الزرقاوي قصص التفجيرات والموت اليومي

الرابط المختصر

يستيقظ أهالي حي معصوم في مدينة الزرقاء على وقع حياة عادية، فالبحث عن لقمة العيش هو الأهم لهم من التفكير بشخص كان جارهم في السابق، لكنه الآن بات "الإرهاب بعينه" والقاتل بعّرف أعماله التي أقترفها.في السنوات القليلة الماضية كان نجم أبو مصعب الزرقاوي غير معروف على مستوى العالم، فهو "فقير، معدوم" يعمل موظفا في بلدية الزرقاء ويتقاضى راتباً لا يزيد عن 65 ديناراًً، فهو رجل "عنيد وصعب المراس" كما يصفه أقاربه، ولا يختلف عن طباع مجايليه من شباب عشيرته.

في المكتب الإداري التابع لبلدية الزرقاء، يعمل عبد الله الخلايلة رئيس قسم مجمع الزرقاء، هو أحد عمومة أحمد فضيل الخلايلة الملقب بأبي مصعب الزرقاوي، يتذكر عبد الله الأيام التي قضاها مع أحمد في العمل والحياة الاجتماعية.

"كنا موظفين في بلدية الزرقاء في قسم الزراعة، كنا نعاني من الأوضاع المادية السيئة جداً، لم يكن أحمد كما هو الآن".

حالة من الصمت خيمت على المكتب للحظات مصحوبة بضجيج محركات الحافلات المتوقفة المنتظرة الركاب وأصوات الباعة على البسطات التي ضج المكتب بأصواتها، وبدأ حديثه عبد الله بالقول: "الفقر كان عنوان حياتنا، ولم يقتصر فقط على عائلة أحمد إنما كل عشيرتنا؛ فرواتبنا بتلك الفترة لم تزد عن الـ65 ديناراً، ولك التقدير بأحوال شاب يعيل عائلته بهذا المبلغ".

حي معصوم وحي الغويرية إحدى أكثر المناطق فقراً في مدينة الزرقاء، المتاخمة حدودها على حدود العاصمة عمان، تلك المدينة المزدحمة بالسكان وبالفقر وبكل ما هو بعيد عن اهتمام الحكومة والمنظمات الدولية.

في حي معصوم وبإحدى مداخله الضيقة المطلة على مقبرة الحي، تسكن غالبية كبيرة من عشيرة الخلايلة، تلك العشيرة التي ينتمي إليها أحمد فضيل الخلايلة، وفي إحدى منافذ الحي يأخذك الطريق إلى بيت أبي مصعب المترفع عن أقرانه من البيوت المجاورة المستقلة والمتاخمة لكسارة جبال، تلك منظرها يوحي بحدة وقسوة سكبت ملامحها على ذالك الشاب الثلاثيني أحمد الملقب بأبي مصعب الزرقاوي.

عبد الله يستمر في حديثه عن أحمد، متذكرا أياماً شعر فيها بتغيره.."في يوم من الأيام جاء وقال لي أنه يريد أن يذهب إلى أفغانستان، نغيب سنة أو سنتين لنحسن أوضاعنا المادية ما رأيك، لم أجبه ولم أوافقه أبداً، لأني كنت مرتبطاً بعائلتي. وقتها كان باب الجهاد مفتوحا على مصراعيه أمام المجاهدين العرب، أما هو فلم يكن يأبه بحياته".

ما يذكره عبد الله بتلك الفترة هو أن عائلة أحمد ضغطت عليه كي لا يذهب إلى أفغانستان، ويتابع عبد لله "توسلوا لي كي أقنع أحمد بالتخلي عن سفره لأنهم يخافوا عليه".

"حدثته كثيرا كي يتخلى عن سفره لكنه كان مصرا جداً، قائلا لي أريد تحسين وضعي المادي".

شغف العيش بحثا عن المال، كان حلم أحمد "كان من خيرة الشباب. نعم كان شاب فتوى ولم يكن يحسب حساب لأحد أبداً ولم يكن يخاف من أحد، ولكن أخلاقه كانت عالية جداً، ولم يكن لديه أي نوع من أنواع التطرف".

