السبيل..اختلاف "الزمن السياسي" بين الترخيص والصدور
بلا ضجيج إعلامي كبير، صدر صباح العاشر من هذا الشهر العدد الأول من صحيفة "السبيل" اليومية التي خلَفَت أسبوعية حملت نفس الاسم لمدة خمسة عشر عاماً، لتصبح بذلك اليومية الأردنية الثامنة.
لقد كان واضحاً للعاملين في الصحافة اليومية أن الزميلة الجديدة سوف لن تدخل على خط المنافسة التقليدي، وهذا ما قد يفسر أن الصحف الأخرى لم تتهيأ كثيراً ولم تقلق أو تتوتر بانتظار صدور الصحيفة الجديدة، مثلما لم تقلق أو تتوتر الصحيفة نفسها من هذه الزاوية.
لقد لاحظ الصحفيون هذه المرة أنهم لم يتبادلوا حديث التنقلات بين العاملين في الصحف كما يحصل عند كل جديد، ولم يتبادلوا أخباراً من نوع: مَن وقّع عقده مع الصحيفة الجديدة، ومَن عرضوا عليه ووافق، وزميله الذي عرضوا عليه وما زال يفكّر، ورابعهما الذي عَرَضَ نفسه عليهم ولكنهم لم يقبلوه..
على الأغلب أن الصبغة الإسلامية للصحيفة الأم "السبيل الأسبوعية" لم تسمح بمثل ذلك، فهي لم تكن تخفي وجود فكرة أساسية يجتمع عليها كادرها، نعني المنطلقات الإسلامية، وفي الواقع أن "السبيل" عملت على مدار السنين على إيجاد صيغة خاصة لمهنية صحفية ذات طابع إسلامي مارستها بقناعة وبانسجام مع الذات ومع القراء، وهي صيغة خاصة لا يوافق عليها آخرون من العاملين في المهنة.
غير أن أي مراقب لا يستطيع أن يغمض عينيه عن الظروف التي صدرت فيها الصحيفة، وهي ظروف تختلف عن ظروف الترخيص رغم أن الفارق الزمني بين الترخيص والصدور كان أقل من ثلاثة شهور.
إنهما من الناحية السياسية زمنان مختلفان، فقد حصلت الصحيفة على ترخيصها بعد تمنّع رسمي لم ينتهي إلا في ظل أجواء المصالحة التي سادت خلال الأشهر الماضية بين السلطة الرسمية والحركة الإسلامية، بينما جاء الصدور في زمن يكثر فيه الكلام عن انتهاء فترة المصالحة، بل هناك بعض التوقعات بعهد جديد من الصدام. ولا يُستبعَد أن هذا الظرف الخاص ألقى بظلاله على الصدور وسوف يلقي بظلاله على الأداء في الفترة القادمة.
صحيح ما ورد على لسان رئيس تحرير الصحيفة من أنها لا تبتدئ من الصفر وأنها ليست طارئة ولا تبحث عن مساحة في سوق مزدحم، وان لها مساحتها الأصلية. ولكن ذلك لم يمنع ملاحظة حصول تغيرات ملحوظة بين الأسبوعية واليومية، وهي تغيرات في الشكل والمضمون، مع ملاحظة أن تغيرات الشكل في الصحافة كثيرا ما تكون على مساس مباشر مع المضمون.
تعالوا بنا نتتبع باختصار الأعداد اليومية الستة التي صدرت لغاية كتابة هذا التقرير:
لقد كان لافتاً بالدرجة الأولى قيامُ الصحيفة بإزالة الآية القرآنية التي تقول: "والله يقول الحق وهو يهدي السبيل"، والتي ظلت تعلو ترويسة النسخة الأسبوعية من الصحيفة. وهو تغير في الشكل لكنه في حالة صحيفة إسلامية قد يحمل إشارات الى المضمون، وقد لا يبدل من هذا الاستنتاج أن الصحيفة لم تختر شعاراً آخر كبديل لتلك الآية.
من الناحية الشكلية الصرفة لم تستقر الصحيفة على حال واحد حتى في المسائل التي اعتادت الصحف أن لا تبدلها كثيراً، فنوع الحرف تغير أكثر من مرة، وتوزيع الأبواب على الصفحات طاله التغيير أيضاً، والتوزيع بين جزئي الصحيفة لم يتخذ صيغة موحدة، وعلى العموم بقيت شكل الصحيفة أقرب إلى وضعها "الأسبوعي"، وهي لا تزال تعتمد الأعمدة العريضة، ويمكن بسهولة تمييزها عن زميلاتها اليوميات من هذه النواحي.
هناك بعض الأخطاء قد تعود إلى اضطرار الصحيفة إلى تغيير "ريتم" العمل، فبينما كانت "السبيل" الأسبوعية تتميز بالكثير من العناية يوفرها أسبوع كامل من الإعداد، فإنها في حالة اليومية لم تتمكن من السيطرة على بعض الأخطاء، فهي على سبيل المثال نشرت صورة كبيرة مكررة مرتين متجاورتين في صفحة واحدة ومع مادة واحدة، وهناك نقص في الصور والأخبار الخاصة مع استمرار الميل نحو التحقيقات أو المتابعات، بل إن محرر الصفحة الأولى في أحد الأعداد لم يلتفت إلى وجود عبارة تتحدث عن الصدور اليومي "القريب جداً جداً" فيما كانت الصحيفة تصدر يومياً لليوم الرابع.
بالطبع تبقى مسائل الشكل على أهميتها قابلة للتفسير ثم للتعديل مع الاعتياد على الصدور اليومي، لكن النقطة الأهم التي لا يستطيع المراقب تجاوزها هو الفرق في المحتوى بين ما كان متوقعاً من صحيفة إسلامية اعتادت أن تعتمد مداخل خاصة وعناوين خاصة لكافة القضايا التي تتناولها، وبين ما صدر فعلاً. فمَن كان يتوقع مثلاً أن تصدر صحيفة "السبيل" في عددها الثاني صبيحة يوم الأربعاء وهي تحمل عنواناً حيادياً عن نتائج الانتخابات الإسرائيلية مرفقاً بصورة لشباب من حزب "كاديما" يحتفلون بالفوز وهم يلوحون بالأعلام الإسرائيلية؟ ثم يصدر العدد التالي وهو يحمل على الصفحة الأولى لكل من الجزء الأول والثاني صورة شخصية ملونة لزعيم حزب الليكود نتنياهو إلى جانب عنوان محايد أيضاً؟
هي ملاحظات قد يجادل أحد أنها تتصل بالشكل فقط، والى أن توضح الأعداد المقبلة صحة ذلك من عدمه، يخشى أصدقاء للصحيفة من أنها في سعيها إلى نفي تهمة الانحياز، سوف تعتمد درجة مبالغاً فيها، وربما لم يطلبها أحد، من الحياد والموضوعية.











































