أحيان كثيرة سواء بزواج عرفي أو رسمي، فلا يكاد يمر حديث عن سكرتيرة إلا وتخرج من بين ثناياه قصص عن زواج مدراء بسكرتيراتهم سواء برغبة من المدير أو باستدراج من السكرتيرة"اللعوب" وهذه تمثل إحدى الصور في التعامل مع هذه المهنة بجهل أحياناً وبإجحاف أحياناً أخرى ويتناسى كثيرين أن العديد من السكرتيرات التنفيذيات هن في الحقيقة مدراء ناجحين.
سكرتيرة: سهلة...مغوية
واستقطاب سكرتيرة "لطيفة" بالنسبة لصاحب العمل كعلاء لكسب ود العملاء ونجاح العمل، هو أمر اعتيادي ومتعارف عليه مما يولد النظرة السائدة النمطية في المجتمع عن السكرتيرة بأنها "امرأة سهلة" في متناول اليد والشائعات والأكاذيب التي تنسج عنها، هي في اغلب الأحيان نتاج مجتمع مكبوت .ومن هنا تبرز مرة أخرى إشكالية كبيرة وتحد أكبر أمام العاملات في هذا القطاع.
وفي كلتا الحالتين السكرتيرة الملامة دائما، فهي المرأة المغوية بكلامها أو لباسها أو حركاتها، وإلا لما تجرأ المدير على فعلته، تقول مها "أينما تذهب البنت في مجتمعنا الشرقي هي مضطهده ومدانة، حتى لو كانت مظلومة، فالمجتمع الذكوري يضع اللوم عليها، ويقول: لو ما عملتي هيك .. لو ما لبستي هيك ، الناس يعتقدون ان السكرتيرة مشاع للكل، نا عندي ظرف خاص مضطرة للعمل لكن هذا لا يعني إنني لست إنسانه يجب ان اعمل ويجب ان تحترموني".
وتضاف تحديات ومتاعب أخرى لما سبق تواجهها النساء العاملات في هذه المهنة لا تنتهي عند الدخل فقط فهناك الحقوق المغيبة الأخرى المنصوص عليها في قانون العمل مثل الإجازات والمكافآت وساعات العمل الإضافية، ولا تمتلك السكرتيرة أي حول أو قوة للمطالبة بها تحت وطأة الحاجة وبدون أي مؤسسة أو منظمة أهلية أو نقابة تدافع عن حقوقها.











