في العام 1999 ذهب الزرقاوي إلى أفغانستان، متدرباً في معسكر "هيرات" ليصبح بعد ذلك قائداً لمجموعة من الشباب العربي القادم تحديداً من فلسطين والأردن وسوريا ولبنان، بقيادة مستقلة عن تنظيم القاعدة الآخذة بالتطور في تلك الفترة. وهي فترة أثرت على شخص أبو مصعب العنيف أصلاً "وهو من فتوة حي معصوم"، تلك الحياة زادته قسوة وخشونة.

"عندما عاد أحمد إلى الأردن بعد عودته من أفغانستان حاول أن يستقر لكنه لم يقدر التأقلم على الظروف ". كما يقول عبد الله.

الزرقاء مدينة المهجرين والباحثين عن العمل، مدينة تشكلت على مدى سنوات عديدة من خليط ثقافات المهجرين وفيها ازدهرت التيارات الإسلامية ومنها خرج السلفي أبو محمد المقدسي نزيل سجن سواقة اليوم وعدد لا بأس به من السلفيين.

حياة أبو مصعب في أفغانستان مع زوجته وأولاده في هيرات المدينة والقاعدة كانت صعبة ومتعبة، ولم يكتب لها الاستمرار، فقد عادوا إلى الزرقاء. وفي عودته تلك يتذكر عبد الله.."أذكر المرة الأخيرة التي جاء فيها إلى الأردن، أو المرة الأخيرة التي شاهدته بها فقد كنا في عرس أثنين من أولاد عمومنا، أذكر أنه عبّر عن نيته الاستقرار في البلد لأنه تعب الحياة في أفغانستان، وبعد فترة شهادته وقد اشترى سيارة نوع لادا فئة نيفا".

أبو مصعب اختفى ولم يعد يراه عبد الله، وبعد ذلك "سمعت أنه محبوس، ومن ثم اختفت أخباره إلى أن قيل لي أنه خرج من السجن واختفى تماماً من البلد فهو قد غادر البلد".

لكنه كان في تلك الفترة مسجوناً وأعوام سجنه كانت 15، وبسبب عفو صدر بمناسبة جلوس الملك عبد الله على العرش، كان قد أطلق سراحه مع مجموعة من المحكومين.

آنذاك كانت الزرقاء مدينة تتشكل وتتطور ويزداد الخناق على فقراءها، ومع الكثافة السكانية التي أخذت بالانتشار بين الأحياء وخصوصا في حي معصوم والغويرية، لم يكن لعشيرة الخلايلة أي تصور بان ابنها احمد الذي لم يستطع أحدا "الاقتراب إلى ساحته، والذي يقترب إليه لا يقصر فيه"، أن يكون قائد مجموعة في أفغانستان كما يحدثنا عبد الله، ويتابع "فهو عنيد وعنيف وقد عملت أنا وإياه في البلدية لثلاث سنوات متتالية في قسم الزراعة كان يعمل مراقبا على العمال لكن أذكر أنه كان رؤوفا عليهم".

حي معصوم "فيه الكثير من الزعران، ولم يكن أحمد واحداً مختلفاً عنهم".

الزرقاوي اختفى ولم يعد له وجود في الأردن.

الزرقاوي كان قد عاد مجدداً إلى أفغانستان لأن فترة وجوده في الأردن كانت فترة تأسيسه تنظيم "بيعة الإمام"، بالتعاون مع المقدسي، لكن بسبب اكتشاف الأجهزة الأمنية التنظيم، كان السبب في سجنه قاضيا شهور عدة في السجن؛ تلك الفترة كانت بمثابة فرصة له في تجنيد عدد من أصحاب السوابق "العادية" لفكره وفكر من تلقن على يديهم كأبي قتادة وعبد الله عزام "الجهاد، السلفية ومحاربة أعداء الله". لينطلق بعدها إلى أفغانستان مصحوبا بعدد من الشباب المتابع لفكره.

تعاقبت الأحداث والتفجيرات في كل مكان في العالم، وتكرر اسم الزرقاوي في هذه التفجيرات، لتتحدث الأخبار عن تعيين زعيم القاعدة أسامة بن لادن الزرقاوي نائبا له في العراق في عام 2004. مغيرا الزرقاوي اسم جماعته من "التوحيد والجهاد" إلى "تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين".

عبد الله المتكئ على جدار الغرفة يقف أمام الشباك المطل على المجمع، ينظر إلى المارة من أهالي مدينته الزرقاء، يقول: "عودة أحمد إلى الزرقاء أصبحت بعيدة، فالرجل بدا غير مكترث بالعودة، رغم أوضاع زوجته وأطفاله الصعبة والمنتظرين عودته".

في عام 2002 أصدرت محكمة أمن الدولة قرارا يقضي بإعدام الزرقاوي "بتهمة التخطيط لهجمات على أهداف أمريكية وإسرائيلية في الأردن". كما صدر حكم مثيل بحقه عام 2004 أيضا "بتهمة التخطيط لاغتيال الدبلوماسي الأمريكي لورانس فولي عام 2002".

توالت السنوات وازداد الدمار والقتل في العراق، حيث باتت أرضاً خصبة للقتل والتنظيمات، عندها أصبح الزرقاوي بطلاً لأكثر من عملية تنفذ بحق الاحتلال للعراق وكذلك بحق أهداف شيعية مخلفة عند كل عملية عشرات القتلى في صفوف العراقيين، وفي أعنف هجماته كانت عملية انتحارية أدت إلى مقتل العلامة الشيعي محمد باقر الحكيم ومئات العراقيين في مدينة النجف. لترصد الولايات المتحدة آنذاك 25 مليون دولار لمن يدلي بمعلومات تقود إلى قتله أو اعتقاله.

في عام 2005 أصدرت محكمة أمن الدولة ثالث حكم غيابي بإعدام الزرقاوي بتهمة "التخطيط لهجوم انتحاري فاشل عند نقطة التفتيش الحدودية مع العراق". كذلك حاول تفجير مبنى المخابرات في عمان، وهجوم على سفينة أميركية في ميناء العقبة. ومع وقوع تفجيرات عمان في ثلاثة فنادق أدت إلى سقوط ما لا يقل عن 60 مواطنا، كان للزرقاوي إطلالة يعلن فيها مسؤوليته عن التفجيرات.

إعلان الزرقاوي مسؤوليته، كان بمثابة "اللعنة" على أقرباء أحمد أو من يعرفه، إلى درجة جعلت من كان يؤيده بأفعاله يتمنى له الموت بسبب الألم الذي تركه، ومباركة قرار الحكومة بسحب الجنسية عنه.

الزرقاوي على الفضائيات
"نظرتي لأحمد إذا كان كما كان رجلا يجاهد في سبيل الله ولا يستهدف أحداً، من نساء ورجال وشيوخ فعليا فنحن نقول له أن الله ينصره، أما إذا كان يستهدفهم حقاً فهو إرهابي. ونحن لا زلنا نجهل الحقيقة".

"ما شاهدته في أحمد على الفضائيات مؤخراً هو أحمد، لم يغيره الزمن". عبد الله دقق النظر بأحمد حينما بثت الفضائيات صوره وهو يتدرب في العراق ويطلق الرصاص ويتوعد ويلقي بيانه، يقول: "هل هذا أحمد بلكي يكون دوبلاج"، لكنه يستدرك "هو أحمد فضيل نزال الخلايلة بشحمه ولحمه لم يغيره الزمن".

ويضيف "بحياتي لم أر أحمد يحمل حتى رصاصة واحدة، إلا على التلفزيون حينما شاهدته، قلت حينها أنظروا أنه أحمد عنيف من يومه".

"أريد أن أعود وأقول أن أحمد سافر لأجل المال، وبسبب ظروف البلاد التي يعيش فيها ومن خالطهم فقد تأقلم معهم واندفع لهم وبات منهم. نتمنى أن يعود إلى صوابه ولوطنه وأولاده، ويتراجع عن الكلام الذي يتلفظه دوما في الفضائيات حول القتل والدمار، ويبتعد عن الإرهاب ويعود لنا، فأولاده بأمس الحاجة له كذلك أهله وأخوته وعشيرته أيضاً".

عبد الله كان أحد أصدقاء أبو مصعب المقربين، والاثنين ينتميان إلى عشيرة الخلايلة، من فخذ الفلاح وهو من عائلة الخطاطرة والزرقاوي من عائلة الزبيدات.

عائلة الزرقاوي كانت ولا زالت تعاني الأمرين من أحمد، فعلى مقربة من بيته وقفنا ننتظر أحداً أن يفتح لنا الباب، وكان لأحد أبناء عمومه لنا الدليل في رحلتنا لبيته على أمل الوصول لعائلته المقربة والحديث معها، وكان الطريق سالكة والوقوف أمام منزله إنجاز وقفنا أمام المنزل والذي كتب على حائطه الخشن "دار أبو مصعب الزرقاوي"، ليخرج شقيقه بعد طلبنا المتكررة له عبر "الانتركم"، ليخرج ويدعى أبو يوسف قائلا لنا بصوت عال "ماذا تريدون منا" وعندما علم بأننا من إذاعة ازداد عصبية وقال "يكفينا أربع سنوات من الضغوطات بدون رحمة، أذهبوا من هنا حالاً، لا نريد صحافة، أتريدون سبقا صحفياً أذهبوا منها الله يسهل عليكم".

الذعر هو ما يمكن وصفه لحال عائلة أبي مصعب، فقد حاولنا الحديث مرارا مع ابن عمه ويدعى أبو جميل، حينما استدعاه عبد الله إلى مكتبه لنتحدث معه، وبعد علمه بأننا إعلام وقف فجأة وقال بصوت متهدج "لا نريد الحديث يا أخي أرحمونا، لا أحد يرحمنا منذ البلاوي التي حلت علينا لقد تعبنا من الجميع".

صورة وردية كان يرسمها بعض شباب المدينة عن أبي مصعب الزرقاوي، فهو بنظرهم "العنيد والمرعب للاحتلال الأمريكي في العراق. في هذه الفترة بتنا نشاهد فئة ليست قليلة تنظر له على أساس أنه إنسان لا يبحث إلا عن الدمار، ولعل تفجيرات عمان كانت الفيصل في تفكير الكثيرين" كما تقول منى الغويري.

الفقر مشكلة كبيرة
"الزرقاء مدينة الفقراء" تقول منى وهي أول مختارة أردنية في مدينة الزرقاء، ذهبت معنا في سيارتها إلى منطقة سكنه، وتتابع: "الحديث عن الزرقاوي لا يستدعيني سوى الحديث عن مشكلة الفقر والبطالة فهي مشكلة كبيرة لدينا".

منى تعمل في مدينتها ضابطة عدلية، وعلى تماس بهموم المواطنين وخصوصاً الشباب، وتقول "أنا غويرية ونحن نتبع عشيرة بني حسن، والزرقاوي هو من قرابتنا، كنا في السابق نسمع الشباب يمدحون أبي مصعب على الملأ ويستشهدون بأفعاله، أما الآن فالحال تغير".

"كما أعلم أن أحمد من العائلات الفقيرة والمعدمة، ولا بد من الإشارة إلى أن حي معصوم وحي الغويرية من أفقر الأحياء في الزرقاء".

نجمه.. إلى الأفول
والد منى كان مسؤولاً عن أحمد فضيل الخلايلة، "فهو كان موظف بلدية، وينتمي لعائلة بسيطة لا يوجد لديهم أي توجه سياسي أو ديني، لكن كان دائما يبحث عن فرصة للعمل، حتى أن سفره إلى أفغانستان هو لأجل البحث عن فرصة عمل وتحسين الدخل المعيشي".

شوارع الزرقاء المليئة بالشباب الباحث دوما عن "صورة بطل أسطوري لهم" هي كانت مجسدة "بأبي مصعب الزرقاوي"الآن يبدو أن الميزان انقلب".

وتلحظ الغويري أن عددا من الشباب في الزرقاء، "بداً ينتقد أبو مصعب عما يفعله في العراق، وأيضا لديه من هو معجب بشخصه وبما يقوم به، لكنهم لا يتحدثون ذلك علنا تحسبا من الأوضاع الأمنية الصعبة في المنطقة وخصوصا في الأحياء التي تربى بها أبو مصعب في الزرقاء، وحتى أن بعضهم ومن هو على معرفة بأبي مصعب يخافون فيما لو سئل إعلاميا عن رأيهم بالزرقاوي ويهربون، وذلك حتى لا يلاحقهم عن بعد، ونحن نجد أن أبي مصعب اتجه إلى تيار لا يباركه أهالي عشيرته".

كان أحمد أحياناً يتغيب عن عمله في الزرقاء، "فكان والده يأتي لدى أبي ويطلب منه العفو عنه كون أبي مسوؤلا عنه في العمل"، وتتابع: "أعتقد أن الزرقاوي وصل إلى مرحلة صعب فيها أن يتراجع، ونحن نستاء من حجم هذه الجرائم وتنسب لأحد أبناء عشائرنا".


أضف تعليقك